مرتضى الحسني

مرتضى الحسني / لا ميديا -
كان اليومُ جمعةً، تجمعت فيه الناسُ في مصر تحتفي بذكرى نصر أكتوبر، آخرُ انتصارات الجيوش العربية على كيانِ الاحتلال، يومٌ تمرغت فيه أنوفهم وهم الجماهير التي لا تتنفس إلا حقداً وكُرهاً على ما يبدو أنّهم نسوه، وليسوا على ذلك بملومين، فمصر وغالبية الأنظمة العربية لا تنام إلا على رسائل الأمان لـ»إسرائيل» وعهود الولاء للولايات المتحدة، حتى يحسبوا أنّ القضية الفلسطينية صارت رماداً، وعلى هذا الحسبان أفنوا تلك الليلة محتفلين بانحطاطٍ وإجرامٍ بلغوه، ويتراقصون طرباً وتطرفاً على أوجاعٍ ومظلومية لأهلِ أرضٍ تجرعوها ويتجرعونها زُعافاً لقرنٍ إلا قليلا. كان هؤلاء، أهلُ الأرض حقيقةً لا خُرافاتٍ تلمودية غير ثابتةٍ تاريخاً ولا تنقيباً، يتوقدون لظىً من تحتِ الرماد ونارهم تنادي: بيننا وبينكم الصبح، أليسَ الصبحُ بقريب؟!!
جاء الصباح والعساكر في ثُكناتهم مسبتين. وأطل هذا الصباح من شرفةِ الدهر يُدلي ببأسِ من الله وقوة راسخةٍ في نفوس ثلة من المجاهدين. حينَها طغى الجهاد وفار التنور؛ إذ أهلُ غزة يَغزون ولا يُغزون، ما تحججوا بالحصار وشدته، وهذه حجة الخائفين ولسان الخانعين، إنما قالوا: تلكُمُ الريح إنّا قد وثّبنا خيوط عزنا بها، وطاروا من فوقِ كُلِّ ذات جُدر، وهنالك أرضٌ محصّنةٌ بصياصٍ للغاصبين والمحتلين، فإنّا حقُّ مَن جاس خِلال الديار وخرّت لنا جباهٌ يحسبونها عالية ورُتَبٌ يخالونها رفيعة، والجيشُ الذي لا يُقهر جنوده صرعى وجرحى وأسارى عند المؤمنين... يا عالم، إنّه «طوفان الأقصى»! والأقصى حقٌّ مقدسٌ دنسته أحفادُ القردة والخنازير، والعالم من أدناه إلى أقصاه في غمرات الصمت سابح، ومن ينطقُ لا ينطقُ إلا زوراً وكذباً أو كُفراً بقيمٍ للعدالة الإنسانية الإلهية أو الطبيعية التي تُحرّمُ الضيم وأخذ الحق والأرض والمال بدون وجهٍ صحيح أو عادل.
إنّه يوم السابع من أكتوبر المجيد، الذي قلبَ الكيانَ - الذي لا يُسمى، بل العالم رأساً على عقب، وما كان معركةً فقط، وإنما نقّاداً على كفِّ حقٍّ يكشف فيها الجيد من الرديء. ولعمري ما جاء مثله كاشف، فقد رأينا وسمعنا أدعياء الحضارة الزائفة والحداثة الزاهية وأصحاب الحناجر الصادحة صباح مساء بحقوق الإنسان وحقه في الحياة الكريمة، ومن يتغنون بحفظ السلم والأمن الدوليين يقفون مع الطغاة والمحتلين ويشاركونهم بطشةً بعد بطشة، وخطوط نقل السلاح ما توقفت يوماً ولا رأينا حتى زلة لسانٍ من أحد ساستهم توحي بأنّ كيان الصهاينة يجرم بحق الأطفال وينهش أجساد النساء أو يُبشّع بالجرحى ويمنع عن الأبرياء الماء والغذاء والدواء!
ذلكم الغرب، وهم لا يخفون لنا العداوة والبغضاء، وقد يكونُ عليهم اللوم أخف ممن هم على الأمة يحكمون، الذين يتشاركون مع الفلسطينيين الدم والعظم واللحم والكتاب واللسان والقِبلة، لم تتحرك منهم بنتُ شفة ولا تخللت قلوبهم آهات الثكالى ونداءات الصغار، نداءات كلما سمعها حجرٌ تحرك ونطق، وإذا مرت على يَبَسٍ اهتزّ وتَفَلّق، وهم على أبصارهم وآذانهم غشاوة وصمم، ويحسبون أنّهم يحسنون سياسة ويصيبون عين الكياسة، وما علموا أنّ ذلك من سوء التقدير، فمن يفترسُ أخاك يُمتعك قليلاً ثم يضطرك إلى مصيرٍ مثله، وذلك في وقتٍ قُلّل فيه العدد وفُتّتَ العضد. وفي التاريخ آياتٌ وعبرٌ للسائلين والدارسين. وحسن العاقبة لا يكون إلا للمجاهدين المقاومين، الذين ينفقون الأرواح والمقل ويُفنون سني عمرهم على صهوات الجياد، لا للمتربعين على سُررٍ مفروشة من الذل والعار وفوق عارهم هذا خزيٌ من الانهزام والتثبيط ينشرونه على أولي البأس في الميدان، ألا لعُنوا في الدنيا وما لهم في الآخرة من قرار.

أترك تعليقاً

التعليقات