علي عطروس

علي عطروس / لا ميديا -
يكتب الصديق العزيز «شرف حجر» بمضمون صحفي جميل وشكلٍ صحافي رائع وهو الذي لم يدرس الصحافة ولم يكتبها هوايةً أو غوايةً من ذي قبل، فيما بقايا كُّتاب «سقيفة شارع الزراعة» ممن صاروا من محظيي العدوان -معه وضده- يتزحلقون ليل نهار بين قنوات «فالوب» خارجياً و«إستاكيوس» داخلياً (وصل الأمر بالبعض -من غير المغضوب عليهم الضالين- أن يكرس فشل القنوات بـ»تاريوس» نقل 2021 و«ريوس» انتقال 2022 قبل أيام مكافأة على طول اليد واللسان). أما المحترمون فكانوا ومازالوا يعيشون في قنوات «المرارة» ويعتاشون على أحجار «البنكرياس».
ما علينا.. نعود إلى ما يكتبه شرف خصوصا في آخر عددين من «لا»، وما كتبه -لمن لم يقرأه- عبارة عن قراءة بيضاء لصفحة غير طبيةٍ سوداء من كتاب حكومة اللا إنقاذ السري الرمادية الرمداء.. مستشفيات «خرسانية» ودواء «هندستاني» وأمراض «باكستانية» ومرضى «أفغان» وصيدليات «إسرائيلية» وتطبيب «يهودي» ووجع «يمني» يمتد من أول حقنة «أنسولين» معدومة إلى آخر عملية قضاء وقدر ومقصات منسية في البطون ومبهررة في أقسام الحسابات والرهونات بصراحة.. استفزني جداً ما كتبه الرجل.. وكأني وزير الصحة وأنا على منبر الجمعة أعظ الناس بالصبر وأنصحهم بالكمامات وأعض على أسناني من الغيظ باللوز والزبيب البلدي.. استفز شرف داخلي الصحفي الذي كان والكاتب الذي مضى و»المعافى» الذي زلج (لا علاقة هنا بالمعافى وأبراجه وشققه المفروشة لمحظيي العدوان مع/ وضد) والحالم الذي استيقظ من فردوس الأمنيات على فراش الأغنيات الخُرس و»الفراشات المغذيات» لا الملونات.
كأحد المعنيين بما كتبه شرف هزني عجزي لأكثر من عشر سنوات في مواجهة منظومة دراكيولا طبية تحكم قضائي وتتحكم بقدري دماً وألماً.. لحماً وعظماً.. بدأ الأمر بكسرٍ في العمود الفقري ولما ينته بانكسار إرادتي بعد.. وبين بدايات الغيبوبة ونهايات الإغماء، أطباء بقري وغنمي ودكاترة عظم وكوارع وممرضون مشوي وحنيذٍ وفحم وممرضات عقدة ولحم صغار.. كشافات تحت «حمراء الدمن» و»فوق بنفسجية» طيرمانات أعلى الوجع الكستنائي.. أكياس أمبولات لا تداوي وكبسولات لا تعالج وحقن عضلية لا تخفف تنهيداتٍ، ووريديةٍ لا تخف آهات.. فحوصات مخبرية للدماء وخبرية عن الأسماء ومخابراتية عن دوافع الوجع ومسببات الألم ونتائج الصراخ في ممرات المختبرات وطواريد الرنين المغناطيسي.. ارتهانٌ للعوزة في مواجهة صيادلة معاهد العامين والنصف وعالم صيدليات ابن حيان وأولاد هائل وعيال ستين أردوغان في سبعين بن سلمان.. ورهن «للتوزة» التي ورثتها من جدي السادس عشر قبل ميلادي السادس والعشرين والذي أهداني فيه أبي «كلاشنكوفاً» و»ماكروفاً» وأحزمة رصاص زيتية حارق خارق وغير معقبة بعتها جميعاً عند السادسة والثلاثين بتوقيت عجزي عن الوفاء في المضي بالعمر واقفاً ما بين مستشفى الثورة التي لم تُولد والجمهوري الذي لم يعش والعسكري الذي لم يضرب لي تحيةً قط والـ48 الذي صرعت فيه الابتسامة من قبلي الراحل حميد شحرة.
عشر سنوات لم يخبرني أحدهم قط أن «القطنية الأولى» هي التي تتحكم بـ»المثانة»، وتفتتها هو ما يرخي قبضتي عنها وما يقلل من تحكمي بالانفعالات واحتكامي للأعصاب ومن مناوبتي بين دورة المياه ودورة الحياة كل عشر دقائق ضوئية.. لم يخبرني أحد أن صفائح «البلاتين» ومساميرها دُقت على نواصي «الكلى» وزُفت على ارتفاع «الكرياتين» والذرة الصفراء وانخفاض كريات الدم الحمراء والبيضاء، وأن الشتاء قد صيرته قطنيتك الأولى فصلك وعمرك الوحيد.
كانت جدتي الراحلة تغشاها الله برحمته تنصحني بأكل «الحِلف» وشرب «الحُمَر»، فيما ترى أمي أطال الله في عمرها الفائدة بعد ذكر الله والصلاة على رسول الله وآله في «الحبة السوداء» و»القِسط الهندي».. أما أصدقائي -غير المنقرضين منهم- سامحهم الله فيجدون العلاج في خلط «اللبان الشحري الذكر» مع «العسل الأصلي» وتنتابني موجة ضحك هستيرية في وجه كل من ينصحني بالعسل المعروض خلف «فترينات شارعي حدة والقيادة» وكأنني بتُ بلحيةٍ طولى حتى السرة وبمسواكٍ أطول من عنق ذكر زرافة يخرج رأسه من زجاج سيارته «الشيفروليه» عند كل جولة شحاذين وفقراء نافثاً في وجوههم سعاله الجاف والمروي بمعسل الثلاثمائة دولار... أضحك من أعماق وجعي على من ينصحني بالعسل سواء البلدي أو الماليزي، والذي لو ملكت قيمته لكنت الآن في المستشفى السلطاني بمسقط أو في إحدى غرف الخمس نجوم بالدور الأخير من «السعودي الألماني» أو في غرفة المعاينة عند إبراهيم النونو.
لقد أيقظتني يا شرف وأنا الذي لم أنم قط.. هوِّن عليك يا عزيزي.. فإننا في زمن العطارين!

أترك تعليقاً

التعليقات