عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبدالقوي العبسي / لا ميديا -
الإرهاب هو أقوى الأسلحة التي استخدمها أعداء الحركة الوطنية اليمنية من أنصار الثورة المضادة في صراعهم الطويل المرير الحاقد ضدها منذ مطلع الثمانينيات.
بدأت هذه اللعبة الفاشية القذرة من وقت مبكر مطلع الثمانينيات، وبتحريض وتعليم ودعم خليجي وإمبريالي أمريكي وبريطاني، وفي ظل شبه غياب وتهاون وتخاذل فاضح من القوى الوطنية في شمال البلاد آنذاك. وفيما بعد، في التسعينيات على وجه الخصوص، اشتد هذا الوباء الاجتماعي المصطنع، وبدأ ينتشر في مؤسسات المجتمع الحيوية، كالمدارس والمساجد والنوادي والمؤسسات الإدارية والجيش... بل وحتى في حزب السلطة "العسقبلي" وحزب آخر إسلامي متطرف متحالف معه. ولم يكن في المقابل أي جهود وطنية شعبية ومدنية تحاصر هذا الوباء منذ ولادته الأولى أو على الأقل تخفف انتشاره وخطره.
وجدت القوى الرجعية الخليجية وأعوانها، والتي تمارس الوصاية والنفوذ وتعتبر اليمن حديقة خلفية لها وإقليم نفوذ ومطامع لها، وجدت في النظام المعادي للثورة والشعب، أنه في الطريق من أجل محاصرة وتدمير ما تبقى من قوى الثورة اليمنية وإفشال عملية تحقيق الوحدة اليمنية التي حدثت مطلع التسعينيات. كان لا بد من تأزيم الوضع الاقتصادي في البلاد وتحطيم الأمن الاجتماعي والعبث بالمستوى المعيشي للمواطن والهجوم عليه من أجل خلق حالة الغضب والخوف لدى الجيل الجديد من الشباب الغر، وتخليق كتلة جماهيرية من الشباب الإسلامي المتطرف المعادي للتوجهات الوطنية الجديدة.
كان لا بد من تكثيف أساليب التربية والتعليم والإعلام الصانعة والمغذية للكراهية في المؤسسات الأهلية والحكومية، وأهمها أداة المناهج الدراسية التي تُعلم التكفير والتخوين للآخر المختلف، بمعنى أن سلاح الإرهاب كان هو السلاح الفعال بنظر هذه القوى الحاقدة في التعامل مع ظاهرة الحركة الوطنية الديمقراطية التقدمية بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني آنذاك.
لجأ هذا النظام القمعي الفاسد والعميل السابق إلى استخدام وتوظيف التناقضات والكراهية والإرهاب ضد خصومه الوطنيين وبتشجيع من داعميه في الخلف: الأنظمة الرجعية والإمبريالية المعادية للشعب: السعودية وأمريكا وبريطانيا تحديدا.
القوى الوطنية الديمقراطية آنذاك، وعلى رأسها الحزب الاشتراكي اليمني، أدركت خطورة هذه الظاهرة وهذا السلاح المدمر، وأخذ قادتها يطلقون التحذيرات والنصائح الثمينة للشعب وكافة نخبه وقطاعاته وقواه السياسية والاجتماعية، تلك التحذيرات التي تمحورت حول الفكرة الأهم: انتبهوا، العدو يلعب على الاختلافات في المجتمع ويغذي نزعة الكراهية بين أبنائه ويصنع الإرهاب كسلاح سياسي واجتماعي خطير يحقق له هدفه الشيطاني في اجتثاث الحركة الوطنية بكل اتجاهاتها أو ما تبقى منها!!
وهكذا، ومع مرور الوقت، ومن تجربة الشعب اليمني وخبرته المعاشة مع النظام شبه الفاشي السابق ومغامراته وسياساته المتهورة في بث التفرقة بين أبناء الوطن وصولاً إلى صناعته واستخدامه للإرهاب، وصلنا إلى الاستنتاجات المهمة التالية:
أولاً: إن الاختلافات الاجتماعية (التناقضات الاجتماعية الثانوية) في ظروف الأزمة تصبح حاضنة اجتماعية للكراهية.
ثانياً: السياسات الأمنية التحكمية للنظام "العسقبلي" الفاشي السابق هي أداة مهمة مساعدة، باعتباره نظاماً كان يشعر بعجزه وعدم تقبل المجتمع له وضعف مشروعيته الشعبية، فيلجأ إلى اتباع مثل هذه السياسات كالقمع والتحريض وتشويه حقائق الصراع وتأجيج الكراهية واللعب على التناقضات وإثارة الانقسامات السياسية والمجتمعية، فيمهد الأرضية الاجتماعية لتقبل ظاهرة الإرهاب وتقبل فكرة الحرب الأهلية.
ثالثاً: السياسات الهروبية لهذا النظام في فترة الأزمة، وأهمها تفجير المعارك العصبوية الجانبية، هذه السياسات أيضاً ساهمت في تدعيم الإرهاب وانتشاره.
رابعاً: السياسات الاقتصادية الرأسمالية النيوليبرالية المتوحشة المفروضة على النظام باعتباره النظام التابع الذليل الواقع تحت رحمة وهيمنة المؤسسات الدولية الاستعمارية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدوليين، تسببت في تزايد الإفقار الاجتماعي وتدني مستويات المعيشة وتعاظم الفساد والنهب واتساع البطالة وانتشار الجريمة والعنف.
وتعتبر هذه السياسات هي العامل الأكبر في نشوء ظاهرة الإرهاب في بلدنا اليمن الحبيب.

مسار يؤدي إلى الإرهاب
هنا لدينا البيئة الاجتماعية الحاضنة والمسار الموضح أدناه لولادة الكراهية والمؤدي إلى الإرهاب، لدينا -ابتداء- مجتمع مليء بالاختلافات الاجتماعية (أو التناقضات)، يحكمه نظام فاشل وغير وطني، نظام تابع للرأسمالية الإمبريالية، غارق في تبعيته وسياساته الخاطئة والضارة، وسياساته الأمنية التحكمية منذ البداية، وسياساته الهروبية اللاحقة، وإدارته للأزمات بطريقة تخريبية تؤدي إلى خلق المزيد منها، أي خلق أزمات جديدة لغرض التحكم بالأزمات الموجودة، ثم تأتي الطامة الكبرى، يأتي العامل الحاسم الأكبر، أي السياسات النيوليبرالية المتوحشة التي انتهجها بإملاءات خارجية استعمارية، مؤدية إلى ظهور أزمة مجتمعية اقتصادية وسياسية شاملة كنتيجة منطقية لارتباطه وتبعيته بالمستعمر، أي كنتيجة منطقية لهذه السياسات الرأسمالية المتوحشة المفروضة من قبل المنظمات الدولية الاستعمارية.
أهم مظاهر هذه الأزمة: إفقار اجتماعي وتعاظم الفساد وازدياد التفاوت الطبقي والتمييز الاجتماعي والنهب وهدر الثروة ونشوء الفئات الطفيلية والعصابات المافيوية المرتبطة والمدعومة من النظام.

تقليـد فاشـي
النظام بهذا كان ينهج نهجا يشبه كثيرا نهج الحكومات العسكرية الفاشية في العالم التابعة للاستعمار الغربي الأطلسي في بلدان القارات النامية الثلاث، حكومات اعتادت أن تنفذ سياسات تغذي الكراهية وتخلق الانقسامات وتبث الفرقة من أجل وهم تحقيق السيطرة الأمنية على المجتمع والسيطرة السياسية على الحلفاء والخصوم، ثم عند ظروف انفجار الأزمة، وعند ظروف انفجار أول أزمة يولد غول الإرهاب، لا كظاهرة محدودة وجماعات محدودة العدد مرتبطة يصنعها النظام بشكل مباشر، وإنما يولد بشكل موضوعي كانفجار، كمارد وغول خارج عن السيطرة، تصنعه الأزمة ليستفحل كوباء اجتماعي، لكن النظام المغرور والمأزوم وجد في هذا فرصة سانحة للعب على النهج نفسه، فأخذ هذا النظام يغوص أكثر فأكثر في هذه اللعبة القذرة، لعبة استخدام الإرهاب والتحريض في البيئات الحاضنة له (غالبا ما تكون مجتمعات محلية فقيرة وشديدة الفقر، عالية نسب ارتفاع الأمية)، وتوجيهها نحو الخصوم متهماً إياهم بالتسبب بالأزمة والتآمر على الوطن، وتوجيه سيل من التهم إليهم بغية التشويه والتحريض ضدهم وزراعة كراهية أبناء المجتمعات الحاضنة لهم، وهنا كثيراً ما كان ينصب التركيز على البروليتاريا الرثة باعتبارها أفضل وسط حاضن لممارسة العنف المبتذل وممارسة شكل من أشكال الممارسات الإرهابية العنفية بحق المجاميع المناضلة من القوى الوطنية.
لكن الاعتماد في الأغلب كان على أبناء الفلاحين الفقراء في المجتمعات الريفية شديدة الفقر والتهميش، وهناك أنماطٌ أخرى لمصادر اجتماعية ينحدر منها الإرهابيون لا مجال لذكرها هنا.
فالنظام كان يلعب لعبة توظيف التناقضات وإذكاء الصراعات المحلية إلى درجة تقترب كثيراً من الحرب الأهلية.
النظام هنا كان كمن يربي ذئبا متوحشا، ولا يكترث لمخاطر هذا الفعل المغامر والمآلات اللاحقة له والنتائج المستقبلية العكسية التي سترتد عليه!
جزء من جسم الإرهاب هذا كان ذا ارتباط أمني بالنظام نفسه، وكان صنيعة مباشرة له وينفذ توجيهاته، وأحيانا كان يتمرد عليه ويشتغل لحسابه الخاص، وهي حالة التنظيمات المتمردة العنفية المسلحة ذات الطابع الجهادي السلفي!!

والجزء الآخر الأكبر من حيث حجمه وتأثيره في المجتمع كان ظاهرة جماهيرية مرتبطة بمؤسسات سياسية وثقافية واجتماعية تمثل جزءاً أساساً من تركيبة النظام (مؤسسات حزب الإصلاح كأبرز مثال لها)، وكان لها طابع المشروعية والشعبية والدعم المؤسسي الحكومي والمجتمعي إبان مرحلة مكافحة ما سمي بـ"المد الشيوعي" ومواجهة النظام الوطني التقدمي السابق في جنوب البلاد.
وهي الفكرة الرئيسة الصائبة التي تبنتها القوى الوطنية على اختلاف مشاربها الفكرية والسياسية، هي أن الكراهية تولد في مجتمع تقليدي مليء بالاختلافات الاجتماعية من شتى الأنواع، وفي ظروف أزمة وطنية مركبة.
يخرج مارد الكراهية من القمقم متى ما تم استدعاؤه، بفعل نشاط تخريبي تحريضي ممنهج، أو بفعل صنع مبادرات جماعية وفردية لإثارة الكراهية، عفوية وعشوائية؛ تحدث إبان انفجار الصراعات الاجتماعية من قبل أفراد أو تجمعات صغيرة أو كبيرة في حالة رد فعل تشنجي وغير عقلاني؛ لكن في ظروف انفجار الأزمة وتعاظم الإفقار الاجتماعي والفساد وانغلاق أبواب العمل أمام الشباب وتدني المستويات المعيشية وتفشي أمراض المحسوبية والوساطة وشتى مظاهر التمييز الاجتماعي، في ظروف سيئة كهذه يخرج مارد الكراهية على شكل غول الإرهاب المخيف، يكتسح المجتمع ويدمر ما تبقى فيه من عوامل التماسك والبقاء.
ونحن شعب ابتلي بالإرهاب وتمكن العدو من تدميرنا بأخطر سلاح ونخرنا من الداخل. وكان على رأس المتآمرين والصانعين للإرهاب بلدان إمبريالية ورجعية، كان منطقها وما زال هو "فرق تسد" و"الفوضى الخلاقة" و"عزكم في ذل اليمن".
ماذا تتوقع منها في رد فعلها تجاه الثورات اليمنية ابتداءً من ثورة الستينيات (الأكتوسبتمبرية) وما بعدها من محطات نضالية شعبية وصولاً إلى الثورة الشعبية الأخيرة، لسان حالهم يقول: سنقلب الطاولة عليهم بإذكاء التناقضات وتغذية الكراهية ودعم الإرهاب، نعم، بواسطة الإرهاب، وهو سلاح يكفي وحده لتحقيق الغرض وتحت عناوين وشعارات دينية تخدع السذج والبسطاء وعامة الناس في مجتمع تعشعش فيه الأمية وينتشر الجهل، سيتم تكفير الوطنيين بشتى اتجاهاتهم، وتحت ظلال السيوف سيعلنون حربهم الدينية الإرهابية السعودية الأمريكية على الشيوعيين والناصريين والبعثيين وأخيراً أنصار الله، ولسان حالهم يقول: برعاية "قافكو"، وشركات ومنظمات مدنية وحكومية أمريكية وممولين سعوديين، وبرعاية الوكالة السعودية الخاصة، نحن ملتزمون بالتمويل وملتزمون بالتفوق اللوجستي الأمني الإعلامي الحشدي القبلي الجمعياتي والحكومي، سنبقي النار مفتوحة في حديقتنا الخلفية ونتمسك بضراوة بهذا البلد المليء بالثروات الهائلة التي يسيل لها لعاب الشياطين، وبهذه البلدة الطيبة نفعل كل ما في وسعنا كي لا نخسر الثروة، كي لا نخسر الأسود والأزرق والأصفر، وكل ما يسيل له لعاب التجار والمشائخ والملوك وملاك الشركات الصهيونية العابرة للقارات... وكثير عندهم على الشعب اليماني أن يتمتع بثروته العمومية وأهمها الباطنية، نعم، كثير!!
ولأجل بقاء هذه المصالح غير المشروعة، ولأجل تأبيد حكومات النهب وأنظمة الخيانة والعمالة سنسحق كل تحرك شعبي ثوري مقاوم يرفض التبعية والوصاية والنهب، كل تحرك شعبي يروم الحصول على السيادة الوطنية على الأرض والقرار والثروة، تحقيقا لأهداف ثوراتنا النبيلة. وبأي سلاح سنفعل ذلك؟! أو ما هو أكثر سلاح يقربنا من تحقيق هذا الهدف ويجعلنا نكسب معركتنا؟!
إنه بلا شك سلاح الإرهاب، حيث وقد أصبح لدينا الآن خبرة في صناعة الإرهاب وفي معرفة مسار الألف خطوة للوصول إلى الإرهاب، أصبحنا بارعين ومتفوقين حتى على "الموساد" والـ"سي آي إيه"، فقط لدينا خط إنتاج واضح مخطط ومرسوم ومصمم ومُعد جيداً.
إذن، هي رحلة قصيرة إلى جهنم تبدأ من واقع الاختلافات الاجتماعية وعبر مسالك الكراهية وتغذيتها واحتضانها وصولاً إلى معسكرات الإرهاب!!
ونسهب أكثر ونكرر: تحت أي ظروف تزدهر الكراهية ويولد الإرهاب؟!
تتغذى الكراهية كما هو معلوم من واقع الانقسام المجتمعي والسياسي الحاد، ومن استدعاء الإرث التاريخي له، وهو في العادة استدعاء سياسي الوسائل أو متنوعها.
الكراهية لا تنمو إلا في بيئة اجتماعية مواتية، يتدنى فيها مستوى الوعي الاجتماعي بأشكاله، وتضرب فيها أزمة وطنية شاملة يستفحل فيها الفقر والفساد أو الإفقار الاجتماعي جراء سياسات حكومية خاطئة مفروضة من المستعمر، وبسبب أيضاً نظام سياسي شبه فاشي عميل ظالم وفاسد وغير كفؤ يستخدم لعبة إثارة التناقضات والصراعات بين المكونات السياسية كي يتسنى له البقاء في الحكم طويلاً. الكراهية تتأسس في واقع اجتماعي تتوفر فيه الشروط التالية:
أولاً: هي تولد في بيئة اجتماعية يميزها واقع الاختلاف الاثنوغرافي الجغرافي الاجتماعي والثقافي والسياسي والنفسي الاجتماعي، وواقع الاضطهاد والتسلط الجهوي العصبوي، وواقع الثارات والحروب السابقة وخبرة التجارب السابقة، تجارب النزاعات الوطنية والعصبوية، وهي بيئة أيضاً في الأساس يعتمل فيها واقع تباين المصالح غير المشروعة. وهذا لا ينسحب على مجتمعنا اليمني فقط، وإنما تقريبا على أغلب المجتمعات العربية، مع اختلاف في مستويات الوعي الاجتماعي ومستويات تطور المجتمع والدولة.
وأيضاً في أتون معارك الصراع الاجتماعي الطبقي، وفي سياق تداخل أو اندماج الطبقي مع الاضطهادي العصبوي، نجد أحياناً ما تظهر لهذا الصراع أشكال جانبية عصبوية هي في ظاهرها مرذولة، ولكنها في جوهرها إنما قد تكون معبرة عن روح هذا الصراع الاجتماعي الطبقي.
والكراهية في هذا الإطار قد تكون مبررة، ولكن سرعان ما ينحرف اتجاهها أو يخلط حاملوها بين ما هو وطني ديمقراطي وما هو عصبوي رجعي فاشي، وسرعان ما ينجرفون في متاهات العصبوية جراء تدخل أمني خبيث من النظام أو داعميه، فيحدث انزلاق نحو الكراهية المدمرة كطاقة يتم تركيزها وحشد جماهيريا ودفعها في الاتجاه الخطأ، فتبدو الكراهية عندئذ غير مقبولة ولا مبررة، تبدو كشعور يدعم السلوك، تبدو بغيضة وفاقدة للمصداقية وقميئة المظهر، عمياء بلا هدف وبلا ترشيد أو تصويب للوجهة، مجرد طاقة سلبية مدمرة ونار تحرق قلب حاملها تدفعه إلى خانة الفجور في الخصومة، فلا يرى في الآخر إلا شرا محضاً، وهذا هو بالضبط أهم مظهر من مظاهر الفاشية البليدة وأشباهها حين تضرب مجتمعا من المجتمعات.
ثانياً: تنمو الكراهية في ظروف أزمة مجتمعية شاملة جراء السياسات الاجتماعية والاقتصادية المدمرة التي يتبعها النظام، والتي تولد الإفقار الاجتماعي والتفاوت الحاد وتسبب البطالة وتنشر الفساد والعنف، وهو في العادة نظام تستحوذ على الثروة فيه فئات وطبقات عليا تشكل أقلية فاسدة لصة مترفة، تنهب الثروة بالمشاركة مع ناهبي الثروة العمومية الكبار، أي المستعمر وحلفائه الرجعيين الخليجيين في ظروف من تأزم عالمي ترتبط به بنيويا وتتأثر به.

من المعلوم أننا نجد في الأساس الاجتماعي العميق في هذه اللوحة الاجتماعية الطبقية، نجد أن هذا النظام ما هو إلا أداة أو جهاز سلطوي يخدم الطبقة الاجتماعية الكولونيالية (بحسب تعبير المفكر المناضل مهدي عامل)، وهي الطبقة الحاكمة المهيمنة والتابعة المأزومة التي تهرب من الأزمة باتجاه الدفع نحو انفجارها، أي باتجاه نشر منطق إذكاء العصبويات بأنواعها، وتوظيف الاختلافات وتعميم وإشاعة الكراهية واستخدام سلاح الإرهاب.
في ظروف الإفقار والظلم وانسداد الآفاق يسهل استقطاب الشباب الغر المظلوم والعاطل والمعطل عن العمل إلى جماعات الإرهاب، واستخدام الشعارات الدينية لاستمالة عواطفهم الدينية النبيلة وحرفها باتجاه خاطئ: متطرف وتكفيري وتخويني، الأمر الذي ينعكس سلباً على استقرار المجتمع ويقوض الأمن فيه، ويزيد فوق الخراب خراباً.

الإرهاب والكراهية
الإرهاب -إذن- يأتي كنتاج لانفجار الكراهية ولتعاظم حدتها وانتشارها وتعمقها في المجتمع، وهو بدوره ونتيجة لأفعاله أيضاً يؤجج الكراهية ويعمقها.
وعندما نتحدث عن الإرهاب نقصد الإرهاب بكل أشكاله، ليس العنفي المسلح والأمني، وإنما أيضاً الفكري الثقافي والسياسي وغيره من أنواع الإرهاب.
من المعلوم أنه دائماً ما يستخدم المستعمر وأعوانه سلاح الإرهاب في وجه الشعب المقاوم وفي وجه القوى الوطنية الثورية، وهذا هو الحال عندنا منذ زمن، فهو يوفر ظروفاً لصناعة تلك الجماعات بطرق مباشرة أو غير مباشرة، أي يصنعها ويوجهها ويجعلها تابعة مرتبطة به مباشرة عن وعي أو بشكل غير مباشر ودون وعي، ثم يقوم بتحريك تلك الجماعات إما بأوامر أو استفزازات وإما بإيحاءات أو تسهيلات مقصودة يجهلون مصدرها، فهم عندئذ يتحولون إلى كائنات شبه بشرية فاقدة للوعي يتم التلاعب بها عن بعد، واستخدامها بشكل مؤقت لأغراض محددة، ثم يتم التخلص منها بعد ذلك بوسائل شتى أهمها العنف، كما حدث كثيراً في العقود القليلة الماضية، والمثال عندنا أنه لم يسلم وطننا من وباء الإرهاب.
وقد تمكنت بعض الجماعات والتنظيمات الإسلامية السياسية التي نشأت في القرن الماضي على امتداد الساحة العربية والإسلامية من أن تجد لها نفوذاً وانتشاراً في اليمن، للأسف، وحملت خطاباً فكرياً طائفياً تكفيرياً يحرض على العنف ويغذي الكراهية خطاباً سياسياً إقصائياً وتخوينياً ضد مخالفيهم في النهج السياسي والفكري من الاتجاهات السياسية والفكرية الأخرى الوطنية وغير الوطنية.
الإرهاب هو مثال على سلاح قوي يتغذى من جذور الكراهية ودعمه اللوجستي يأتي من المستعمر نفسه وأعوانه ومن النظام القمعي والفاسد نفسه، وساحة امتداد نشاطه هي الوطن الحبيب.
ومن الواضح لنا جميعاً كيف كان هذا التوظيف السياسي للكراهية من قبل المستعمر وأعوانه في الداخل والخليج الرجعي تقليداً من تقاليد اللعب والتحكم والتخريب، وعلى مدى عقود، بل قرون من الزمن من أيام الإنجليز والعثمانيين إلى أيام الأطلسيين والخليجيين، ومن أجل توفير البيئة المثالية لنمو الإرهاب اعتاد المستعمر وأعوانه على تنفيذ سياسة مهمة تتمثل في توظيف معطيات التناقض العصبوي بأنواعه داخل المجتمع، والعمل على إذكاء روح العصبيات من أجل المزيد من تكريس وتعميق الانقسام في الذاكرة الشعبية وتعظيم شعور الكراهية وتجذير خيوطها الشيطانية في الحياة الاجتماعية، لكي تتحول الكراهية في ظروف الأزمة الشاملة وانفجارها إلى إرهاب صريح عنيف يتمظهر بأنواع شتى، ويساعد على ذلك أيضاً سياسات الحكومة العميلة التي لا تتورع حتى عن استخدام أجهزة التربية والتعليم والثقافة أو ما تسمى بأجهزة الهيمنة الأيديولوجية من أجل غسل الأدمغة ابتداء من الناشئة إلى الشباب والكبار جيلاً بعد جيل، يتم إعادة إنتاج واقع الانقسام والكراهية وتحويل المدارس والمعاهد والجامعات والمساجد إلى مزارع لتربية كتاكيت الإرهاب.
ولأن مجتمعنا به اختلافات اجتماعية عديدة تحتاج فقط إلى من يؤسس عليها بشكل سلبي فقد تفتقت عبقرية المستعمر الغربي والرجعي الخليجي ومعهم أدوات العمالة والإرهاب عن وسائل جهنمية للعب على أوتار الاختلافات بشتى أنواعها.

اختلافات وتناقضات
وهاكم سردا لأهم هذه الاختلافات والتناقضات الاجتماعية الثانوية:
ـ المذهبية: سنية شافعية وإخوانية وسلفية وهابية في مقابل زيود وصوفية وإسماعيلية.
ـ الجهوية: جنوب وسط وشرق في مقابل شمال وجنوب شرق في مقابل جنوب غرب.
ـ القبلية: مذحج وكندة ومراد في مقابل حاشد وبكيل، قحطانية مقابل عدنانية، حميرية مقابل قرشية...
ـ العائلية: هاشمية في مقابل غير هاشمية.
ـ الجغرافية: صحارى وسهول جنوبية وتهائم في مقابل هضبة جبلية.
ـ الثقافية: بدوية عربانية (عرب البادية الرعاة) في مقابل حضرية قروية عربية (عرب الزراعة).
ثقافات ساحلية متأثرة بأمم ما وراء البحار وطابع أنشطة بحرية خدمية تجارية في مقابل ثقافة جبلية زراعية حضرية عربية.
وهكذا إلى غيرها من الاختلافات الاجتماعية التي تؤكد حقيقة وجود الخصوصيات الاجتماعية الثقافية الفرعية وحقيقة وجود التنوع في إطار الوحدة، والتي كانت قد تلاشت الفروقات والتباينات في إطار المشروع الوطني الديمقراطي الجامع.
وحتى تاريخياً من قبل ذلك أيضاً، كان التعايش والقبول في إطار الحكم الإسلامي هو السائد لقرابة الألف عام (باستثناء فترات زمنية قصيرة تفجرت فيها صراعات عصبوية)، لكن القواسم المشتركة كثيرة جداً بحيث تهون معها أي تباينات أو خلافات فرعية، وتعايشت معا الصوفية والشافعية والزيدية.
وهذه حقائق تاريخية مثبتة، لكن هذه الاختلافات الاجتماعية في ظروف الأزمة وفي ظروف التدخلات الاستعمارية من الخارج والداخل لأيادي عميلة حاقدة هي ما يصنع من هذه البيئة بيئة اجتماعية حاضنه للكراهية يستخدمها الأوغاد الأشرار في مآرب سياسية غير مشروعة ومدمرة للنسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية من أجل الهيمنة على السلطة والثروة.
لا شك أن سياسة "فرق تسد" لا تزال فعالة في المخططات الاستعمارية ولا تزال متبعة إلى يومنا هذا، كما أن سياسة زعزعة الاستقرار من خلال بث الفتن وإحياء الثارات وإذكاء العصبويات قديمها وجديدها، لا تزال قنطرة عبور ينفذ منها المستعمر الأجنبي وأعوانه لتحقيق أهدافه غير المشروعة.

أزمة بورجوازية كولونيالية
بالإضافة إلى أن الهروب إلى الاحتماء والتقوقع والتمترس خلف الاختلافات والتناقضات الاجتماعية هو سلاح البرجوازية الكولونيالية المأزومة لإعادة إنتاج سلطتها الفاقدة للشرعية وتثبيت وحماية مصالحها غير المشروعة. وكما هو معلوم في الفكر الاشتراكي العلمي تحتمي البرجوازية التابعة الكولونيالية خلف شعارات وعناوين الخصوصية والاختلاف والحقوق المسلوبة، وتستعمل وتوظف سلاح الكراهية والإرهاب وتستدعي مارده من القمقم متى ما احتاجت لذلك من أجل تجديد نفسها وتثبيت حكمها وحماية مصالحها غير المشروعة والضيقة، لهذا من واجبنا بذل كل الجهود الرسمية والشعبية لقطع الطريق أمام هذه السياسات العاجزة والجبانة والفاشلة والخبيثة وفضح مراميها ومخاطرها وبؤسها لدى المواطنين، وكذلك فضح وتعرية مرامي التدخلات الأجنبية العدوانية والألاعيب الصهيوإمبريالية الخبيثة المؤازرة لها، وعلى المثقفين والمناضلين الثوريين أن يسهموا في توعية المواطنين بخطورة الانجرار خلف ما يريده الأعداء لنا في الداخل والخارج.    

أترك تعليقاً

التعليقات