الخراج الوحدوي الجزيل
 

عبده سعيد قاسم

عبده سعيد قاسم / لا ميديا -
لم يعترفوا بالوحدة إلا عندما أمطرت ذهبا ونفطا، وأتخمت خزائنهم بخراجها الوحدوي الجزيل، ومنحتهم الإقطاعيات التي تفننوا بتسميتها: «اللؤلؤة الحضرمية» و»المدينة الخضراء» و»إنماء» ومقار السفارات الأجنبية والمؤسسات الوطنية العديدة التي أصبحت متنزهات ومطاعم فاخرة يؤول خراجها الوحدوي الجزيل إليهم. أما قبل ذلك فكانت الوحدة أو حتى مجرد الحلم بها خيانة للوطن والدين!
«نحن أيدنا الميثاق الوطني ليكون ضد الاشتراكية، فكيف أصبح وسيلة للتقارب مع الجنوب؟!». هكذا قال الشيخ عبدالله الأحمر في مقابلة أجراها معه الكاتب الإماراتي خالد محمد القاسمي.
«وما حاجة صنعاء لتتخلى عن دينها في سبيل التوحد مع حفنة من الشيوعيين في عدن؟!». وهكذا قال الشيخ عبدالمجيد الزنداني لمجلة سعودية قبل إعلان الوحدة بأيام.
بل وكان الريال الجمهوري في جيب المصلي أحد مبطلات الصلاة، كما قال الشيخ لطف الفسيل للمصلين بعده، بأن صلاتهم باطلة، لأنه صلى بهم ناسياً أن في جيبه ريالاً جمهورياً!
وعندما تمكنوا من اختطاف الجمهورية إلى أحواش قصورهم ومقرات الحركة وتمكنوا من إزاحة المختلفين معهم من المشهد العام وتشريدهم والتنكيل بهم وأسسوا المعاهد العلمية، وعُين الفسيل رئيساً لهيئة المعاهد... أصبحت الجمهورية مقدسة، ومن له وجهة نظر تخالف منهجهم في تعريف الدين والمواطنة والحرية والثورة والجمهورية فهو شيوعي ملحد مناصر للإمامة وعدو للجمهورية ويستحق أن يلحق به التنكيل والقتل والتشريد.
«لا إله، والحياة مادة». هذه الجملة ابتكروها زوراً ولم يقلها أحد، ولكنهم ألصقوها بمن يخالف رؤيتهم للحياة ودلسوا بها على البسطاء من الناس فصدقوهم والتحقوا بهم وخاضوا بهم حروبهم الكثيرة في سبيل الدفاع عن رؤيتهم ومصالحهم، ولكن باسم الدين والوطن ضد من يرون أن الوحدة اليمنية أمر تفرضه حقائق التاريخ والجغرافيا، وليس تنفيذا لقوانين الاشتراكية العلمية الماركسية.
وفي سبيل تكريس التشطير ومنع قيام الوحدة اليمنية استغرقوا كثيراً من الوقت والجهد والأموال، وأذاقوا خصومهم من أعضاء اليسار الوحدوي شتى أنواع المرارة والعذاب، وفي أجهزة المخابرات التي سيطروا عليها أقام قادتهم حفلات الشواء الآدمي ومهرجانات التعذيب الدامية في أقبية السجون المظلمة، من مطلع السبعينيات حتى ضحى الثاني والعشرين من أيار/ مايو عام 1990.
اليوم، الوحدة تسبق الدين في أولويات المتاجرين بالدين والوطن ومصائر الناس!
تناقض صارخ ومهول، ومقاييس مختلة تصيب المرء بالحيرة والتعجب معاً!! وفي البال سؤال أكثر عمقاً: هل كان الشعب اليمني في الشمال والجنوب قبل إعلان الوحدة مشطرا وممزقا كما هو الآن؟! أم كان الشعب موحداً والأنظمة مشطرة؟!
سأحاول الإجابة على هذا السؤال في مقال قادم.

أترك تعليقاً

التعليقات