شُبَّابَة
 

عبده سعيد قاسم

سلام عليك جبل صبر قبلة العشاق ومحراب المطر.
سلام عليك أيها الجبل الذي اصطفتك السماء متكأً للنجوم، وبيدراً للقصائد والأغاني، وارتضتك المدينة حبيباً وحضناً يمنحها الدفء، ويفيض عليها سلاماً وأمناً ومحبة وعطراً ومشاقر. 
أيها الواقف كفلاح يمني شامخ، قدماه تحرثان الأرض، ويداه تعصران أثداء السحابِ، وتستمطرانها غيثاً يطفئ ظمأ الحقول، ويروي عطش التراب.
أيها الواقف الذي تدنو إليك السماء، وتوشوشك بأسرار الطبيعة وخفايا الغيب، وتبشرك بموسم الياسمين والقات (الجَدَّة والعوارض) وجهيش الغَرِب، لتحج إليك أسراب الطيور وأفئدة العشاق الهاربة من عيون الوشاة وألسنة الفضوليين. 
سيدي.. ألا تزال ضحكاتنا الحزينة مطبوعة هناك؟!
على صخورك التي كنا نسند عليها قاماتنا بعد غروب شمس كل يوم، ونتأمل المدينة التي تبدو كبحر من الضوء، ونعيد تأويلها وفقاً لهموم اللحظة ومزاج ما بعد (التخزينة). 
كنا بصمت نحرث أفق المدينة بنظراتنا، ونشق للغد شوارع أكثر اتساعاً، ونبني لها أرصفة مزدحمة بالأشجار، ونثق أنها ستكون هوادج للفرح وأراجيح للأطفال الصغار الذين، وللأسف، حصدت أرواح بعضهم صواريخ طائرات العدو وحلفائه الذين تقاطروا إلى المدينة من مختلف جحور وكهوف الماضي، يحملون على كواهلهم آلات الموت المشحونة بالأفكار المتطرفة الإرهابية التي لاتقيم للحياة وزناً، ولا تضع للدين اعتباراً إلا بقدر ما يستر سوأتهم الدموية، وبقدر ما يتخذون منه شعارات يمارسون تحتها كل البشاعات التي لم يعهدها الإنسان في تاريخ الصراع برمته.
إنني يا سيدي، وأنا أراك تنزف دمعاً ودماً، لا أملك وسيلة أدفع بها عنك خناجر هؤلاء المصنوعة من أحقاد النفط وخبث أمرائه وعبيده الأوباش.. لا أملك سوى أن أنحني إجلالاً لكبرياء حزنك وشموخ جراحك.
سلام عليك، وعلى تلك الفتيات الصغيرات اللواتي كن يلوحن للعابرين بالمشاقر في منعطفاتك الحادة، ثم يتطايرن كأسراب الفراش خلف سيارات العابرين، يحثثنهم على شراء المشاقر المصففة بمهنية عالية وذوق صبري رفيع. 
لاتزال المدينة تنهض من وجعها كل صباح، وتنتظر بناتك اللواتي لم يعدن يستفتحن صباحها بشذا المشاقر ورائحة الخبز البلدي ونكهة الفرسك والبلس الشهي، ويعزفن الخطى في الشوارع على إيقاع أيوب:
(ما أحلى بنات الجبل
حِمّا يطوفين المدينة
بالثياب الدمَسْ...
خدود مثل الورد
ضوء الفجر أرواها
وأعطاها المشاقر حرَسْ
محوَّطات الوجوه البيض
بالكاذي المسقَّى
في برود الغلَسْ..).
لك وللمدينة المجد.. وعليك وعليها السلام..

أترك تعليقاً

التعليقات