رمضان التاسعة والنصـف
 

علي عطروس

علي عطروس / لا ميديا -
بمحاضراته عند التاسعة والنصف من كل ليلة، أعاد السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، إلى رمضان روحانيته، واستعاد له مكانته، وعاد به إلى وضعه الصحيح في التقويم الإلهي للإنسانية كشهرٍ قرآني مقدس الشعائر وموسمٍ إيماني ممجد المشاعر، وذلك بعد سنوات من الابتلاء السلبي الحاد من إفراغ أرواحنا من روحية رمضان وإتخامها بماديات الاستهلاك الاحتفائي الزائف.
ابتلينا منذ مدة ليست قصيرة بأشخاصٍ وجهات يجتهدون ليل نهار لدفعنا نحو مستنقع الجهل وهدم الحضارة وتقويض العلم والثقافة والأخلاق، مما قد يؤدي إلى انهيار المجتمع وجرف الجميع إلى مستنقع التفاهة والسخافات.
وإذا بهؤلاء التافهين والجاهلين يدفعوننا إلى أن نجعل شهر رمضان موسماً سنوياً للمشتريات والتسلية والسهر واللهو والمرح!
فقد صار رمضان هو الموسم الرابح في العام من حيث المسلسلات الرمضانية التي تصل في بعض السنوات إلى 18 مسلسلاً تنطلق كلها في رمضان بحلقات يومية يتراوح متوسط الحلقة الواحدة بين 40 و50 دقيقة تتخللها فترات إعلانية غالباً ما تكون طويلة نسبياً.
وتتابع الأسرة الواحدة في المتوسط مسلسلين أو أكثر في الشهر الفضيل، وهو ما يعني تحقيق أرباح طائلة لمنتجي المسلسلات من وراء العمل في رمضان، ونظراً لاعتبار رمضان فرصة وماراثوناً وموسماً مهماً للإنتاج الفني نجد كثيراً من المسلسلات يتم البدء في تصويرها قبل انتهاء كتابتها، وبعضها يتم بثها قبل استكمال تصوير حلقاتها!
ببساطة، يمكننا أن نقول إنه من خلال هذه الأرقام كدنا أن نكون في غاية البعد عن مقاصد الصيام، التي تدور حول التخلي عن متاع الدنيا والتركيز على تنمية الجانب الروحاني في حياة الإنسان، وكذلك بعيدين عن الحسابات المنطقية في معدلات الاستهلاك.
ولعل الكثير منا ينتظر قدوم رمضان ليجد ما كان يبحث عنه من سكينة وهدوء وأجواء تساعده على محاولته في التغيير، تغيير نفسه أولاً ثم من حوله، تغييرا إلى الأفضل وتغييرا يحقق له مراده وهدفه في وضع نفسه على الطريق المستقيم الطريق الذي يجعله سعيداً وراضياً في الدنيا ويجعله من الفائزين في الآخرة.
ولكننا مع هذا كله لا نجد السكينة والراحة. فقد كدنا أن نصنع من رمضان «كريسماس» إسلامياً. بالمناسبة، كانت مناسبات الكريسماس ورأس السنة أعياداً دينية؛ لكنهم حولوها بفعل الشياطين والتافهين إلى ليالي عُهر وفسق وفجور وتسلية وتفاهة.
يتحدث الفيلسوف الكندي آلن دونو، في كتابه «نظام التفاهة»، عن سيطرة التافهين على الفضاء العام، ويقول إن أسوأ ما يعملون أنهم يصنعون «النموذج» الذي ينبغي أن نحذو حذوه، هم متهمون بصناعة قواعد الرداءة والمعايير الهابطة والسلوك المبتذل وتغييب الجودة والأداء الرفيع والتعامل القائم على الذوق والتهذيب، وكانت النتيجة أن «تسيدت شريحة كاملة من التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية».

أترك تعليقاً

التعليقات