تعز.. ومن الحب ما قتل!
 

محمد عبده سفيان

تعز.. المدينة والمحافظة.. تعز الثورة والنضال ضد الجهل والتخلف والقهر والاستبداد وجبروت الطغاة والغزاة المحتلين، كانت وما زالت وستظل قلب اليمن النابض، مهما حاول البعض تحجيم دورها الوطني والنضالي، ومكانتها التاريخية والحضارية، وحرفها عن مسارها الوطني، وتشويه تاريخها الزاهر ومجدها العامر.
تعز لم تكن في يوم من الأيام منكفئة على نفسها، ولم يكن أبناؤها في يوم من الأيام مناطقيين أو طائفيين، بل كانوا وسيظلون وطنيين وحدويين، مهما حاول البعض ممن لا يرون أبعد من أنوفهم، أن يزرعوا الأحقاد والضغائن في النفوس، من خلال تغذية الخلافات والصراعات، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والمناطقية المقيتة، دون وعي وإدراك أنهم بذلك ينفذون أجندة أعداء اليمن القريبين والبعيدين، والهادفة إلى تقسيم وطننا إلى دويلات صغيرة على أساس طائفي ومذهبي ومناطقي، ليظل أبناء الشعب اليمني في صراع دائم وحروب لا تنتهي.
تعز لن تكون للتعزيين فقط، كما يريد الأعداء، وإنما ستظل كما كانت تعز لكل اليمنيين، وستظل صنعاء وعدن وحضرموت والمهرة والحديدة وكل اليمن تحتضن أبناء تعز الذين سيظلون حملة مشاعل العلم والثقافة، وقادة للبناء والتنمية والتحولات الاجتماعية والوطنية والتاريخية لليمن المعاصر. ولن يستطيع أولئك النفر ممن أعمى الله بصرهم وبصيرتهم، الذين حولوا تعز المدنية والعلم والثقافة والمحبة والسلام والوئام، إلى ساحة مفتوحة لحرب مجنونة وعدوان خارجي غاشم، حرب داخلية وعدوان خارجي همجي، أصبحت مدينة تعز العاصمة الثقافية جراء ذلك مدينة تسكنها الأشباح، حيث دمرت مساكنها ومنشآتها العامة والخاصة، وشرد سكانها، وأصبحت عصابات القتل والنهب تعيث فيها فساداً.
أكثر من عام و50 يوماً مضت على بدء شن العدوان البربري الغاشم على وطننا وشعبنا اليمني، من قبل مملكة بني سعود وحلفائها من أنظمة الشر العربي والعالمي، واندلاع الحرب المجنونة في تعز، وأرواح أبناء تعز البريئة تزهق، ودماؤهم الزكية تسفك، ومنازلهم ومحلاتهم تدمر، سواء بالصواريخ التي تلقيها طائرات العدوان، أو بصواريخ الكاتيوشا و(لو) وقذائف الدبابات والمدافع التي يتبادل إطلاقها الطرفان المتحاربان.
كانت تعز المدينة تعيش في أمن وأمان وسلام ووئام، كانت تحكي لزائريها جمالها الفاتن وتاريخها الزاهر ومجدها العامر.. كانت تحكي لزائريها قصة حصنها المنيع (قلعة القاهرة التاريخية) ومساجدها العامرة (معاذ بن جبل في الجند والمظفر والأشرفية والمعتبية وعبدالهادي السودي) وأبوابها الأربعة (الباب الكبير وباب موسى وباب المخلولة وباب المداجر) وأسواقها الشهيرة (الشنيني ـ الطعام ـ اللقمة ـ البز)، وتحكي عن صفحات من تاريخها المشرق كعاصمة للدولة الرسولية التي كانت من أطول الدول اليمنية عمراً في تاريخ اليمن الوسيط، حيث استمرت قرنين وثلث القرن (569ـ626هـ/ 1173ـ1229م)، وحكمها 15 ملكاً، أولهم الملك نور الدين عمر الرسولي، وآخرهم الملك المسعودي (أبو القاسم صلاح الدين بن الأشرف الرسولي).. وكانت تحكي لزائريها تاريخها الوطني والنضالي.. تحكي قصة النضال والثورة ضد الاستبداد الإمامي في شمال الوطن والاستبداد السلاطيني والاستعمار البريطاني في الجنوب، وتحكي قصة الأبطال الذين ضربت أعناقهم في ميدان الشهداء عام 1955م، وقصة أولئك الأبطال الذين انطلقوا منها صوب العاصمة صنعاء في الأعوام 62م وحتى 1968م، للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر الخالدة، وصوب عدن وجبال ردفان في لحج خلال الأعوام 63، وحتى 1967م، لخوض الكفاح المسلح وحرب التحرير ضد الاستعمار البريطاني، ولكنها اليوم لم تستطع استقبال زائريها لتحكي لهم ما تعانيه من مآسٍ وآلام وخراب ودمار منذ مارس العام الماضي، جراء الحرب الداخلية التي تدور رحاها في أحيائها وحاراتها وشوارعها، وجراء العدوان السعودي الغاشم.
الجميع يدَّعون حبهم لتعز، وكما يقول المثل (ومن الحب ما قتل)، فهي تدمر، وأبناؤها يقتلون ويشردون على يد من يدعون حبهم لها..!

أترك تعليقاً

التعليقات