الصدام النووي واقع لا مفر منه
 

محمود المغربي

محمود المغربي / لا ميديا -
بعد الحرب العالمية الثانية انقسمت أوروبا إلى معسكر شرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي ومعسكر غربي بقيادة أمريكا، ودخل البلدان في حرب باردة وسباق تسلح وفترات من الهدوء وأخرى شابها التوتر والتصعيد كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة بالأسلحة النووية.
وطوال عقود الحرب الباردة لم تتوقف الأطماع الأمريكية والرغبة في الهيمنة والقضاء على منافسها الأكبر: الاتحاد السوفييتي. وفي سبيل ذلك تم تشكيل حلف شمال الأطلسي، والتوسع شرقا وداخل مناطق النفوذ السوفييتي، ما أدى إلى مزيد من التوتر في العلاقة بين الاتحاد السوفييتي والدول الغربية، وتدخل بعض الأطراف الدولية لنزع فتيل الأزمة وتوقيع اتفاقية في العام 1988 تعهدت بموجبها أمريكا بعدم توسيع حلف الناتو شرقا. إلا أن أمريكا نكثت ذلك الاتفاق بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وعادت للتواجد بقوة قرب الأراضي الروسية، مستغلة الوضع السيئ وحالة التفكك التي مرت بها روسيا في تسعينيات القرن الماضي وعدم قدرتها الاقتصادية على العودة إلى سباق التسلح، مع أنها لا تزال تمتلك أغلب ترسانة الأسلحة النووية والتقليدية التابعة للاتحاد السوفييتي.
ومن اليوم الأول لوصول الرئيس بوتين إلى السلطة في روسيا عمل على ردم تلك الهوة بين بلاده وأمريكا، مع الحرص على عدم الوقوع في أخطاء الماضي والدخول في سباق تسلح مثيل لذلك الذي كان السبب الأول في انهيار الاتحاد السوفييتي، وتجنب الدخول في صراعات مسلحة تستنزف الإمكانيات الروسية، والعمل بطريقة مختلفة وذكية للغاية تعتمد التركيز على تطوير وصناعة أسلحة نوعية تتمثل في صواريخ أسرع من الصوت تحمل رؤوسا نووية ولا يمكن اعتراضها، قادرة على الردع والوقاية ومواجهة التحديات والمخاطر والأطماع الأمريكية التي لا تتوقف حتى وصلت إلى أوكرانيا لتضع روسيا أمام خيارات صعبة تعني الحياة أو الموت.
ومع ذلك تصرفت روسيا بمسؤولية كبيرة وعرضت مخاوفها على الدول الأوروبية، وحاول الرئيس بوتين مراراً وتكراراً -قبل القيام بعملية عسكرية في أوكرانيا- التفاوض على حل وسط مع الغرب، مبدياً استعداده للقبول بالوضع المحايد لأوكرانيا، ودعا الجميع إلى التصرف بمسؤولية، واشترط لنزع فتيل الأزمة عودة الناتو إلى حدود عام 1997 وانسحابه من جميع دول أوروبا الشرقية؛ إلا أن الغرب قابل الدعوات الروسية بالرفض ومزيد من التوسع في أوكرانيا، بحيث لم يعد أمام روسيا إلا القيام بعملية عسكرية ضرورية في أوكرانيا، ليستخدم الغرب كل الوسائل لهزيمة وخسارة روسيا، بما في ذلك تزويد أوكرانيا بأحدث الأسلحة والمرتزقة وعقوبات اقتصادية هي الأسوأ والأشد في تاريخ العقوبات، والعمل على إطالة زمن الصراع والدفع نحو الهاوية، بحسب الرغبة الأمريكية، غير العابئة بمسار الصدام النووي الذي تقوده ضد روسيا.
عمدت أمريكا إلى صب الزيت على النار، عبر دفع حلفائها الأوربيين لتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة الحديثة. وبلا شك فإن حصول روسيا على معلومات أكيدة عن قيام أمريكا بنقل أسلحة نووية إلى أوروبا سيكون دافعا لروسيا لتفعيل العقيدة النووية والدفاع عن نفسها قبل فوات الأوان.
وبحسب المنهجية الأمريكية والتعريف الأمريكي للتهديد فإن الوجود الروسي يعد تهديدا لها. وبمجرد امتلاك أمريكا للأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ووجود فرصة لاستخدامها ضد روسيا والنجاة بنسبة 50% سيكون الهجوم النووي الوقائي الأمريكي على روسيا حقيقياً، مما يجعل خيار المواجهة النووية واقعا لا مفر منه في الفترة المقبلة.

أترك تعليقاً

التعليقات