مرتضى الحسني / لا ميديا -
في السبعين، حيث اجتمع الأمن بكله، اخلع مخاوفك المؤرقة، والبس قلنسوة الأمان المطمئنة، فهيبة المنظر تدبُّ عزّاً في كل وريدٍ، ومع كل كتيبةٍ تمرُّ يزداد التدفقُ شيئاً فشيئاً حتى يبلغ الانتعاشُ ذروته، فَيَسْبَحُ بك في فلك اللامعقول وزمن اللا إمكانيات.
مع صخب الحياة المضطربة بأنواع المعضلات، وأكبرها صراع الحق والباطل، تكاثرت الحروب ولُعبت فيها جميع الأوراق التي تستجلبُ الربح. وحربنا الحالية مع الباطل خير الشهود، وأوراق خلخلة الأمن وزعزعة كيانه طُرحت كثيراً ومبكراً؛ لكن ما لبثت أن أُحرقت بنار الأمن ورجاله، حتى صارت رماداً تذروه الرياح في فضاء الخيبة والفشل.
لم يكن الأمن، ولا الداخلية بكلها كالآن، صحيح كانت موجودة، لكن كادرها على الأقل لم يكن يستطيع أن يحمي نفسه عند ارتدائه البزة العسكرية. أما المواطن فأصبح يتحدث عن الأمن كأنه قصة من قصص «ألف ليلة وليلة» أو فصل من فصول «كليلة ودمنة»، فناقوس الواقع دائماً يدق خطراً ولا يسمع مجيباً؛ ولكن ذلك لم يطل حتى صار الشعب هو الداعي وهو المجيب، فانتفض من بين الركام واتجه نحو بناء نفسه، متخذاً القرآن وثقافته وعبقرية قيادته الثورية بوصلة يتوجه بها نحو مرافئ الأمان.
بدأ الأمن عرجوناً، وطال بقاؤه، حتى أتت ثورة أيلول فأكمل بها الشعب بدر الأمن، وأمسى التكفيريون وتفجيراتهم والمعتدون ومؤامراتهم مستلقين على خانة الذكريات النتنة يعضون أنامل الندامة غيظاً. وجلال المشهد يحفر اليوم نجاحه على جبين دهرٍ كثر فيه الرديء عن الجيد.
عشرون ألفاً، يزيدون أو ينقصون قليلاً، اكتظ بهم ميدان السبعين. الداخلية بكل تشكيلاتها تستعرض بخطى من يراها يظنها إحدى سيمفونيات بيتهوفن، فينصت لها كل من حضر، إلى أن بدا الجمع كأنه بنيان مرصوص، حتى وإن تنوعت المهام، فأمن المواطن هو ما يوحدهم. فتلك النجدةُ أسرع من ينجد، وذلك الدفاع المدني خير من ينقذ، وتلك حماية المنشآت اليد الآمنة للمال العام، وهذا الأمن المركزي نقطة الحسم في قلب الحضور، وهذا البحث الجنائي دماغ الأمن ونخاعه الشوكي وأيضاً حائط الأمان للشعب، وذلكم الأمن العام والمرور الأقرب للناس والأوسع في الانتشار والكل يعرفه.
بازدحام الرؤية وتكاثر القوات التي لا تمثل إلا رمزاً لما هو في الميدان تخال من في المشهد أسوداً، ولكأن الله خلق الأرض ولم يعط أحداً زمام أمنها إلا هم، فإحكام قبضتهم لم تنتظر رمضان ليُصَفَّدَ الشياطين، بل صفدتها طوال العام، فإذا كان هذا مصير الشياطين فما بالك بأتباعهم من البشر؟!
وعند اكتمال اللوحة الزاهية بتشكيلات القوات الأمنية أطل نوح سفينتنا بكلمته الهامة، فهفت القلوب إليه إنصاتاً وهو يتلو على الجمع غرراً من عظيم توجيهاته التي تبين ما سترمي المؤسسة الأمنية إليه مع توأمها المؤسسة العسكرية، لاسيما مع كبر قُطر دائرة الحرب واتساعه في نطاق الجغرافيا السياسية، وما سيواجهنا من عواقب تسعى جاهدة لعرقلتنا. واختتم الكلمة بالدعاء بالرحمة للشهيد المجاهد اللواء طه المداني، العقل الأمني الأكبر، والذي يعود له الفضل بعد الله في ما وصلت إليه المؤسسة الأمنية، وما تسير عليه، وأيضاً لكل الشهداء من كل التشكيلات والوحدات.
المصدر مرتضى الحسني
زيارة جميع مقالات: مرتضى الحسني