عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -

لا جديد في ما يخصالسياسة الخارجية
يرى الكثيرون أنه ليس مهماً معرفة من هو الفائز بمنصب الرئاسة أو الأغلبية في مجلس النواب أو الشيوخ، لأن الفروقات الفعلية في السياسة الخارجية (في العديد من الملفات والقضايا الشائكة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني)، ليست بذلك الشيء الذي يستوجب إحداث الارتياح الكبير لدى مواطني شعوب المنطقة أو ما يسمى "الشرق الأوسط"، وهي الشعوب التي تكتوي بنير الإمبريالية الأمريكية والغطرسة والهيمنة الماسونية الصهيونية.
فالاستراتيجية السياسية لهذه الدولة الإمبريالية العظمى التي يهيمن عليها الماسونيون واضحة وثابتة، وهي تخدم مصالح القوى المهيمنة في العالم، وفي المقدمة منها الاحتكارات الإمبريالية الكبرى للطاقة والمعلومات والمال والسلاح ونحوه ومصالح لوبيهات الضغط المتنوعة في البلد، وفي المقدمة جماعة "ايباك" الصهيونية الراعية والحامية لمصالح دولة الكيان الصهيوني "إسرائيل".
باستثناء ما يظهره الحزب الديمقراطي من تمسك خجول بفكرة حل الدولتين، وتأكيده على تمسكه بالاتفاق النووي الإيراني (وهو ما نعتقد أنه سيسعى إليه فعلاً) ورغبته في إنهاء الحرب العدوانية على اليمن، فإن تحركه في هذا المجال -في اعتقادي- سيكون ضعيفاً كما تبدو المؤشرات إلى ذلك. وهذه المسألة، مسألة إنهاء الحرب، ستتوج بفعل جهود الأمم المتحدة وفاعلين دوليين آخرين ورغبة الأطراف ذاتها وبالذات تحالف العدوان الذي يسعى لإنهاء الحرب بإيعاز من الأمير السعودي نفسه!! وأما تدخل الإدارة الأمريكية فيما لو فاز بايدن فسيكون ضعيفا.

أمريكا المنقسمة في الداخل 
لكن الجديد الآن في المشهد هو هذا الاستقطاب السياسي الحاد الذي أظهرته نتائج الانتخابات الأولية (شبه المؤكدة)، وهو استقطاب نحب أن نشير إلى أنه بالدرجة الأولى استقطاب داخل الطبقة البورجوازية الكبيرة والوسطى ويستفيد من التعبئة الشعبية لصالحه ويعكس تناقض مصالح عليا أساسا، ولكنه في الوقت نفسه يعبر أيضاً عن التناقض الطبقي بين جموع الشعب المنتج المنهك والمفقر والطبقات العليا، وهو استقطاب مشوب بالرغبة في المواجهة السلمية والعنفية، متغذياً من تزايد الاحتقان الاجتماعي جراء الكوارث التي تحل بالبلد الآن.
والمثير للقلق والخوف لدى المراقبين الآن هو ما يجري حالياً، حيث يتم تغذية كل الاتجاهات العصبوية المجتمعية (طائفية وعرقية وثقافية وغيرها)، وتوظيفها في الصراع السياسي، وأحيانا التمترس خلفها إذا تطلب الأمر، منذرا بتشكل نويات احتراب أهلي في المستقبل، وهذا هو الأسلوب المفضل لدى البورجوازية الحاكمة المأزومة في زمن الأزمة، ويجنح الخطاب والسياسة هنا إلى نمط من التوجه الفاشي البغيض.
نرجع في حديثنا الآن إلى مشهد الانقسام الذي عززته الانتخابات، فلدينا هذا التقارب المدهش في الأصوات (خصوصا أصوات المجمع الانتخابي) لكلا الحزبين حتى في بعض الولايات المحسوبة على الجمهوريين (تكساس وجورجيا وفلوريدا على سبيل المثال)!
الأمر لا يتوقف هنا عند انتخابات الرئاسة (أصوات الناخبين أو نتائج أصوات المجمع الانتخابي) بل يمتد إلى انتخابات مجلسي النواب والشيوخ (وهي انتخابات جزئية تجديدية).
هذه النتائج المدهشة تظهر مدى اشتداد المنافسة والحماسة والاستقطاب، مما يدفعنا إلى القول إن أمريكا سياسيا باتت منقسمة بشكل أكثر وضوحا انقساما حادا إلى درجة غير مسبوقة هذه المرة بين المعسكرين التقليديين (الجمهوري والديمقراطي).
انقسام حاد مشوب بنبرة الرغبة في الصراع وإحداث التغيير (ولو بالعنف) وليس مجرد مزاج أو رأي انتخابي أو ميل مصلحة فقط كما كان الأمر في السابق. انقسام بين برنامجين سياسيين متباينين يعكسان توجهات فريقين سياسيين، أحدهما يزداد يمينية ويجنح باتجاه استمالة اليمين المتطرف، ويستخدم أساليب الخطاب الديماغوجي المخادع في حديثه إلى العمال وإلى شرائح اليمين المسيحي الإنجيلي في الغالب من العرق الأبيض، ويعمل على التحريض غير المباشر للجماعات الدينية المتطرفة ومنظمات نازية، مثل الحركة الوطنية الاشتراكية والدستورية، وبقايا منظمة كوكلوكس كلان النازية، ويقترب منه أيضاً جماعات اللاسلطويين المحافظين (الليبرتاري اليميني).
بينما الفريق الآخر يتحرك قليلا نحو اليسار، ويغازل بثقة وعن قناعة بصوابية خطابه الإنقاذي بنبرته الاجتماعية جموع الناخبين محدودي الدخل والعمال والمتعبين جراء تداعيات الأزمة الاقتصادية التي زادتها تفاقماً كارثة وباء كورونا، وهي كما نعلم الكارثة التي تسببت بارتفاع معدل البطالة وازدياد هشاشة المعيشة لشرائح واسعة من مواطني الطبقة الدنيا والوسطى أيضاً، في حدود عشرات الملايين تقريبا.
وأخذ أيضا هذا البرنامج الجديد يغازل اليسار الأمريكي (هو عادة ضعيف الحجم والتأثير لكنه بدأ يتسع قليلا الآن على خلفية الأزمة الاقتصادية وأزمة كورونا وبعض السياسات الترامبية المستفزة).
اليسار الاشتراكي موجود داخل الحزب الديمقراطي بنسبة الربع إلى الثلث تقريبا، ويتزعمه بيرني ساندرز، وموجود في تنظيمات سياسية صغيرة خارجة: "الخضر" و"الشيوعي"، وموجود في مجالس البلديات كأفراد، وفي الجامعات، وفي بعض المنظمات اليسارية الحقوقية الصغيرة (حركة انتيفا على سبيل المثال).
يعكس الاستقطاب الحاد أيضا رغبة جماهير الثلث السكاني الممثل للأقليات المضطهدة (السوداء والعربية والمسلمة والملونة والآسيوية) في وقف نزعة تدمير المكتسبات الديمقراطية المتحققة، وفي انتزاع المزيد من الحقوق، وهذا يظهر من خلال شعارات المطالبة بالعدالة العرقية والمساواة الاقتصادية ووقف انتهاك الحريات بأنواعها.
ثمة حراك سياسي ثقافي فكري أخلاقي لدى معسكر الليبراليين واليسار بوجوب الحفاظ على ذلك الوجه الجميل الذي مثلته الحياة الأمريكية في نظر الكثيرين من شعوب العالم، ووجوب التحرك للحفاظ على ما تبقى من الديمقراطية الأمريكية، وهي كانت في الأصل ديمقراطية ناقصة، ولكن ثمة من يسعى الآن إلى تدمير ما تبقى منها، وهو المعتوه ترامب وجوقة مطبليه وداعميه الخلفيين.

أترك تعليقاً

التعليقات