عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -
سيسجل التاريخ أن انتفاضة أيار/ مايو الفلسطينية الشعبية 2021 كانت أهم المحطات النضالية البارزة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، لاعتبارات عديدة ومن نواح عدة، من حيث نوعية الانتصارات العسكرية والسياسية والاجتماعية والنفسية التي تحققت للشعب الفلسطيني والحركة الوطنية الفلسطينية، ومن حيث الأثر الذي أحدثته في الوعي الجمعي الشعبي الفلسطيني والعربي والإسلامي، خصوصا لدى الجيل الجديد، خاصة في زمن التغييب أو الغياب الرهيب الحاصل للقضية المركزية عن نفوس وأذهان الكثيرين من أبناء الشعوب العربية ونخبها (بما يشبه حالة غيبوبة تاريخية في العقدين الأخيرين)، وكذلك ما خلقته من صدمة وعي جديدة لدى قطاعات عديدة من أبناء هذه الشعوب حول صوابية وعدالة القضية الفلسطينية، حيث سادت لعقود أجواء الإحباط والتراجع النفسي والعقلي، وانتشار مظاهر اليأس، بل والتشكيك، حتى في أوساط بعض النخب المثقفة، مع شيوع فنون التضليل والدجل الإعلامي والثقافي والفكري والشغل الرهيب للآلة الجهنمية الدعائية الإعلامية الثقافية للإمبريالية والصهيونية المدججة بأحدث مبتكرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفنون الدعاية وتقنيات وأساليب علم النفس الاجتماعي والإعلامي، وغيرها من فنون التأثير في الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي تحت مشاريع غسيل العقول الأيديولوجية الإعلامية النفسية، وبالأخص الاشتغال على جانب تزوير الحقائق التاريخية.

المكسب الأكبر
الانتفاضة كان لها أيضاً الأثر السياسي والمكاسب السياسية النوعية المتحققة منها. فهي تمكنت فعليا من إنهاء مشروع "صفقة القرن" ودفنه إلى الأبد، وهو المشروع الصهيوني الأمريكي الاستراتيجي الجديد الذي كان يراد تمريره وتطبيقه في كل أنحاء المنطقة، بحيث يقضي على القضية الفلسطينية تماما، من خلال تمييع المطالب الفلسطينية وتجزئتها عبر الحذف والإسقاط لمكونات أساسية في القضية بما هي مطالب جوهرية وحقوق رئيسة في المظلومية الفلسطينية، مثل إبعاد الشعب عن أرضه والإبقاء على حالة التشرد والغربة في المنافي كلاجئين وعدم السماح لهم بالعودة، بل وقضم الأرض ومصادرتها بالكامل، حتى الفتات الذي تبقى منها، وهو ما يصل إلى العشر تقريبا سيتم ابتلاعه وهضمه، في استكثار واضح على الشعب العربي الفلسطيني الحصول حتى على هذه الفتفوتة الصغيرة أو النتفة الباقية من أرض فلسطين التاريخية، والتي راح الصهاينة يقضمون منها تدريجيا من خلال المستوطنات وبناء الجدار العازل وغيره، منذ الاتفاق التاريخي البائس المسمى "اتفاق أوسلو".

خلفية تاريخية للصراع
شعب فلسطين هو صاحب الأرض، وهؤلاء هم دخلاء أجانب معظمهم لا صلة له عرقيا وقوميا وحضاريا وجغرافياً بهذه الأرض، يكشف عن ذلك جينالوجيا الحامض النووي، وهم أتوا من أصقاع الأرض، جلبتهم الحركة الصهيونية وبدعم استعماري من بريطانيا (دولة الانتداب الاستعماري على فلسطين).
ومن المهم هنا أن نتعجب ونستغرب ادعاءات ما يسمى "الحق التاريخي" للصهاينة في فلسطين، وكيف أن هذه الأكاذيب والمغالطات التاريخية انطلت حتى على بعض المثقفين اليساريين في بعض الفترات الزمنية!! وبعضهم -للأسف- ما زال حتى الآن ينظر للأمر بالتباس وتشوش عجيب!
من المعلوم تاريخيا أن الحركة الصهيونية اشتغلت بنشاط اختراقي كثيف في العديد من الدول الكبرى الاستعمارية الغربية المهمة، بل وحتى الدول الشرقية الثورية الصديقة في بعض الفترات الزمنية، بهدف تمرير مشاريع ومزاعم صهيونية وتسويقها في الأوساط النخبوية الاستعمارية المؤثرة، وحتى في بعض الأوساط الطليعية الثورية!! على سبيل المثال حركة "حدتو" الديمقراطية اليسارية في مصر بقيادة هنري كوريل، وهي من أهم فصائل ثورة يوليو 1952، وكان لها نفوذ ثوري كبير حتى في أوساط الضباط الأحرار، هذا التنظيم وبرغم صوابية منطلقاته وأهمية كفاحه إلا أن مقاربته للقضية الفلسطينية كان ملتبسا وغامضا وخاطئا في أغلب مراحل تاريخه.
وفي أوضح مثال على الاختراق أو الالتباس والتشوش وسوء الفهم لجوهر القضية والصراع، راح البعض من هؤلاء يبرر ويتعاطف مع الطرف المعتدي تاريخيا تحت مزاعم شتى، مثل وجود حق تاريخي أو ملابسات ثقافية أو مبررات إنسانية وديمقراطية أو رغبة محمومة بإيجاد حلول للمسألة اليهودية وإنقاذ أبناء الطائفة اليهودية من الاستبداد الإمبراطوري الإقطاعي والعنصرية الأوروبية والاضطهاد الطائفي المسيحي والإسلامي و… و... وتحت شعارات إنسانية أخرى بعضها مستوحى ربما من الماسونية وغيرها من المنظمات الشبيهة بها!

فاشية يهودية
نعود ونقول إن التأييد والتعاطف الدولي مع الحركة الصهيونية، خصوصا في فترة النشوء والبدايات والتأسيس الرسمي للكيان الصهيوني، جرى على حساب تشريد شعب آخر وتهجيره من أرضه بالقوة، وهضم حقوقه الإنسانية، وارتكاب المجازر البشعة بحقه، مستخدمين أبشع أساليب التحريض الديني عليه، وفي إطار من التعبئة الدينية التي تتوسل الاستعانة بنصوص دينية محرفة فاسدة نسبت إلى رجال يهود صالحين، وتشكيلة واسعة من الخرافات والأساطير والمزاعم التاريخية لتبرير كل الظلم الذي حصل والذي ارتكبته هذه الحركة الدينية القومية الفاشية المستعمرة.
ولم يكتف الصهاينة بقضم أجزاء واسعة من الأرض وإقامة كيان سياسي صهيوني مصطنع سموه "دولة إسرائيل" والتي أعلن قيامها في الـ15 من أيار/ مايو سنة 1948، وهي ما تسمى في أدبياتنا "ذكرى النكبة الفلسطينية"، لم يكتفوا بذلك، بل أرادوا الحصول على كل شيء: الأرض والثروة والتاريخ وطمس الهوية وإبادة واجتثاث شعب بأكمله، فيما يشبه تكرارا تاريخيا مأساويا لما حصل مع الهنود الحمر في أمريكا قبل قرن إلى قرنين من ذلك التاريخ.
وشرعوا في تنفيذ سياسة ممنهجة خبيثة، وهي سياسة الابتلاع والتطهير العرقي، من أول لحظة دب فيها الوهن والضعف في الإمبراطورية الإسلامية العثمانية، مرورا بسنوات الانتداب الاستعماري واستغلال ظروف الحربين العالميتين ومجازر النازية بحقهم وظروف التأييد الليبرالي الدولي لهم والتعاطف معهم باعتبارهم ضحايا للنازية وقبلها ضحايا للاستبداد والاضطهاد العنصري والطائفي للإمبراطوريات البائدة.
ومن الوهلة الأولى لاغتصابهم أرض فلسطين والإعلان الرسمي عن ذلك راحوا يمارسون البشاعات النازية ذاتها التي ارتكبت في حقهم، يمارسونها على الشعب الفلسطيني، شعب بدو الصحراء، شعب الهنود الحمر الجدد في نظرهم، في حالة سيكوباتية جماعية (التماهي مع المعتدي) شكلت خلفية نفسية اجتماعية لهذا النشاط الخبيث المحموم.
منذ البدايات الاستيطانية راحوا يؤسسون لعصابات فاشية مسلحة ويعطونها الضوء الأخضر لارتكاب المجازر بحق سكان القرى، حيث قتلوا وشردوا أعداداً كبيرة من الشيوخ والنساء والأطفال، في جرائم تقشعر لها الأبدان، و"تدعششوا" في الأرض (بمعنى أنهم هم وأسلافهم القدامى كانوا أول من مارس الدعششة: السلوك الداعشي)، حيث كان لدينا في التاريخ القديم قبيله بني إسرائيل تقتل وتشرد وتغتصب الأرض باسم الرب والدين إله إبراهيم، وفي التاريخ الحديث أيضاً لدينا هذه العصابات الصهيونية المسلحة في الثلاثينيات والأربعينيات، شر خلف لشر سلف، بما مارسته من أبشع الجرائم البربرية بحق الفلاحين العزل أبناء الشعب الأصليين، حيث وهذه العصابات كان لديها المظهر المخادع والقشرة الحضارية الحداثية الخارجية الزائفة، ولكن أيضاً الجوهر القبلي البدوي الديني التوراتي المتأصل في الحركة الصهيونية نفسها.
هذا هو سلوك وذهنية البربرية القبلية "الإسرائيلية" البدوية باسم الدين والرب في حق الآخرين المعتبرين كفار الجوييم الأغيار، كما حرضت عليهم وسمتهم التوراة المحرفة، الكتاب المقدس والمرجعية الأيديولوجية الأساس التي يستند إليها الصهاينة، ليس ذلك فقط، بل والبربرية القبلية الجرمانية الفاشية المستوطنة عند الكثير منهم والتي تشربوها وتأثروا بها بطريقة سيكوباتية بوصفهم ضحايا وتماهوا معها، كما قلنا حالة "التماهي مع المعتدي".
نعم منذ الوهلة الأولى لإعلان كيانهم الرسمي المدعوم دوليا في زمن الغفلة والخذلان والانخداع الأممي، كما يكشف لنا التاريخ، عمدوا إلى مصادرة كل الحقوق وعلى رأسها حق تقرير المصير، عبر إنهاء فكرة قيام دولة حقيقية تضم أبناء الشعب الفلسطيني، حتى هذه لم يقبلوا بها فيما بعد وتراجعوا عنها، بل حتى التنازل عن أي جزء من الأرض لأي جزء من هذا الشعب قررته اتفاقات دولية ظالمة، ثم تلاها اتفاقات سلام كاذبة مجحفة على جزء من الأرض في زمن الخضوع والخنوع.

نفق مظلم ومسار خاطئ
وفي إطار من وعود زائفة شكل كل هذا خديعة صهيونية تاريخية للفلسطينيين هي "اتفاقية أوسلو" ومسار أوسلو، والتي لم تصحُ على كذبتها وخطورتها القيادات المخدوعة إلا في وقت متأخر للأسف الشديد، ومع ذلك هذه الفتفوتة من الأرض وهذه الدويلة المنزوعة السيادة المقترحة والحقوق الأخرى المجتزأة المتميعة والوعود المخادعة بمعالجة الملفات الأخرى كالعودة واللاجئين والاستيطان والقدس والمياه و… و… و… إلخ لم تتقبلها حكومات اليمين "الإسرائيلي"، بل وعمدت إلى رفضها بالمماطلة والمناورة والتسويف والفرملة واصطناع الأعذار، حتى تم الشروع في إلغائها تدريجيا وفرض سياسات الأمر الواقع من خلال الاستمرار في مسلسل الاستيطان الكثيف والتهويد الذي يراد له ابتلاع ما تبقى من هذه الأرض!
ودخلت في مسلسل للعنف المصطنع عبر شن سلسلة من الحروب التدميرية وتصفية قادة ونشطاء المقاومة على اختلاف فصائلها ومكوناتها، وطرد وسجن وملاحقة آخرين وإصدار قوانين إدارية ظالمة، وفرضت عملية التحكم بالمياه بمختلف الأساليب، وحاربت الفلاحين الفلسطينيين في مصدر رزقهم، وعرقلت ودمرت كل محاولات التنمية والنهوض في الضفة والقطاع.

مشروع سياسي تخريبي
ثم سارعت مؤخرا إلى محاولة فرض مشروع التصفية النهائية للقضية، المسمى مشروع "صفقة القرن" بمباركة وتأييد من الإمبريالية الأطلسية، الأمريكية تحديدا، والرجعية الخليجية، وتم تقديمها على أنها أمريكية المنشأ وهي في الواقع طبخة صهيونية صنعتها سلطات الاحتلال!
وكان لهذا المشروع الشيطاني للهيمنة والتصفية مقدمات تاريخية من ضرب الوحدة الفلسطينية وخلق حالة من الانقسام الفلسطيني الداخلي غير المسبوق وصل إلى درجة وجود حكومتين شرعيتين مزعومتين، إحداهما في غزة والأخرى في رام الله!!
ثم الدخول التخريبي الفوضوي الخلاق لاحقا على خط الانتفاضات الشعبية العربية (الربيع العربي) واستخدام النفوذ الصهيوني في دول الغرب الإمبريالي للتدخل تحت ذرائع واهية وكاذبة لتحطيم الدول الوطنية العربية الممانعة ومحاصرة وتشتيت غيرها من الدول الإسلامية الكبرى بما تمثله من عمق استراتيجي دفاعي عن القضية الفلسطينية.
وعمدت إلى تشويه جوهر الصراع العربي ـ الصهيوني وعزل أنصار القضية الفلسطينية وحامليها وإبعادهم عن عمقها الاستراتيجي الجماهيري والرسمي الحكومي في بلدان المحيط العربي والإسلامي، وصولا إلى فرض مسلسل التطبيع على دول تابعة أو مشيخات هزيلة لخلق بوابات للنفوذ السياسي والعسكري والأمني في المحيط العربي، وتعظيم الفوائد الاقتصادية للخروج من الأزمة التي يعيشها الكيان الصهيوني، بل وفي الأساس كمحاولة لكسر ما تبقى من عزلة محيطية عربية وإسلامية فرضت عليها إبان كل مراحل الصراع.

نظام أبارتهايد
وفي الداخل الفلسطيني المحتل أو ما تسمى أراضي 48 سعوا بكل الطرق في مراحل سابقة إلى عزل فلسطينيي الداخل عن الضفة وغزة والقدس، والإبقاء على حالة الانتقاص من الحقوق الإنسانية والمواطنية في ظل نظام فصل عنصري بشع، بل وحالة إنكار للمواطنية عبر سن ما يسمى قانون القومية الذي يجعل من "إسرائيل" دولة يهودية، وغيرها من القوانين الأخرى...

حالة ما قبل الانتفاضة
كما قلنا، أتت انتفاضة أيار/ مايو 2021 في أجواء من الاحتقان في الداخل الفلسطيني المحتل وأشعلت فتيل الانتفاض الجماهيري والانضمام إلى الانتفاضة في مفاجأة مدهشة وصادمة لسلطات الاحتلال. والأمر نفسه كان يحدث في الضفة الغربية في أجواء من حالة انكشاف الوضع والشعور بالخديعة وخيبة الأمل من طريق المفاوضات العبثية التي تقارب ربع قرن من الزمان، ولا مخرج ولا ضوء يرى في نهاية النفق المظلم، وإنما هناك تأكيد وضعية الوصول إلى طريق مسدود.
أيضاً جاءت انتفاضة أيار/ مايو في حالة تبرم شديد من فساد السلطة الوطنية واستمرارها في الخذلان والمراوحة، بل والتآمر المكشوف على القضية، والإصرار العجيب على الاستمرار في وضعية "أوسلو" ومؤسساتها الكرتونية الهزيلة، والقبول بالإذلال الإداري للاحتلال عبر فرض التنسيق الأمني والتحكم بالقرار والأموال وتحريض الإدارات الأمريكية ـ الصهيونية على حقوق الشعب الفلسطيني إلى درجة إعلان القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، ونقل السفارة الأمريكية إليها، ومحاربة منظمة "الأونروا" الأممية التي أنشئت لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين! في سابقة غير أخلاقية وغير إنسانية تكشف إلى أي مدى وصل الانحطاط الأخلاقي لدى بعض النخب الإمبريالية الأمريكية المتصهينة.

متغيرات إقليمية ودولية وانعكاسها الإيجابي على المشهد الفلسطيني
نقول إنه في ظل متغيرات إقليمية وعالمية ظهرت، وحصول تعديل ملموس في موازين القوى إقليميا ودوليا إلى حد ما لصالح أصدقاء فلسطين وأصدقاء المقاومة الفلسطينية وفي ظروف من تراجع نفوذ أمريكا في المنطقة والعالم أجمع، وهي الدولة الإمبريالية التي تمثل الراعي العالمي الرسمي للإرهاب الصهيوني، إرهاب الدولة والمستوطنين، في ظل هذه المتغيرات نرى مؤشرات ظهرت تدل على وجود ضوء في آخر النفق المظلم، ابتداء من نشاط حركة مقاطعة البضائع "الإسرائيلية" (بي دي إس)، ثم بروز الرفض الشعبي والرسمي لـ"صفقة القرن"، ثم التقارب السياسي والفكري بين القوى الوطنية، وبدء أولى المحاولات ـربماـ الجادة للحوار، وصدور قرارات إجماع وطني لمفوضي الشعب للخروج من عباءو "أوسلو" المخزية، وتصويب المسار النضالي، والتركيز أكثر على الوحدة الوطنية، ثم قبول عضوية فلسطين في "اليونسكو"، وصدور قرار محكمة الجنايات الدولية بفتح تحقيق حول جرائم الحرب التي ارتكبها القادة الصهاينة أثناء اعتداءاتهم المتكررة على غزة، ثم اللقاء الوطني للقيادات والممثلين، ثم قرار الذهاب إلى انتخابات فلسطينية والتركيز على أهمية مشاركة أهالي القدس فيها والتفويت على الصهاينة فرصة حدوث انتخابات بدون القدس، مع الانتباه أكثر للتحركات المشبوهة للإجهاز على ما تبقى من القدس وعملية تهويدها وإخراج المقدسات من الوصاية الهاشمية بحيث لا يتبقى معهم أخيراً إلا الشروع في بناء الهيكل المزعوم. كل هذا، بالإضافة إلى أنشطة تصنيع أسلحة النوعية والاستعدادات اللوجستية لمواجهة قادمة.

الانتفاضة نقلة نوعية في مسار الصراع
جاءت انتفاضة أيار/ مايو أخيراً بأنشطتها وفعالياتها المتنوعة، بما فيها تحقيق الردع العسكري بالأسلحة الدفاعية الصاروخية وتحطيم خطوط الدفاع العسكري الصهيوني وتحطيم أسطورة ما يسمى "القبة الحديدية"، وخلق حالة من توازن الرعب، ودفع قطعان المستوطنين وأبناء الغزاة إلى الاحتماء في الملاجئ وسط حالة من الصدمة الجماعية، والانكشاف لفكرة زائفة علقت في الأذهان عن الأمن "الإسرائيلي"، وتحقيق خسائر مادية كبيرة وفقد في الأرواح وإدراك أوسع من الصهاينة حول فشل وتهور وجنون وفاشية حكومتهم الراهنة، ثم في الانتفاض في جميع أراضي فلسطين التاريخية، الداخل والضفة والقدس والقطاع والشتات، والتوحد الشعبي الجماهيري في النضال لأول مرة، ربما بهذه النوعية وهذا الزخم، وكسر حاجز الخوف لدى الشباب الفلسطيني والجرأة غير المسبوقة في الوقوف أمام اعتداءات وهمجية العدو، بل وضرب العدو وتهديده وتلقينه دروسا في عقر داره، وأيضاً في تحقيق الإضراب الفلسطيني الشامل الموحد، وهي بادرة إيجابية لبداية نقلة نوعية في النضال الشعبي الفلسطيني.
أخيراً، تؤكد انتفاضة أيار/ مايو 2021 حقيقة قرب انبثاق صيغة جديدة للعمل الوطني الفلسطيني، وخط استراتيجي نضالي جديد يستوعب كل دروس وأخطاء المراحل السابقة، ويقرأ جيدا المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية، ويستوعب دروس انتفاضة أيار/ مايو المجيدة، التي تؤكد حقيقة التلاحم والتقارب والتعاضد الفلسطيني على امتداد كافة أجزاء فلسطين التاريخية، وحقيقة انبعاث صدقيتها وحبها في أذهان ونفوس أحرار شعوب العالم أجمع، وهو ما أكدته المظاهرات والاعتصامات والوقفات والاحتجاجات التي عمت أهم مدن العالم، خصوصا في أوروبا وأمريكا، وتؤكد قرب انبثاق صيغة من العمل الدولي الأممي باتجاه الوصول إلى مقاربات أكثر واقعية وإنسانية لجوهر الصراع تلغي حالة الانحياز الظالم إلى صف المعتدي وحالة الميوعة السياسية في إدارة الملفات داخليا وأمميا.
إنها بالفعل بداية جديدة مظفرة لمسار جديد صائب نحو الحل العادل للقضية الفلسطينية، ولا حل إلا بمواصلة الكفاح الشعبي الفلسطيني المتعدد الأساليب والمتعاضد لأوسع قطاعات الشعب الفلسطيني في كل أجزاء فلسطين التاريخية، والعمل السياسي الوطني المتعاضد المشترك على قدم الشراكة الوطنية والندية والتكافؤ في التمثيل السياسي والثقافي والاجتماعي والجغرافي لعموم فلسطين، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية الفلسطينية على أسس وطنية ديمقراطية حقيقية تحترم الشريك الوطني وتاريخه وفكره ودوره وإسهامه النضالي الوطني، والاستمرارية والحفاظ على الزخم النضالي كما ونوعا حتى إسقاط المشروع الصهيوني.

أترك تعليقاً

التعليقات