عن الوضع المخزي للحزب
 

عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -
عندما تحل علينا ذكرى تأسيس الحزب الثوري العظيم، الحزب الاشتراكي اليمني، حزب فتاح العظيم، تتملكنا مشاعر الحسرة والألم والغضب من هذا المآل الكارثي والوضع المخزي المهين الذي أصبح عليه الحزب، حيث يقبع منذ سنوات طويلة في غيبوبة بين الحياة والموت، ووصل به الحال أن أصبح مجرد دكاكين سياسية للانتفاع المصلحي والمتاجرة بالسياسة، ونوادٍ صغيرة للثرثرة الثقافية، وحزب صغير تابع وملحق بالتحالف السياسي الرجعي للسلطة التابعة للمستعمر، يستدمج مفاهيم وتصورات ليبرالية بائسة هي من صميم ثقافة المستعمر، يُركّبها على مجتمع قبلي متأخر لا يصلح لها وليس مستعداً بعد لتقبلها.
حزب ما زال أتباعه يتغنون بمبادئ أكتوبر الثورية نفاقاً وادعاء، وهم اليوم أبعد الناس عنها فكراً وشعوراً وسلوكاً، والقناعة بتلك المبادئ والأفكار لم تعد موجودة الآن لدى الغالبية العظمى منهم، هم ليبراليون برجوازيون صغار يتحالفون مع قوى سياسية رجعية غير وطنية ومحسوبة على الرجعية والاستعمار والصهيونية، فأين هم من مبادئ وروح أكتوبر الثورية التقدمية العظيمة؟!
الغالبية منهم ما زالوا يتوهمون الصلة والانتماء خداعاً للنفس أو غيبوبة يعيشونها، وحالهم الآن بائس، ويبعث على الحزن والأسى، خاصة أولئك الذين يقبعون تحت نير سلطة الاحتلال والإرهاب.
الكثير من هؤلاء يعيشون في بحبوحة الارتزاق بالمال السياسي، أو تجدهم برجوازيين صغاراً لا يكترثون لشيء ولا يعانون أصلاً، وينهجون نهج الانتهازية السياسية والنفعية الرخيصة!
والآخرون البقايا وعددهم قليل جداً من الذين يقبضون على الجمر، سواء في مناطق الاحتلال أم تحت السلطة الوطنية، تجدهم شبه محبطين أو محطمين ونفوسهم متعبة ويكابدون أوضاعاً حياتية صعبة، تشغلهم كثيراً عن أي هموم وطنية أو اهتمامات تبدو في واقع اليوم ترفية كالتفكير في أوضاع الوطن والحزب و... و... إلخ.
الحزب الثوري مات واندثر منذ زمن. هذه هي الحقيقة المرة الصادمة. وما نراه الآن ليس إلا حزباً غريباً مسخاً، لا علاقة له بالماضي الثوري الجميل ولا بالحاضر الشعبي الثوري الغاضب ولا بالمستقبل الجميل القادم حيث لا مكان لعبيد الاستعمار والرجعية. وعندما تموت الثورية في الحزب الثوري الطليعي بالمحصلة يحدث موت للنزعة الوطنية في سياساته وبرامجه ومواقفه وأذهان ونفوس أعضائه.
الحزب بدأ مسار الانحدار والموات البطيء منذ فقد البوصلة، منذ تخلى عن الجواهر اللواتي كن يزين "تاج النهار"، وكن مصدر قوته وتماسكه ومحبة الجماهير له والتفافهم حوله، وهي: 
ـ الفكر الثوري العلمي.
ـ الالتزام الصارم والمرن بالتنظيم المركزي الديمقراطي.
ـ النضال ضد الإمبريالية، وفي سبيل التحرر الوطني.
ـ تمثيل مصالح الطبقات الشعبية الكادحة والمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية.
ـ نهج التضامن الأممي البروليتاري مع قوى الثورة العالمية وجبهة الشعوب المقاومة للاستعمار.
ـ القضية الفلسطينية التي كانت بمثابة ضمير الحزب ومدرسته النضالية الأم.
نعم، كانت هذه اللآلئ هي التي ترصع جبينه الوضاء، وتكسبه خاصية التألق والإبداع والمبادرة. وكان فكره ونضاله وقيمه بمثابة روح الشعب الكادح التي يحيا بها.
وعندما يتخلى الحزب عن مصدر إشعاعه الفكري ومنبع قيمه ومبادئه الثورية يكون كمن يتخلى عن مصدر النور الهادي له في ظلمة الليل الطويل، فيسير متخبطاً مرتبكاً تائهاً وكثيراً ما يقع في الحفر والمزالق والدواهي، ويصبح فريسة للوحوش والضواري!!
يموت الحزب الوطني الديمقراطي الثوري إذا ماتت في داخله الفكرة الثورية والنظرية الثورية، وتصبح وطنيته بائسة ودوره مجرد واجهة سياسية تجميلية ديمقراطية مصطنعة للنظام والسلطة، إلى جانب غيره من الأحزاب الديكورية التي تدعي المعارضة خداعاً وبهتاناً.
إذا لم تكن لك عقيدة ثورية في زمن التوحش الإمبريالي والهجمة الصهيونية والفحش النازي فأنت ميت ولا وزن لك ولا قيمة، بل إن وطنيتك تصبح محض هراء وكذب، تضحك بها على السذج والعوام من الناس!
عندما يموت الحزب الثوري الطليعي، أداة الثورة، تموت الثورة، التي كان هو مفجرها ومشعل فتيل شرارتها. وعندما يموت الحزب الثوري، نصير الفقراء والكادحين الذين يمثلون غالبية الشعب، يموت الأمل في الحياة الاجتماعية، وتموت الفكرة الجميلة، ويموت الضمير الإنساني، وتموت الأخلاق، وتنحسر الروح الوطنية الحقيقية لدى الجماهير!
وبدون انخراط الجماهير الشعبية الكادحة في حركة ثورية توجههم وترشدهم إلى الحياة النضالية الكريمة المستقلة يضيع الفرد والمجتمع، وتخرج الكتلة المجتمعية بأسرها عن الروح الآدمية الحقة والروح الحضارية الحقة، وتدخل في مملكة الجموع القطيعية الحيوانية الاستهلاكية، حيث يصبح أفراد الشعب عبيداً للإقطاع ورأس المال والاستعمار، في حياة تستلب منها كل أبعاد الإنسان ويفقد بها كينونته الحقة.
وفي زمن الأزمة الرأسمالية الكبرى الراهنة، التي تضرب جميع بلدان العالم، كبيرها وصغيرها، لا يمكن إطلاقاً التعويل على الكتلة المجتمعية البرجوازية ونخبتها وقواها وأحزابها الرجعية في إنقاذ وطن أو تحقيق تنمية اجتماعية أو إنفاذ القانون أو احترام الحقوق أو الانصياع للمطالب الشعبية أو التمسك بالسيادة الوطنية والاستقلال.
لم يكن الحزب الاشتراكي اليمني بعيداً عن روح الإسلام الحقة كما يتوهم الغافلون السذج أو يزعم الحاقدون المغرضون من جماعة الإرهاب الأصولي الديني، وإنما كان الأقرب إلى جوهر الإسلام في رفض الطغيان الاستعماري والإقطاعي، باعتبار الإسلام في الأصل ثورة كبرى ضد الظلم الاجتماعي والطغيان والجهل والاستكبار العالمي، وكان في أهم أبعاده ثورة تحرر عربي قومي من الاحتلال البيزنطي الفارسي، ولهذا أعلن الحزب في برنامجه الثوري أنه يستلهم من الإسلام مضامينه التقدمية في التحرر ونصرة المستضعفين ومواجهة الاستكبار والطغيان والدعوة إلى المساواة والأخوة الإنسانية.
حارب الحزب -إبان فترة حكمه- التخلف والإرهاب، ودافع عن القضية الفلسطينية، لكونها قضيته القومية المركزية الأولى، واحتضن فصائل المقاومة الفلسطينية في عدن، ووقف ضد الصهيونية في الحروب العربية، وأرسل المقاتلين للتدريب والمشاركة في صفوف المقاومة العربية، ووصلت به الشجاعة والمبدئية والصلابة حد إغلاق مضيق باب المندب في وجه الملاحة العالمية بالتنسيق مع الحكومة المصرية إبان حرب أكتوبر!
دافع الحزب عن أصحاب الكلمة الحرة الشريفة، وجعل من عدن قبلة للمثقفين الوطنيين والمبدعين الفارين من وجه أنظمتهم الفاشية العسكرية البغيضة. لم يهادن الحزب ولم يلن في صراعه مع الرجعية العربية، وكان شجاعاً في مطالباته بالحقوق والأراضي اليمنية المستلبة.
هكذا كان الحزب عندما كانت له روح ثورية وفكر ثوري علمي يسترشد به في العمل. أما وقد ضيع كل هذا فقد تلاشى وزنه وأثره وانحسر دوره وفقد البوصلة وضاعت خطاه وضاع طريقه ودخل في مسار انحداري وموات بطيء، حتى غدا اليوم في غيبوبة شديدة لا يعلم أحد كيف المخرج منها!
الحزب ضاع وضاعت معه ثورته، ولم يتبق منه ومنها شيء يستحق الذكر. ونتساءل بحزن وألم مرير: كيف يمكننا أن نفتخر بالانتماء إلى حزب يفتقد إلى تلك الجواهر والدرر الكريمة التي تعطي الإنسان معنى وقيمة في زمن الرأسمالية الإمبريالية البغيض، حيث تهدر كرامة الإنسان والشعوب؟!
وما هي هذه الوطنية التي لم تعد تقيم وزناً لتلك الجواهر واللآلئ التي تزين تاج النهار؟!

أترك تعليقاً

التعليقات