عن محور المقاومة
 

عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -

يكثر في وسائل الإعلام وفي الأدبيات السياسية استخدام مصطلح "محور المقاومة" إشارة إلى ذلك التحالف النضالي التاريخي الشجاع الذي يضم الجمهورية الإسلامية وفصائل المقاومة العراقية والنظام الوطني في سورية بقيادة الجبهة الوطنية التقدمية وفصائل المقاومة الإسلامية واليسارية في لبنان وفلسطين، ولاحقا حركه أنصار الله في اليمن وحلفائها من المجاميع السياسية الرافضة للعدوان الإمبريالي الأطلسي الصهيوني على شعوب المنطقة.
والمقصود بالمقاومة هنا المقاومة السياسية والثقافية والفكرية والعسكرية الأمنية. ونجد أن هناك من يختلف معنا ويجادل بخصوص صوابية القول بأن هذا المحور في حقيقته هو محور المقاومة.

مزاعم واهية
ومن يرى هذا الرأي المجحف والمنكر والقاسي برأينا يستند في كلامه إلى مزاج عربي إسلامي شائع يظن أن المقاومة للغرب هي امتياز حصري يتمتع به بعض التيارات العروبية الإسلامية اليمينية الأصولية (إخوان وسلف) أو القومية الفاشية (بعث العراق أو يمين البعث)، وبعض الناصريين الليبراليين الذين يقدسون التحالف المصري ـ السعودي، ويعتبرون أن جيشي مصر والسعودية هما جناحا الأمن القومي العربي، وأن مصر والسعودية هما ركيزتا النهضة العربية، وهما قلب العروبة، ونظامهما السياسي يمثل الاتجاه العروبي الصحيح والقومية الصحيحة والموقف السليم المدافع عن قضايا الأمة ومصلحة شعوبها، وأن الغرب يحسب ألف حساب لهاتين الدولتين الهامتين وهذين النظامين الخطيرين!
بعض هؤلاء يزعمون أن الصراع في المنطقة أو التناقض الرئيس هو صراع بين الاستعمار الصليبي الغربي من جهة والعرب والمسلمين السنة من جهة أخرى، وهم يحاولون إقناع الناس بأن هناك عداء حقيقياً شديداً بين الغرب والإخوان، وبين الغرب والسلفيين، وبين الغرب والعرب السنة، وبين الغرب والمسلمين السنة!
وعلى هذا الأساس يعتقدون أن دولاً مثل تركيا وقطر والسعودية والإمارات ومصر وباكستان وماليزيا تتعرض لخطر غربي أمريكي ـ "إسرائيلي"، فهذه الدول وأنظمتها تشكل تهديدا للمصالح الأمريكية والأطلسية والصهيونية، وبالتالي فإن الغرب الاستعماري الصهيوني يستهدف هذه الدول!
وللأسف الشديد أن هذا الاعتقاد المضحك الغريب الذي يقول به جمع غفير من السياسيين الرجعيين في أوساط الحركة الإسلامية ومعهم جمع من الفقهاء الإسلاميين المسيسين منتشر بشكل كبير وسط عامة الناس في شعوب تلك الدول، في دلالة على مدى الغفلة والسطحية التي يتسم بها هؤلاء من جهة، ومدى التضليل الذي مورس بحق الجماهير الشعبية البسيطة العاطفية والمتدينة بطبيعتها والشباب الإسلامي السني في مقدمة هؤلاء، من جهة أخرى.
والذين يعتقدون بصحة هذا القول هم ضعاف العقول طبعا ومتعصبون عاطفيون سذج، لأنهم لا يلاحظون أن هذه الدول ليست أكثر من ولايات أمريكية ودول تطبع مع "إسرائيل" منذ زمن بعيد، وبها قواعد استعمارية أمريكية مرحب بها، وشعوب هذه الدول هي شعوب متأمركة الثقافة، وإسلامها هو إسلام رجعي بقشور ليبرالية بسيطة، وهو إسلام لا يتصادم مع الغرب وثقافته، وتم تأسيسه ليتشابه مع الأطروحات البروتستانتية الانجليكانية والصهيومسيحية، ومبرمج لخدمة الثقافة الاستعمارية الصهيونية. ويتناسى هؤلاء السذج أن هذه الدول والأنظمة هي مدعومة من الغرب والصهيونية منذ بدايات نشأتها، وهي التي تعبث فيها الماسونية بشكل واضح وعميق! وما التطبيع إلا الحلقة الأحدث في مسلسل العبث الصهيوني الماسوني بهذه الدول!
وليتسع صدر من لا يعجبه رأينا أو يرى أننا مخدوعون لا نعرف شيئاً عن واقع التآمر السري المزعوم أو التكالب الذي يمارسه "الفرس" (كما يقول الإسلاميون) و"الفرس والأتراك" للمؤامرة القورشية والعثمانية الجديدة كما يقول القوميون الرجعيون الفاشيست من بعث العراق وبعض الناصريين ومعهم الفيصليون الساداتيون!" ضد العرب خدمة للغرب الاستعماري الصهيوني، وخدمة للماسونية كما يرون! أو أصحاب الاتجاهات الأخرى الذين يتحدثون عن إمبرياليات قومية وطموحات فاشية لهذه الدول، وبالتالي سعيها لتعظيم قبضتها على المنطقة واستغلال ثرواتها وأرضها!
ونجد أنفسنا نحن (أنصار محور المقاومة) دائما مضطرين لإيضاح موقفنا وعرض رأينا والدفاع عن محور المقاومة باعتباره دفاعا عن كرامة الشعوب ودفاعا عن القضية الفلسطينية وعن قضية التحرر الوطني لشعوب المنطقة.

جذور ضاربة في التاريخ
نحن نرى أن التحالف المقاوم الشعبي الراهن له جذور ضاربة في عمق التاريخ الإسلامي، وقد رأينا هذا التحالف يتكرر لمرات كثيرة طوال مراحل تاريخ الألفية الثانية. نقول الألفية الثانية، لأن ظهور الإسلام بوصفه ثورة اجتماعية سياسية ثقافية كبرى ثم صعوده لاحقا بعد قرون ثلاثة قد غير كثيرا من معادلات وخرائط الصراع في الغرب الآسيوي، وأصبح معه لا يصح العودة إلى الوراء، إلى إشكاليات وتاريخ الألفية الأولى وما قبلها حين كان الغرب الآسيوي يخضع لنفوذ إمبراطوريات قديمة في الجوار تهاوت وانتهت بظهور الإسلام. وهذا يعني أنه يجب علينا أن ننظر للمنطقة ككل منذ ذلك الحين في صراعها مع الغرب الاستعماري وموجات غزوه اللاحقة بعيدا عن عقده "الفرس والأتراك، واضطهادهم القومي للعرب، وإن كان هذا أمراً لا يمكن إنكاره في حينه ولا يمنع التحالف معهم ضد عدو المنطقة التاريخي الحقيقي، لأن هؤلاء منذ ظهور الإسلام قد انخرطوا في معركة الإسلام الكبرى، وأصبحوا حلفاء للعرب في معركتهم ضد الغزو الغربي الاستعماري وموجاته المتلاحقة.
كانت شعوب المنطقة حتى قبل ظهور الإسلام، من عرب وأكراد وفرس وأتراك، تتميز بتشابه كبير في الخصائص الحضارية الثقافية والاجتماعية، ولها تشابه كبير في المورثات الجينية، وقد اختلطت وتمازجت عبر التاريخ وانصهرت في بوتقة ثقافة كبيرة متشابهة عزز قيامها العامل الأيديولوجي الديني والعامل الاقتصادي التجاري المشترك، ثم دخلنا بعد ذلك في تاريخ جديد مشترك أحد محاوره الناظمة الجديدة هو موجات الغزو الغربي المتلاحقة التي دشنت فصلا جديدا في الصراع الوطني يبرز فيه هذا الصراع الأساس بوصفه صراع الشعوب المستضعفة في المنطقة ضد إمبراطوريات الغرب (الرومانية والجرمانية) المتغطرسة العدوانية التي كانت توجه جحافلها لاجتياح المنطقة كلما دخلت في أزمة اقتصادية طاحنة يحركها منطق النهب والاستعلاء وواجب ديني عنصري مزعوم.

ملخص لما سبق:
كانت شعوب المنطقة حتى قبل ظهور الإسلام تتميز بتشابه كبير في الخصائص الحضارية الثقافية والاجتماعية، ثم دخلنا بعد ذلك في تاريخ جديد مشترك أحد محاوره الناظمة موجات الغزو الغربي المتلاحقة التي دشنت فصلا جديدا في الصراع الوطني بوصفه صراع الشعوب المستضعفة في المنطقة ضد إمبراطوريات الغرب المتغطرسة العدوانية التي كانت توجه جحافلها لاجتياح المنطقة يحركها منطق النهب والاستعلاء وواجب ديني عنصري مزعوم.
والذين لا يعرفون طبيعة الغزو الغربي والحوافز والنزعات المغذية له الاقتصادية الاستعمارية والأيديولوجية الخرافاتية والعنصرية والثقافية الاستعلائية الزائفة، عليهم أن يراجعوا كتب التاريخ ويقرؤوا جيدا لكي يعرفوا أن الغطرسة والتنمر والإجرام والعنصرية هي نفسها لم تتغير منذ «أوربان الثاني» وفرسان الهيكل إلى ترامب وماكرون ونتنياهو وكوشنر والـ»سي آي إيه»، والمارينز والموساد. ليس هذا تبسيطا ثنائيا للصراع مدفوعاً بمواقف أيديولوجية مسبقة، ولكنها وقائع تاريخية ملموسة، وعلينا أن ندرج مفهوم «الغزو» ونأخذه بعين الاعتبار عند الحديث عن تاريخ المنطقة.
نحن بصدد موجات غزو غربي متلاحقة يربط بينها رابط معين، وتقوم على تحالف جيوسياسي ثقافي تحركه مصالح استعمارية اقتصادية مشتركة، ويقابله تحالف غرب آسيوي عربي إسلامي مقاوم أو (الشرق العربي الإسلامي) دفاعا عن الأرض والثروة والثقافة والقيم، ومعاركه ضد هذا الغزو والاحتلال تندرج في إطار حركات التحرر الوطني المقاومة ذات التقدير العالي تاريخيا. فصراعنا في تاريخنا الوسيط والمعاصر لم يكن فقط صراعاً من أجل العدالة الاجتماعية أو صراعا قوميا طائفيا قبليا عصبوياً أو صراعاً من أجل كرسي الحكم، بل كان هناك أيضا صفحات مشرقة للتحالف الشعبي العربي الإسلامي المقاوم ضد الغزو الاستعماري الغربي وموجاته المتلاحقة.
ونحن نرى أن هذا الصراع لن ينتهي إلا بزوال مسببات هذه الموجات الاستعمارية المتلاحقة، وهذا يقتضي زوال الهيمنة الاستعمارية (الإمبريالية في الوقت الحالي)، ونرى ذلك وشيكا في غضون عقود قليلة من الزمن مع انبثاق عهد جديد يستعيد فيه العالم ريادة الشرق والسلام والمساواة وينتهي الاستكبار الغربي الاستعماري البغيض وتاريخه الأسود!

تحالف متنوع مقاوم
والآن لأننا في عصر الإمبريالية، ولأن شعوب المنطقة تخضع للهيمنة والهجوم والغزو الإمبريالي الأطلسي عليها بمساعدة من أذرعها الصهيونية والرجعية العربية، نرجع ونقول إن التحالف المقاوم الشعبي الراهن (تحالف محور المقاومة)، هذا التحالف بملامحه الموزاييك، والذي يتسع ليشمل إسلاميين وقوميين ويساريين، يمتد أيضا ليشمل ذات الانتشار الجغرافي التاريخي مع التزايد أو النقصان قليلا، وفي كل مرة أو في كل محطة تاريخية من محطات الصراع (نقول الصراع، لأن الأطماع لم تنته والأفكار الرجعية الصهيونية الأصولية العنصرية لم تنته بالرغم من عبورنا في تشكيلات اجتماعية اقتصادية متباينة من الإقطاع إلى الرأسمالية وطورها الأعلى، أي الإمبريالية)...
في كل محطة تاريخية كنا نرى حركة اجتماعية سياسية ذات لون ثقافي أيديولوجي معين تحكم أو تهيمن في قطر ما من هذا الإقليم (غرب آسيا)، وتقود بقية الحركات في المناطق الأخرى في العملية التاريخية السياسية التي نسميها هنا «المقاومة»، وكان العدو القادم من الغرب بما يحمله من (موت قادم إلى الشرق) تقريبا، هو نفسه أبناء وأحفاد وأرومة واحدة بذات الدوافع الشيطانية الاستعمارية الاقتصادية (تفيض لبنا وعسلا).
وبالمقاومة الشعبية كفعل جماعي شعبي تقوم بها عدة شعوب أو قطاعات كبيرة أو صغيرة منها ودول تديرها أنظمة سياسية وطنية تتموضع جغرافيا في منطقة غرب آسيا، وهي نفسها المنطقة التي اشتهرت تاريخيا بكونها مهبط الديانات السماوية ومركز ثورات وانتفاضات شعبية طوال مراحل التاريخ ضد الغزاة الإمبراطوريين الغربيين، ابتداء من الغزو اليوناني والروماني والبيزنطي مرورا بالصليبي في القرون الوسطى وصولا إلى الغزو الاستعماري الحديث ثم الهيمنة الإمبريالية الغربية الأطلسية المعاصرة.
كان المحرك الأساس لموجات الغزو التاريخية هذه هو الأطماع الاقتصادية أولاً وأخيراً.

شتان ما بين الاثنين
ولم يكن الاختلاف الثقافي والتصادم الأيديولوجي في هذا الصراع إلا من قبيل التوظيف السياسي والتعبئة الاجتماعية التي مارسها الغزاة الغربيون لحشد قطعان المحاربين المتعصبين الخاضعين تماما لعملية غسل دماغ أيديولوجي ديني (فرسان الهيكل على سبيل المثال كأبرز مثال على هذا التنظيم المسلح الصليبي الصهيوني في القرون الوسطى)، لاحظ هنا أن قطعان المجرمين الغزاة تحركوا من خلال التعبئة الدينية وخرافات الوعود التوراتية. فيما كان الأباطرة والملوك الصليبيون يحلمون بممالك الثروة والأرض الطيبة!
وهنا بالمناسبة أقول شتان ما بين تنظيم الحشاشين وتنظيم فرسان الهيكل، فتنظيم الحشاشين نشأ تاريخيا في أهم عوامل ظهوره كرد فعل تاريخي على التآمر الاستعماري الصليبي الغربي والخذلان الملوكي الاستبدادي الإسلامي، وكان عداؤه في حقيقة الحال موجها للطرفين معا! وهو جزء هام من الظاهرة الإسماعيلية التاريخية الثورية، مع عدم إغفال الفارق في الفكر الاجتماعي ربما بينه وبين الحركات الإسماعيلية الثورية الأخرى.
ومن الطبيعي في ظل الظروف التاريخية لمجتمعات القرون الوسطى أن كنا نرى أن القتال ضد الغزاة المجرمين يحفزه دائما العامل الديني كأهم سلاح ثقافي أيديولوجي أو باعتباره الأيديولوجية الثورية السائدة في ذلك الوقت.
وتاريخيا في مرحلة الهجمة الصليبية برز الحشاشون باعتبارهم أقوى منظمة سياسية مسلحة تستند على قوة سلاح الأيديولوجيا، ورأينا كيف استعان بهم لبعض الوقت بعض الحكام المسلمين في معركتهم ضد الغزاة الصليبيين.
أما تنظيم فرسان الهيكل الغربي الصليبي الصهيوني (السلف الأول للماسونية) فهو تنظيم إجرامي مسلح يهدف لسيطرة الغزاة الغربيين على الأرض والثروة العربية الإسلامية، مستندا في أحقيته ودعاواه على خرافات وأباطيل يهودية توراتية، تماما مثلما فعلت ولاتزال تفعل اليوم تنظيماتهم المسلحة الإجرامية المعاصرة الصهيونية والصهيومسيحية ابتداء من العصابات الصهيونية الإجرامية في الأربعينيات التي ارتكبت مجازر بشعة بحق أبناء الأرض الفلاحين الفلسطينيين، وصولا إلى مجازر شارون ونتنياهو في فلسطين ولبنان وجرائمهم المرتكبة اليوم على امتداد البقعة الجغرافية للمقاومة المعاصرة.

ملخص لما سبق:
نشأ تنظيم الحشاشين تاريخيا وظهر كرد فعل على التآمر الاستعماري الصليبي الغربي، والخذلان الملوكي الاستبدادي الإسلامي. وكان عداؤه موجها للطرفين معا. وقد استعان بهم لبعض الوقت بعض الحكام المسلمين في معركتهم ضد الغزاة الصليبيين.
أما تنظيم فرسان الهيكل، الغربي الصليبي الصهيوني، فهو تنظيم إجرامي مسلح يهدف لسيطرة الغزاة الغربيين على الأرض والثروة العربية الإسلامية، مستندا إلى خرافات وأباطيل يهودية توراتية، تماما مثلما فعلت ولا تزال تفعل اليوم تنظيماتهم المسلحة الإجرامية ابتداء من العصابات الصهيونية الإجرامية في الأربعينيات التي ارتكبت مجازر بشعة بحق الفلسطينيين وفي لبنان وصولا إلى جرائمهم المرتكبة اليوم على امتداد البقعة الجغرافية للمقاومة المعاصرة.

قيادة المرحلة الراهنة (ملء الفراغ)
في اللحظة التاريخية الراهنة، بُعيد انكسار الحركة القومية العربية وسقوط أو ضعف أنظمتها السياسية جراء العدوان الإمبريالي الأمريكي الصهيوني الأطلسي الغاشم على العراق وسورية وليبيا بدعم من الرجعية العربية الخائنة والتواطؤ التركي الراهن (بوصف تركيا دولة من دول حلف الأطلسي الاستعماري) رأينا بروز وتعاظم دور حركة وطنية أخرى هي الحركة الإسلامية المقاومة في فارس والعراق والشام واليمن، تملأ الفراغ التاريخي (المؤقت) في القيادة، وتبرز كحركة قائدة في الإقليم تقود جموع الحركات الوطنية المقاومة الأخرى ضد العدوان الاستعماري الغربي المعاصر في اللحظة التاريخية الراهنة.
وتبرز هذه الحقيقة في واقع اليوم كحقيقة مفاجئة وصادمة، على عكس ما يشتهي أتباع الحركات السياسية الشعبية المقاومة الأخرى (القومية واليسارية) والتي تجد نفسها تنخرط في تحالف إقليمي واسع يشمل الب قعة الجغرافية ذاتها العصية تاريخيا في أغلب مراحل تاريخ العدوان الغربي بمناطقها الأربع (فارس والعراق والشام واليمن).

نظرية المؤامرة وتهافتها
لا يزال جزء من هذه الحركة القومية واليسارية (البعث العراقي وبعض اليساريين) يعيش تحت هيمنة "نظرية المؤامرة" وتسكنه ألوان الهواجس والشكوك تجاه الأطراف المقاومة. وما ساعد على تغذية هذه الأوهام والشكوك هو عقدة صدام، أو ما حدث في العراق من موقف بعض القوى الشيعية الخائنة العميلة المتعاونة مع الأمريكان إبان الغزو الإمبريالي الأمريكي على العراق وما بعده!
وتقوم على فكرة وجود ما يسمونه "التآمر الإيراني الأمريكي" على العروبة والإسلام! وهي أفكار غريبة لا يقبلها السواد الأعظم من جموع المثقفين الوطنيين والمناضلين ومعهم أبناء شعوب المنطقة، لكونها أفكاراً سيكوباتية استعلائية مدفوعة بألوان من حمى الاضطهاد التاريخي القديم والتعصب القومي والمذهبي النتن،    ويتم تغذيتها باستمرار من قبل الدوائر الاستخبارية الأمريكية والصهيونية والنشاط الماسوني تحديدا الذي يروج خزعبلاته القذرة من خرافات النهاية، والتفوق الأخلاقي الصهيوني وفكرة العدو الشرقي، خدمة للصهيونية.
هي أفكار متهافتة لا تصدر إلا عن إنسان ساذج ولا يدعمها واقع الصدام والاشتباك العنيف والعداء الحقيقي بين محور المقاومة بمكوناته المختلفة من جهة والتحالف الغربي الأمريكي الأطلسي الصهيوني الرجعي العربي من جهة أخرى. ويتناسى هؤلاء الحمقى أن أطراف محور المقاومة هم الذين ولا يزالون يدفعون الثمن الأكبر من هذه الحروب العدوانية الأطلسية بشتى أنواعها وأجيالها.
ولو كانوا عملاء للغرب لما قاوموا ولا استسلموا وطبعوا، ولا تعرضوا لكل هذه الهجمات والحروب والحصار والتدمير والتشويه والشيطنة والتحريض. والذي لا يريد أن يقتنع عليه أن يفتش في سجلات التاريخ، والتاريخ المعاصر تحديدا، بدلا من التوقف عند لحظات تاريخية استثنائية معينة وتعميمها على كل التاريخ وعلى زمن اليوم ورفعها إلى مصاف الحقيقة التاريخية!
والتناقض الصراعي في المنطقة هو نفسه لم يتغير بين الشرق العربي الإسلامي الثائر والغرب الاستعماري الإمبريالي الصهيوني المعتدي. إنها قضية تحرر وطني ومقاومة شعوب مستضعفة محاصرة مظلومة يتم الاعتداء عليها من قبل غزاة مستعمرين استخدموا كل أنواع الحروب وأنماطها عبر أجيالها من الأول إلى الخامس.
تعرضت هذه الشعوب والدول والأنظمة والحركات فيما نسميه "محور المقاومة" لأهوال ومآس شتى صنعها الحاقدون القادمون من جهة الغرب حاملين معهم الموت إلى الشرق، ولديهم عصاباتهم وحكامهم الخونة ومرتزقتهم، مارسوا الغزو والتدمير والحصار والتركيع والنهب، وعاثوا فسادا ونشروا الفتن والوقيعة والدسائس وحرضوا على الفتنة الطائفية بين العراق وإيران، وقاموا بتغذية جنون القومية العربية، والفارسية أيضاً، ولعبوا على وتر الطائفية المذهبية ليس فقط في العراق وفارس وإنما في بقية مناطق المقاومة الجغرافية في الشام واليمن!
وهاهم اليوم يريدون الاستمرار في المخطط الصهيوني الماسوني الحقير ذاته، ويعززون لدى بعض العرب الأغبياء من الأعراب والقوميين الفاشيين واليسار التغريبي الليبرالي المهادن أفكار الصدام العربي الفارسي والخطر الفارسي الراهن، في محاولة خبيثة لصرف أنظارهم عن التآمر والغزو الإمبريالي الصهيوني على المنطقة!
ويدفعون في مقدمة أو واجهة جوقة العداء السلفيين المتعصبين بمنطقهم الظلامي اللاعقلاني المتعصب الحاقد، والانجرار خلف الحشد الإمبريالي الأمريكي الصهيوني ضد محور المقاومة، باعتباره حسب زعمهم محوراً فارسياً يستهدف الأمن القومي العربي، ويوظفون في سبيل ترويج هذه الأفكار العدائية القصص الدينية التوراتية، وعلى رأسها ما يسمى "المعركة الكبرى" والتأويل والإيحاء بأن المقصود في هذه المعركة هو زماننا هذا وإيران تحديدا!
وتنطلي مثل هذه الأكاذيب الشيطانية على الملايين من الشباب المسلم السني المغفل! حيث يقال لهم إنه ينبغي علينا أن نقاتل مع "إسرائيل" ونصطف إلى جانب الصهاينة والمستعمرين الأمريكان (الذين يستخدمون مقولة رجعية عنصرية هي "أبناء الملكوت") ضد تحالف العدو الشرقي الفارسي الشرير (والمستخدم ضدهم مقولة عنصرية أخرى تقال في وصفهم هي "أبناء الهلاك"، ولا تشملهم فقط، وإنما تشمل كل شعوب المنطقة من غير اليهود!).
وليخترعوا لهم -حتى مع تناسي حكاية كورش- بابل جديدة مخطئة زانية ابنة الشيطان موقعها مئات الكيلومترات إلى الشرق هذه المرة في بلاد كورش نفسه، بابل شريرة تتربص شرا باليهود الصهاينة المؤمنين، شعب الرب!
وأخيراً، نقول إن استغلال الأعداء الإمبرياليين لحقائق وجود عيوب في هذه الأنظمة والحركات المقاومة بمختلف تلاوينها من إسلامية وقومية ويسارية من وجود لمظاهر الاستبداد أو الفساد أو العصبوية أو سوء الحكم، ونشر هذه الحقائق بهدف عزل هذه الأنظمة وهز صورتها لدى العرب والتحريض عليها لا ينبغي أن يمنعنا كمثقفين وطنيين من الوقوف والاصطفاف معها في المعركة ضد الإمبريالية الأمريكية الأطلسية وهجمتها الراهنة كأولوية قصوى، ورأينا هنا بخصوص هذه المسألة هو عكس ما يراه بعض المفكرين اليساريين العرب.

أترك تعليقاً

التعليقات