شُبَّابَة
 

عبده سعيد قاسم

عصر ذلك السبت الدامي الأسود 8 أكتوبر، كنت ماراً في شارع الخمسين، ومعي في السيارة أحد الجيران، سمعت الطائرة تحوم في الجو، ثم دوى الانفجار، وتصاعدت أعمدة من الدخان والغبار. ظننت في البدء أن الصاروخ أصاب الجامعة اللبنانية، وحين اقتربنا قليلاً رأيت الصالة الكبرى تحترق، جنود الأمن منعوا السيارات من العبور من أمام الصالة، حتى يتسنى للمسعفين وسيارات الإسعاف التحرك بسرعة. شاهدت بقربي في الشارع سيارات تتوقف، وينزل منها شباب يتجهون صوب الصالة بسرعة، تذكرت أن صديقي التعزي النازح يسكن بجوار الصالة، اتصلت لابني الأكبر، قلت له الطائرة قصفت الصالة، قل لصديقك يتصل بزوجته ليطمئن.  
وقفت قليلاً أتطلع نحو الصالة، وانفجر الصاروخ الثاني، وتطايرت الأجساد وقطع من صفائح الحديد في الهواء، فغر صاحبي فاه دهشة وذهولاً، وقال والخوف يقطع أنفاسه: يا لطيف قتلوا المسعفين.. وأردف: هيا تحرك، هؤلاء مجرمون سيقصفون كل شيء. 
اتصلت بالصديق صلاح الدكاك، أخبرته أن الطيران قصف الصالة، وسألني ماذا بداخلها؟ قلت له ربما فعالية لأنصار الله، ولست متأكداً، قال لي تأكد من نوع الفعالية وأخبرني. 
اتصلت بصديق آخر وأخبرته، قال لي إن في الصالة عزاء آل الرويشان، اتصلت بالدكاك ثانية، وصححت له المعلومة. 
تذكرت العميد عبدالكريم الصوفي، قلت في نفسي إنه سيكون من ضمن المعزين، اتصلت به، ولكنه لم يعد يستخدم رقمه القديم المسجل لدي، اتصلت بالدكتور محمد الصوفي، أعلمته بالحادثة، وقلت له اتصل بالأفندم، أغلب ظني أنه سيكون في العزاء، بعد ذلك طمأنني الدكتور أن خاله العميد عبدالكريم كان في طريقه الى العزاء، ولم يكمل طريقه بعد أن سمع القصف. 
كانت دقائق حزينة دامية خائفة غاضبة تمر ببطء شديد كأنها مثقلة بكل ذلك الوجع الإنساني الذي يتدفق من صالة العزاء المقصوفة، ويغمر القلب بالحسرة والحيرة والأسى، تمر بالذاكرة صور كل الأصدقاء الذين ينتمون لوزارة الداخلية، وبالتأكيد سيذهبون لتقديم واجب العزاء.
جاري لايزال مذعوراً، يحثني على أن أقود السيارة بسرعة حتى لا تصطادنا طائرات العدوان. كيف أقود بسرعة والطريق الصغيرة المحاذية لتلة النهدين مختنقة بالعربات الكبيرة والصغيرة وأفواج من الناس تتوافد الى الصالة لإخلاء الشهداء والجرحى.
انتظرنا حتى تخف تلك الزحمة، والخوف يمضغ العقل والقلب، ويرتفع في النفس منسوب الغضب ضد المجرمين، وماتزال الطائرة  تواصل التحليق. 
بعد أقل من ساعة بدأت الكتائب الإلكترونية التابعة لمرتزقة العدوان، بنشر التبريرات للجريمة والتنجيم، بالقول تارة إن عفاش دبر الحادث نكاية بالحوثيين، وتارة أخرى تجزم بالقول إن الحوثيين فجروا الصالة بهدف تصفية عفاش.. وكعادتهم لا يهمهم سوى إخلاء مسؤولية العدوان من هذه الجريمة النكراء.

أترك تعليقاً

التعليقات