موسم الضَّمْج والطّبون
 

علي عطروس

علي عطروس / لا ميديا -
وصل الشتاء إلى صنعاء، «وهذا خبر لا يهم الفضائيات ولا المراسلين المشغولين بنقل وقائع الحرب وأسعار النفط ومتابعة كاس العالم»، كما يقول طه الجند.
لكنه بالنسبة لي وللكثيرين غيري ممن لديهم صفائح حديدية على ظهورهم ومسامير بلاتينية في أرجلهم وليس معهم سوى بعض الأرصفة وبعض «الكراتين»، فالخبر مهمٌّ ومهمٌّ جداً.
كانت معظم الذكريات جميلة عن مواسم البرد إلى ما قبل أحد عشر شتاءً، لترتد تلك الذكريات وجعاً فقرياً ومغصاً كلوياً وروائح عيادات وفواتير مستشفيات وديون مضاعفة لـ»المقوّت» وصديقي بائع فانيلات الحراج والجواكت المستخدمة...
ما رأيكم لو نغير اتجاه الموضوع غرباً، حيث تكتسي الأرض بسندسها الأبيض وتطلق المدفآت دخانها الرمادي؟! سأترككم مع الزميل لارس بولسون، من وكالة «بلومبيرغ»، ليحدثكم عن شتاء أوروبا القادم.
يقول بولسون: «ليس بعيداً عن مطار تمبلهوف في برلين، يقوم بيتر أنجليك بتركيب بوابة أمنية جديدة لمستودعاته، بسبب مخاوف من الأشخاص اليائسين الذين قد يسرقون مخزونه الثمين من الحطب المعرض للخطر.
تعكس تصرفات أنجليك القلق المتزايد في جميع أنحاء أوروبا، مع مواجهة القارة نقصاً محتملا في الطاقة، وربما انقطاع التيار الكهربائي تماما هذا الشتاء.
70 بالمائة من التدفئة الأوروبية متأتية من الغاز الطبيعي والكهرباء. ومع الانخفاض الكبير في الشحنات الروسية أصبح الخشب الذي يستخدمه بالفعل حوالى 40 مليون شخص للتدفئة سلعةً مطلوبة للغاية.
تضاعفت أسعار قطع الخشب المضغوطة تقريباً لتصل إلى 600 يورو للطن في فرنسا، وهناك أيضا مؤشرات إلى تزايد الإقبال على شراء هذا الوقود الأساسي في العالم، لدرجة أن المجر قرّرت حظره، بينما وضعت رومانيا حدا أقصى لأسعار الحطب لمدة ستة أشهر. لكن الآن من الممكن أن يستغرق إيصال المواقد الخشبية إلى أصحابها شهوراً.
حيال هذا الشأن، قال نيك سنيل، العضو المنتدب في شركة «سيرتنلي وود» البريطانية لبيع الحطب بالجملة: «لقد عدنا إلى الأيام الخوالي، التي لم تكن فيها تدفئة المنزل بأكمله ممكنة، بل كان أفراد العائلة يجلسون حول النار ويستخدمون حرارة الموقد ثم يأوون إلى الفراش. سنشهد الكثير من هذه الأيام المماثلة هذا الشتاء».
نتيجة لهذه النزعة شهدت شركة «غابريال كاكيلوغنار»، المختصة في تصنيع مواقد قرميدية عالية الجودة تبلغ تكلفتها في المتوسط 86000 كرونة سويدية (7700 دولار)، ازدهارا في الطلب. يمكن للمواقد أن تحافظ على دفء الغرفة لمدة 24 ساعة، بفضل طريقة بنائها المعقدة والمميّزة، من خلال استخدام قنوات مختلفة تحمل الحرارة وتوزعها.
تبدو ألمانيا قليلة الخبرة في هذا المجال، حيث تتعامل جمعية منظفي المداخن في البلاد مع فيض من الطلبات على خدمة ربط المواقد الجديدة بالقديمة. كما يستفسر بعض العملاء عن إمكانيّة حرق روث الخيول وأنواع الوقود الأخرى غير المعروفة. وهناك أيضا علامات على ورطة كبيرة بهذا الشأن في فرنسا.
في برلين، كان للأزمة أصداء مقلقة تشبه الخراب الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. فمع نقص الوقود عمد السكان إلى قطع جميع الأشجار تقريباً في حديقة تيرغارتن المركزية، من أجل التدفئة. وفي حين أن سكان برلين لم يصلوا إلى هذه المرحلة بعد فإن المخاوف بشأن الحفاظ على التدفئة منتشرة على نطاق واسع. لم يقم أنجليك بتركيب بوابة أمنية إضافية لحماية جذوع الأشجار وقوالب الفحم وزيت التدفئة فحسب، بل كان عليه أيضاً التوقف عن التعامل مع أي عملاء جدد، حيث قال: إننا نتطلع إلى هذا الشتاء بقلق بالغ».

أترك تعليقاً

التعليقات