الهدنة في اليمن.. من أين؟! وإلى أين؟!
 

مرتضى الحسني

مرتضى الحسني / لا ميديا -
وفد سعودي يزور صنعاء للتفاوض حول تجديد الهدنة التي انتهت قبل ستة أشهرٍ من الآن، والتي استمرت قبل ذلك ستة أشهر وكان مؤملاً منها أن تكون لبنة أولى لبناء الثقة وسبيلاً للخروج من جحيم الحرب المفروضة عدواناً على اليمن منذُ ثماني سنوات دون مبررات جوهرية تدعو إلى هكذا حرب وحصار.
اتفاقية الهدنة وقعت بشروط، أولها: رفع الحصار عن ميناء الحديدة، وفتح مطار صنعاء بشكلٍ ضيقٍ أمام رحلتين أسبوعيتين إلى عمّان والقاهرة، وصرف المرتبات. شروط ماطلت السعودية إزاءها وعرقلت تنفيذها، الأمرُ الذي جعل صنعاء تأبى تجديدها مرةً ثالثة، ليدخل الأطراف بعدها حالة اللاهدنة؛ ولكن هل هذه الهدنة جاءت بدعوة من صنعاء أم أنّ المتغيرات الدولية أسهمت في فرض أحوال على السعودية جعلتها تأتي راغبة أو شبه راغبة في السلام إلى صنعاء؟!
قبل توقيع الهدنة، شهد المناخ الدولي عاصفة غيرت ملامح الصراع فيه، ببدء روسيا معركة عسكرية كبيرة ضد أوكرانيا، ما يعني نشوب الصراع في قلب أوروبا وضد المصالح الأمريكية، مما حتّم على الأخيرتين التفرغ لهذه المعركة المباشرة، فدفعتا بحلفائهما (السعودية والإمارات) للدخول في مفاوضات مع حكومة صنعاء لتهدئة الأوضاع، من جهة، كما أن احتياجات أوروبا الكبيرة للنفط مع ارتفاع أسعاره جعل السعودية قبلتها الأولى لهذه الإمدادات، في وقتٍ كانت تتعرض فيه المملكة لضرباتٍ صاروخية من اليمن في منابع النفط، عمود اقتصادها، من جهة أخرى، فرض عليها الدخول في مفاوضات نتج عنها هدنة مؤقتة.
واقع المملكة وحاجتها الملحة للاستقرار، خصوصاً الاقتصادي، قذفها رعباً من احتمالية ضربة عسكرية من اليمن، لاسيما أنّ المعركة مازالت قائمة والهدنة منتهية، فلجأت لمحاولة تجديدها، وعمدت أن تأتي بعد توقيع الاتفاقية مع إيران، غروراً منها، حتى لا يُقال إنها هُزمت أمام جماعة، أو إيهاماً للرأي العام العالمي بأن ما حدث هو نتيجة للاتفاق مع إيران، وليس نتيجةً لصمود الشعب اليمني ودهاء قيادته وقوة جيشه، ناهيك عن الطيران المُسيَّر، الذي يعد السلاح الأكثر نجاعة في الحروب المعاصرة. لكن هذا لن ينطلي علينا كما قال قائد الثورة: «لسنا سُذجاً. والمملكة ومن خلفها يعون هذا».
المملكة تراوغ كعادتها، وتريد أن تُقدم نفسها كوسيط سلام في اليمن، وتستخدم الملف الإنساني كورقة ضغطٍ، وتحاول التملص من أغلب المطالب الرئيسية للشعب اليمني، التي تمثل طريق السلام، والتي قالها السيد عبدالملك الحوثي، وهي: صرف المرتبات، رفع الحصار بحراً وجواً وبراً، رحيل جميع القوات الأجنبية بلا قيدٍ أو شرط، الإفراج عن كافة الأسرى، إعادة الإعمار، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للبلد.
قبل وصول الوفد السعودي إلى اليمن تفشت التسريبات حول اتفاق لإنهاء الحرب ومرحلة سلام شامل، وتكهنات مبهمة وتحليلات طويلة تسودها المبالغة وعدم الواقعية، وبعد وصول الوفد إلى صنعاء مع الوفد العماني، ورئيس الوفد الوطني المفاوض، محمد عبدالسلام، الذي قال: «ما يهم هو الملف الإنساني، ولا تنازل عنه، وما يهمنا هو ما يحدث بالواقع، ولا تهمنا التسريبات». لا يبدو من طريقة حديثه وملامح وجهه أنّه غير متفائل، ولا جدية فيما تطرحه السعودية، فحتى وإن حدثت تطورات في المفاوضات فلا تزال أمريكا تؤثر سلباً على السعودية وجديتها في التفاوض والوصول إلى حل، وهذا ما يفند أغلب ما هو متداول.
مهما قيل فإن الضبابية ما تزال تكسو المشهد اليمني. والحل عسكرياً يبدو أنه الأنجح للحسم، فطول الجولات السياسية والمفاوضات تؤثر سلباً على الداخل في حكومة صنعاء، وتحالف العدوان لا يأبه لمعاناة الشعب اليمني بل يتلذذ بها، وما يلزم ابن سلمان وتحالفه أن يصدق في تعامله مع الشعب اليمني وقيادته، وأن يربط الحل بصنعاء، ويقدم مصالحه على مصالح الأمريكيين والبريطانيين.

أترك تعليقاً

التعليقات