هدنة غزة.. شروط الوساطة ودور الوسطاء
- إبراهيم الهمداني السبت , 17 مـايـو , 2025 الساعة 7:37:23 PM
- 0 تعليقات
إبراهيم الهمداني / لا ميديا -
لم يكن هدف استعادة الأسرى الصهاينة من أيدي مجاهدي الفصائل الفلسطينية ضمن قائمة دوافع الحرب "الإسرائيلية" على غزة؛ لأن "قانون هنيبعل"، المعتمد لدى حكومة الكيان الغاصب، يرسم مصيراً آخر لأسرى جيشه، إذ يُفضل الأسير المقتول على الأسير الحي، وبذلك يحق لـ"إسرائيل" أن تقتل أسراها بيدها، لكي لا يكونوا ورقة ضغط عليها بيد أعدائها، وهو ما نفذته عصابات الإجرام الصهيونية، إذ أقدمت على قتل كثير من أسراها، رغم محاولات المقاومة الحفاظ على حياتهم، ولولا تعذر الوصول إليهم لما أبقى الجيش "الإسرائيلي" منهم أحداً؛ لذلك لم يكن طلب "إسرائيل" الهدنة إلا ترجمة فعلية لهزيمتها العسكرية، واستسلاماً لمعادلات الميدان، التي فرضتها الفصائل الفلسطينية ومحور الإسناد، وهو ما أثبته الواقع، وترجمته بنود الاتفاقية ومشاهد تنفيذها، التي أكدت أن يد المقاومة كانت هي العليا، على كافة المستويات والأصعدة.
لذلك لم تكن الهدنة -بأي حال من الأحوال- صناعة ترامبية؛ كون أمريكا شريكاً أساسياً في العدوان على غزة. كما أنها لم تكن نتاج جهود الوسيطين القطري والمصري؛ لأنهما يفتقران إلى أدنى مؤهلات وشروط ذلك الدور؛ إذ لا يمكن القول إنهما يتمتعان بدرجة ما من الحياد، لأنهما -في الواقع- منحازان علناً إلى الكيان الصهيوني قلباً وقالباً، ولا يتحركان إلَّا بموجب التوجيهات الأمريكية، كما لا يمكن القول إنهما يتمتعان بوجاهة ومكانة تمنحهما ثقة المجتمع الدولي بعدل قراراتهما وإنصاف أحكامهما، إضافة إلى أنهما لا يملكان سلطة تنفيذية خاصة يستطيعان من خلالها إلزام الطرفين بالمضي في تنفيذ الاتفاق، كما أنهما لا يحظيان بدعم وإسناد أممي، بحيث تكون منظمة الأمم المتحدة -بمرجعيتها السياسية والسلطوية- سنداً تنفيذياً مرجعياً داعماً لجهودهما، ومشرفاً على التزام طرفي النزاع بتنفيذ بنود الهدنة الشاملة في صيغتها الإنسانية والأخلاقية دون محاباة أو مجاملة، وفي حال تخلف أحد الطرفين عن ذلك فإن للوسيطين الحق في اتخاذ الإجراء المناسب ضده، بدعم وإسناد دولي وأممي، وفي حال عجز الوسيطين، يجب على منظمة الأمم المتحدة مباشرة ذلك الدور بنفسها.
كان ذلك الحلم المثالي هو الطُّعم الذي اغتيل بواسطته الوعي الجمعي، ومازالت معظم الشعوب النامية عامة، والعربية خاصة، تعلق عليه الكثير من الآمال، رغم مجانبته لمعطيات ونتائج الواقع؛ فسلطة منظمة الأمم المتحدة ومركزيتها الأبوية والمرجعية غابت في المجهول حين كانت قضية فلسطين ومأساة غزة هي مركز الحدث وموضوع الطرح والمناقشة، ولم تُظهر حتى بصيصاً من قلقها المعتاد، لتقف على عتبات احتضان مداولات الفرقاء، متوسطة بين مع وضد، ملوّحة ضد القاتل بقرار عقوبات غير ملزم، ومصدقة بكل شرعيتها وهيمنتها على شرعية "الفيتو" الأمريكي الرافض لقرار الهدنة والسلام، الأمر الذي يجعل مقولة "الإجماع الدولي" مجرد شعار فارغ المحتوى، وقرارات السلام المزعومة لا تساوي الحبر الذي كُتبت به. وللوقوف على حقيقة تلك المنظمة وأعضائها دائمي العضوية يكفي أن نعرف أنها منحت الكيان "الإسرائيلي" الغاصب العضوية الكاملة فيها، بينما حجبت تلك العضوية عن دولة فلسطين المحتلة. ولعل في ذلك الكفاية لتفسير سلبيتها المفرطة وتواطؤها الفاضح والواضح مع الكيان "الإسرائيلي"، وجعل "الإجماع الدولي" تحت أقدام "الفيتو" الأمريكي ما دامت مصلحة "آباء الإمبريالية" المؤسسين تقتضي ذلك.
ذلك هو الإطار المرجعي العام، الذي تحرك الوسيطين ضمن حدوده، مجسدين أقبح وأخزى صور التبعية والانبطاح، والارتهان الكامل لمنظمة الأمم المتحدة الاستعمارية، وأحط وأحقر مظاهر التسليم المطلق لرغبات المجرم المستكبر الأمريكي، شريك القاتل المتغطرس "الإسرائيلي" الغاصب في حرب الإبادة والتدمير وجرائم القتل؛ لذلك لم يمتلك الوسيطان أدنى معايير الوساطة؛ لا من حيث شروط الحياد والنزاهة والاستقلال، ولا من حيث مؤهلات القوة والقدرة والإلزام. ورغم ذلك لم يستحِ الوسيطان من ممارسة مختلف الضغوط على مجاهدي حركة حماس وأهالي غزة المكلومين، بهدف تحقيق أهداف الكيان "الإسرائيلي" الغاصب، التي عجز عن تحقيقها هو وحلفاؤه من أكابر مجرمي الإمبريالية، بكل ما يمتلكون من ترسانة عسكرية هائلة، وبكل ما في جعبتهم من الإجرام والتوحش.
في المقابل، يقف أولئك الوسيطان فاقدي الحيلة أمام الطرف "الإسرائيلي" المعتدي المحتل، لا يملكان أي ضمانات أو أوراق ضغط عليه لإلزامه بتنفيذ الاتفاق وضمان عدم خرقه للهدنة. ولذلك منذ اللحظات الأولى في فجر 27 يناير 2025، من دخول اتفاق الهدنة حيز التنفيذ، كانت الخروقات "الإسرائيلية" حاضرة بقوة واستمرار، على مرأى ومسمع من الوسيطين والعالم أجمع، ولم يصدر عن أولئك الوسيطين حتى بيان إدانة أو اعتراض أو استنكار تجاه الصهيوني الذي طلب وساطتهما، ثم تعمد إحراق صورتهما، وكشف عجزهما أمام العالم، رغم أنهما قد تماهيا مع مشروعه، وبدآ بممارسة ضغوطات على حماس في سياق تحقيق أهداف نتنياهو، التي عجز عن بلوغها سلفاً.
المصدر إبراهيم الهمداني
زيارة جميع مقالات: إبراهيم الهمداني