الجمهورية المختطفة
 

عبده سعيد قاسم

خلال 55 عاماً لم نرَ الجمهورية التي يتباكى عليها البعض، لم نرها في عيون الأطفال ولا في محيا الشقاة النائمين على الأرصفة، ولم نلمس من مبادئ ثورة سبتمبر شيئاً في واقع الحياة.. فالجمهورية منذ قيامها لم تكن سوى سلطة قمعية بيد الشيخ الأحمر وسنان أبو لحوم والشيخ أبو شوارب وحمود عاطف والشيخ الشائف، أما بقية أبناء الشعب فلم ينعموا بشيء من نعيم الجمهورية، ولم يجدوا سوى إذلال أولئك النافذين لهم، وقمع من يعارض جمهورية الأحمر وشركائه، وإطلاق تهم الكفر والخيانة الوطنية العظمى ضد كل من يطالب بتصحيح مسار النظام الجمهوري المعوج، ولا يمكن أن يصعد رئيس للجمهورية ولا يكلف أحد بتشكيل حكومة أو يعين وزيراً أو محافظاً إلا برضى وموافقة الأحمر وشركائه ومعهم السعودية التي حاربت الثورة والجمهورية 8 سنين كاملة، وظلت وعبر أدواتها تجهض كل محاولة لإفاقة نظام الجمهورية من غيبوبة التسلط الفردي والتبعية للسعودية. حتى فقدت مفردتا الثورة والجمهورية بريقهما، وساور الشك كل ذي عقل نبيه بصدق الثورة وجديتها في النهوض بالحياة وإذابة الفوارق الطبقية بين أبناء المجتمع، بل إن معظم الناس أصبح يعتبر أن ثورة سبتمبر ما هي إلا واحدة من الأكاذيب الكبرى للتاريخ..
لم يعقب قيام ثورة سبتمبر فعل ثوري يلامس تطلعات الشعب، ويشيع المساواة والعدل بين أبنائه، بل ظلت البلاد تدار وفق لعبة التوازنات والمراضاة ومراعاة مصالح النافذين، وليس مراعاة مصالح الغالبية من الشعب، وظلت البلاد رهينة مصالح أولي المكانة والنفوذ، ومقيدة بسلاسل التدخل السعودي وإملاءات بني سعود، وأي رئيس كان يتجرأ ويخطو خطوة باتجاه إحياء روح الثورة السبتمبرية وامتلاك ناصية القرار الوطني، يطاح به نفياً أو قتلاً كما حدث للرؤساء السلال والإرياني والحمدي، وكما حدث في 2011 ضد الرئيس صالح الذي لم يسقط كلياً أو يُنفَ كسابقيه، بل احتفظ بحضوره من خلال المؤتمر الشعبي العام، ومن خلال الجماهير الموالية له..
لم نشهد ثورة سبتمبر وجمهوريتها سوى على شكل مناسبات كرنفالية نهتف فيها بعظمة الشهداء وعبقرية الثوار وحكمة القيادة، ونصغي بإمعان وخشوع لنشيد السلام الجمهوري، ونصب وابلاً من اللعنات على رأس النظام الإمامي البائد.. ثم ننكفئ ونعود إلى أكواخنا لنمارس جوعنا وشعورنا بالغبن والفاقة والظلم.
لقد استطاعت القوى الجمهورية القادمة من أدغال الماضي الإمامي، والمتمثلة بترويكا المشائخ، أن تخضع الدولة لنفوذها ومصالحها بالاستقواء بالقبيلة وتهميش القبيلة بالاستقواء بالدولة المختطفة في أحواش قصور تلك الترويكا التي أصبح الخروج عن وصايتها خروجاً عن مبادئ الثورة والنظام الجمهوري، وأصبح الشيخ هو الجمهورية والثورة والقبيلة والدولة...
من القواعد الثابتة في فلسفة وجدلية أحداث التاريخ أن النقيض السيئ يدل على حسن نقيضه، إلا في اليمن، فالنقيض يأتي امتداداً لنقيضه، ويجسد أسوأ ما فيه، فالنظام الإمامي لم يكن النموذج الجميل والعادل لحكم الشعب، كذلك الجمهورية التي قامت على أنقاض ذلك النظام، وجسدت من خلال ترويكا الاستيلاء على تضحيات الشعب وجهوده، أسوأ مساوئه بصورة فجة وقبيحة.
لقد تحولت الثورة والجمهورية الى خراج يؤول الى خزائن كبار النافذين على شكل شركات تجارية وإقطاعيات زراعية وقصور وتسلط ونفوذ وغطرسة مقززة، حتى الوحدة اليمنية أيضاً لم تمثل سوى اتساع لخارطة مصالح أولئك الذين أجهضوا ثورة سبتمبر، واستولوا على النظام الجمهوري.
الديمقراطية هي الأخرى كانت واحدة من الأكاذيب، فالشيخ هو المرشح الأساسي والوحيد، ومن يتجرأ على منافسته، ولو بشروط تلك الديمقراطية الكاذبة، مصيره الموت، وصاحب أصغر كتلة برلمانية هو رئيس برلمان الأكثرية.
إن تاريخنا اليمني مثقل بالأكاذيب الرسمية والبهتان المشرعن.

أترك تعليقاً

التعليقات