آخر الناجين في بطن الحوت!
- أشرف الكبسي السبت , 1 فـبـرايـر , 2025 الساعة 12:17:06 AM
- 0 تعليقات
د. أشرف الكبسي / لا ميديا -
جلست منفردا إلى طاولة المطعم، أنتظر وصول طلبي.
لمحت رجلا عجوزا، بدا لي في السبعين من العمر أو يزيد، يحمل ممسحة قماشية وينتقل من طاولة إلى أخرى بمشقة بالغة!
أيعقل، أن يعمل كبير السن هذا نادلاً هنا؟!
اقترب مني، واهنا، وباسما سألني إن كنت أريد شيئا يقدمه لي!
شعرت بالحرج، فكيف لشيخوخته أن تخدمني؟!
رجوته أن يجلس على الكرسي المقابل، لنتحدث قليلا..
رد بصرامة: لا يمكنني.. أنا الآن أؤدي عملي!
أردت أن أصرخ، هذا العمل لا يليق بك أيها الأب الطيب!...
نظر في عيني مباشرة، وكأنه يقرأني بوضوح، ثم قال ما لم يخطر لي على بال: أتدري حقا ما الذي لا يليق؟! شعورك المشفق هذا! ورغبتك البائسة في أن نتحدث قليلا لأخبرك قصتي الحزينة، لتمضي بعدها دامعا إلى حياتك، وأعود أنا إلى طاولاتي!
فليكن.. هاك القليل عني:
أنا تذكار، مكتوب على جبينه بالسنين: ما مضى ينبغي أن يرحل!
ساعتي عرجاء، وقلبي ينبض متوكئا على عكاز!
على عيني ترتسم غشاوة زرقاء، لا تشبه الإبحار!
في ذاكرتي ممحاة، تعمل ليل نهار، وصبح مساء!
يسكن رئتي مخرز نهم، لا يهتم فيما يثقب بحبات اللؤلؤ!
تخونني قدماي بإيلام، ويداي ترتعشان باصفرار كأصابع الخريف.. يتخلى عمودي الفقري بانحناء مذل عن حملي! الجثث تزن أكثر!
تجاعيدي، تناوب ظلال، تفصح غائرة عن تاريخ..
داخلي محراب احتفاء مهجور، وجدراني مهملة كمعبد منبوذ!
غرقت سفينة عمري، وأنا آخر الناجين في بطن الحوت! لا أشرعة لي، ولا شاطئ يقطين!
أنا شمعة تذوي، ولا يدري فتيلها، أي بقايا أنفاسها سيطفئها، وبلا جدوى أمل في عودة احتراق!
وهنا، تنهد العجوز منهكا وبارتياح، وكأنما أفرغ حمولته من كل شيء، وقبل أن يمضي لحاله، أردف قائلا: أتدري يا بني؟! لطالما أردت أن أكون من كبار العلماء، كبار المسؤولين، كبار الضيوف.. وها أنا اليوم من كبار السن!
لا بأس، الأحلام تتحقق، مع سوء فهم محتمل!
وداعا، هناك زبون، ينتظر!
المصدر أشرف الكبسي
زيارة جميع مقالات: أشرف الكبسي