انتصار المظلومية على الظلم
 

مرتضى الحسني

مرتضى الحسني / لا ميديا -
لم نكن يوماً دعاةَ حربٍ، ولم نصوب سلاحاً جهةَ أحدٍ من الجيران، ولم نختتل سرّ أحدٍ ممن حولنا، بل فرضنا على أنفسنا هَمَّ أمتنا وقضاياها، ووضعناها موضع المستعد لأن يقي بنفسه ما قد يصيب غيره، لاسيما أشقاءه. صبرنا عقوداً طويلة على مؤامراتٍ فتت في عضدنا وأنهكت جسدنا، افتعلها فينا الشقيق والعدو، ولم يُراعوا فينا إلّاً ولا ذمّة. ظنوا أن هذا سيثنينا بل ويكسرنا، وشُبِّه لهم أنّا متنا ولم يبقَ في نعشنا إلا مسمار أخير، فشنوا عدواناً لا يبقي ولا يذر، وفرضوا حصاراً لا يكاد يدخل شهيق ولا يخرج زفير إلا ويحصى؛ ليس هم فحسب، إنما ألّبوا معهم كل شذاذ الآفاق واشتروا أفواه العالم، فلا تكاد تسمع صوتاً يهمس إلا وينطقُ باسمهم.
جردونا حتى من أسمائنا، واستكثروا فينا اسم اليمانيين، ونعتونا بأنّا فرسٌ وإيرانيون، وسلخونا من ديننا وقالوا مجوسٌ روافض، واستحلوا دماءنا بأنّا نسبُّ الصحابة ونطعن في الدين، رغم أننا حتى لم نسبُّهم هم ولا أتباعهم. فتحوا خزائنهم المترعة بمليارات الدولارات لكبرى شركات الأسلحة الفتاكة ورموها فوق رؤوسنا ونحن نيامٌ نسبح في فلك الهَمّ والكفاح، كل واحدٍ منا همُّهُ كيف يبدأُ يومه ويشبع بطنه ويعيل أسرته في بلدٍ قاحلٍ أحرقه حقدهم وبغضهم.
بُهتنا من هول ما ألَمَّ بنا من فزع، في ليلة السادس والعشرين من آذار/ مارس في العام 2015، التي لا ينساها إلا من جُنَّ منها. ولا تزال تنخرُ فينا يوماً تلو يوم وعاماً بعد عام. ليلةٌ سمع من في الأجداث دوي غاراتها، وشم من في الأرحام رائحةَ دخانها، وارتوت الأرضُ من دماء سُفكت حينها، فكأنما هي القيامةُ لا مناص منها إلا إليها.
ليلةٌ تبعتها أعوامٌ ثمانية من الدم، والآن يدخل التاسع، ولم ينجُ إنسانٌ يمنيٌ ولا حتى حيوان من ضررٍ أو خطر، ولم يستثن قريبٌ ولا بعيد، لا حجرٌ ولا شجر، الكل مستهدفٌ، بل وقلب الهدف موضعه لا ملجأ منه إلا لله، الذي كان أحق من يُلتجأ إليه، فوحده من يأبى الظلم والقهر والذل، فأمدّنا بعزمٍ منه استطعنا الوقوف به موقف المدافع الذي لا تهزه النوائب ولا تخدشه المصائب.
ثماني سنين ثبتنا فيها ولم ندع فيها موضع شرفٍ إلا وخضناه، ولم نرَ موقع نجدةٍ إلا ولبيناه، ولا موردَ عزٍ وإباء إلا ونهلنا من صافي معينه، حتى صرنا مضرب المثل في الصمود والشجاعة والثبات والإعجاز. ثماني سنين ونحنُ نسقي الأرض بزلال دمائنا التي بذلناها في ميادين الوغى، ونكفكف دموع الثكالى قتلاً وتنكيلاً في جيوش المعتدين والمحتلين والباغين، ونرسم للتاريخ كبرياء جراحٍ خالدةٍ لونها الجرحى بفقد أعضائهم الغالية، وأنفةِ أسرى لم يزدهم قيدُ السجّان وعُتُوّه إلا صلابةً وجلدا.
بعد ثمانيةِ أعوام ها نحن نجترحُ النصرَ العظيم، وننكسُ جبروت العدو في عقر داره، ونسوي أنفه بالتراب، ونواري كبرياءه الثرى. لم تغنه أمواله ولا أعوانه عنّا، فقيمنا ومبادئنا التي واجهناه بها تفوقت على ذلك؛ تفوقت على غيّه الذي توغل في كل شبرٍ فينا، وهتك عرضنا واستباح حرماتنا. انتصرت المظلوميةُ على الظلم، واستطاعت دعوة الثكالى ودموع العجائز وزنود الأبطال وأمعاء الفقراء الخاوية أن تهزم ممالك الشر والعهر وتحالف العدوان. وهذا كله دليلٌ على تجسيد قوة الله في مستضعفيه وعونه لهم عند كل معضلةٍ وكربة.

أترك تعليقاً

التعليقات