عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -
تبرز حدة الجوانب الجيوسياسية للصراع الدولي، وتكاد تطغى على المشهد السياسي وما يعكسه من تداعيات اجتماعية في قارة "ميدل إيستيا" الغنية بالتنوع الثقافي الحضاري، وهي المنطقة المكتظة بكل مظاهر الفوضى والصراع والانهيار.
وفي الأساس لهذا البروز -كما هو معلوم لدينا- تكمن أزمة النظام الإمبريالي العالمي، والتي يرى الكثيرون أنها باتت أزمة جذرية نهائية.
ميدل إيستيا (الجانب الشرقي الأوسط من حزام الزلازل)
بالاستعارة من لغة الجيولوجيا، لو أمكن لنا أن نتعسف، أو لو جاز لنا التعبير، بحيث نقول: مثلما أن منطقة ارتطام الكتل الصفائحية أو ما يسمى "الرقاع" في قشرة الأرض العائمة فوق كتلة لزجة هي منطقة اضطراب جيولوجي تكتوني، ومنها مناطق تصادم الصفائح في "الشرق الأوسط" والتي هي مناطق تصدعات وزلازل، كذلك الحال في اللغة الجيوسياسية الدولية، فإن مناطق التنافس والنزاع الحدودي الجيوسياسي بين الكتل السياسية القارية هي أيضاً مناطق تصادمات سياسية عسكرية أمنية وحروب اقتصادية وإعلامية مستعرة، فالدول المشاطئة لحزام الزلازل السياسي الممتد بين الكتلتين الأوراسية والأطلسية من الشمال إلى الجنوب إلى الشرق هي مناطق حروب ونزاعات متفجرة لا تهدأ، حفزتها هذه الموجة التاريخية الجديدة من صراع الدول العظمى أو الإمبراطورية، الذي هو في طبعته المعاصرة صراع إمبريالي بين إمبرياليات كما يرى البعض أو بين دول عظمى مشرقية وإمبريالية غربية أطلسية آيلة إلى الزوال كما يرى آخرون.
والأهم والأخطر هنا في حزام الزلازل العالمي (أقصد الزلازل السياسية) هو هذه البقعة الملتهبة التي تسمى "الشرق الأوسط" والتي لا تزال حتى الآن هي خط المواجهة الأخطر والأكثر احتداما وعنفا.
ولا شك أنه جانب سلبي في حظنا التاريخي الطبيعي الجغرافي أن يقع عالمنا العربي، بل والإسلامي، في هذا القلب الملتهب من العالم، إلى جانب يفترض أنه إيجابي تمثله المزايا الجيوسياسية والأهمية الجيواستراتيجية لهذه المنطقة بالنسبة للتكتلات السياسية الإمبراطورية في هذا العالم، لنجد أن عالمنا الأوسط المتوسطي قد انحشر بكل ضفافه من جهاته الأربع في غب الجحيم الذي تصنعه الإمبريالية الأطلسية (الآيلة إلى الزوال) أثناء صراعها المحموم الطبقي التاريخي مع دول وطنية عظمى مشرقية هي نتاج ثورات اجتماعية نشبت عند أطراف النظام وفكت ارتباط هذه الأطراف بالمراكز المتروبولية إبان العصر الذهبي للثورة العالمية في القرن الماضي.

مظهر لصراع طبقي دولي
هو صراع طبقي تاريخي يعاود نشاطه مجددا تحفزه عوامل أزمة النظام الإمبريالي العالمي، وهو صراع أبرز ما فيه هو هذا الهجوم الإمبريالي الجديد (الهجوم/ التصادم) الجيوسياسي العنيف كمظهر لجنون الخوف من فقدان الأطماع الاستعمارية التاريخية وانحسار النفوذ في منطقة من العالم هي الأغنى بالثروات والإرث الحضاري والمزايا الجيوسياسية.
في هذه الهجمة الإمبريالية الغربية بوصفها مركزاً في تصادمها العنيف مع نقيضها الطرفي الوطني الإنساني الأممي السلمي التنموي، حيث الدول الوطنية العظمى تمثل مجموع مصالح الطبقات الشعبية بقيادة البرجوازية الوطنية تسعى هذه الدول الإمبريالية الغربية المتغطرسة المأزومة إلى إعادة ترتيب أوراق النفوذ وإعادة التموضع والانتشار وإعادة صياغة جيواستراتيجيتها في المنطقة لكي تتلافى السقوط وضياع النفوذ وخسارة المعركة التاريخية.
وأثناء هذا الفوران وحمى السقوط وخسران المصالح والنفوذ راحت تحفز موجة من النشاط الزلزالي السياسي تتصادم فيه بعنف كتلتها أو كتلها السياسية مع كتلة أو كتل الشرق الأوراسي فوق بحر هائل من الثروات والمصالح الجديدة المكتشفة جنبا إلى جنب مع القديمة، ورأينا ألواناً جديدة مرعبة من الحروب والتقنيات الحربية المدمرة الخشنة والناعمة يتم استخدامها هي من ابتكارات الثورات العلمية الثالثة والرابعة بما يشبه تصادم الكتل الصفائحية في الطبيعة وما يحفزه من أنشطة زلزالية بركانية، فتتصادم الكتل الجيوسياسية ويصاحب ذلك موجات عنيفة من الزلازل والبراكين السياسية والظواهر التدميرية غير المسبوقة.

قاب قوسين أو أدنى من ذروة الصدام
الأحداث والتطورات الأخيرة في "الشرق الأوسط" في أقاليمه الفرعية السبعة ومحاوره السياسية الإقليمية (أصبحت أربعة الآن) تشير إلى قرب بلوغ الذروة في هذا الصدام والصراع الجيوسياسي العالمي الذي يمكن وصفه بـ"حرب باردة جديدة"، والبعض يراها ساخنة، وهي حرب تبدو لنا أخطر بكثير من سابقتها، لجهة ما يمكن أن تجره من ويلات غير مسبوقة على هذه البلدان الواقعة في حزام الزلازل السياسي.

من رحم انفجار الصراع سيولد عالم جديد
على الرغم من كل التضبيب والتعتيم الشائع ومن فترة العنف المرعبة التي ستعيشها شعوب المنطقة المقهورة والمناضلة، فإن هذا الديجور العابر المؤقت سيخلفه لا شك فجر زاهٍ وعهد أبهى، والمنطق التاريخي التطوري سيجعل الانتصار حتما في صالح قوى المستقبل الصاعدة، وهي قوى المشرق الجديد، التي ستقود مسيرة حضارة القرن الـ21، فشمس المشرق قد بدأ نورها يسطع وبدأت تدشن رحلة العودة بعد غياب قصير، وقد صدق رفيقنا مارسيل حين غنى في الثمانينيات والتسعينيات: "شمس ال بتغيب اليوم راح ترجع تاني يوم".

أترك تعليقاً

التعليقات