أحمد رفعت يوسف

دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
تتسابق الأوضاع في شمال شرق سورية، بين الاستعدادات السورية الروسية (الإيرانية) للقيام بعمل عسكري، يستهدف إخراج الأمريكيين من سورية أولا، ومن العراق وكامل منطقة غرب آسيا تاليا، والسعي الأمريكي إلى منع هذه العملية، وتقديم بعض العروض والإغراءات للقيادة السورية، والمترافقة مع استنفار قواتها والمليشيات العميلة لها، استعداداً لاحتمالات العمل العسكري.
ففي الجانب الميداني، يتم رصد تحشيد عسكري سوري روسي (إيراني) مع القوات الرديفة في منطقة غرب الفرات، المواجهة للمناطق التي تتواجد فيها قوات الاحتلال الأمريكي والمليشيات العميلة في منطقة شرق الفرات، وقيام هذه القوات بأكثر من مناورة عسكرية، على مرأى ومسمع الأمريكيين، في رسائل واضحة ومباشرة على جدية الاستعداد للعمل العسكري، لحظة اتخاذ غرفة العمليات المشتركة القرار بذلك.
واشنطن التي باتت متأكدة من جدية الاستنفار السوري الروسي (الإيراني) عبرت عن ذلك بتصريح من البنتاغون الأمريكي جاء فيه "تقديراتنا أن السوريين بمساعدة الروس يريدون منا ترك المنطقة"، وهي تقابل ذلك باستنفار قواتها، والمليشيات العميلة المرتبطة بها، وزيادة تسليحها كماً ونوعاً، حيث تم رصد العديد من القوافل، التي دخلت من معابر غير شرعية من منطقة كردستان العراقية، باتجاه القواعد الأمريكية في الحسكة، وعدد من مناطق شرق الفرات، وخاصة في حقلي عمر وكونيكو للنفط والغاز.
كما تتحذ خطوات على الأرض، لزيادة تنظيم وفعالية هذه المليشيات، عبر تشكيل جديد يسمى "جيش سورية الحرة" والذي يضم عدة مليشيات من العشائر العربية المتواجدة في المنطقة، ومحاولة مد نطاق عمل هذه المليشيا إلى محافظات درعا والسويداء والقنيطرة في جنوب سورية، والمحاذية للحدود السورية مع الأردن وفلسطين المحتلة، واحتمال ضم مليشيا قسد إلى هذا التنظيم، أو ترك هامش عمل لها مع تحجيم تواجدها ودورها، في محاولة لتلبية المطالب التركية، التي تعتبر قسد تنظيما إرهابيا، وربط كل هذه التنظيمات مع القاعدة الأمريكية غير الشرعية في التنف السورية، عند مثلث الحدود السورية مع العراق والأردن.
وجاءت الزيارة التي قام بها المعارض، الدكتور محمود دحام المسلط المقيم في الولايات المتحدة، ويحمل جنسيتها، إلى المنطقة التي تسيطر عليها القوات الأمريكية في هذا الإطار، حيث بحث مع عدد من العشائر، التحضير لمبادرة تحظى بالموافقة الأمريكية والتركية، لإعادة صياغة مشروع الإدارة الذاتية في المنطقة الشرقية، ومنح المكون العربي صلاحيات أوسع في إدارة مناطقهم، وتشكيل هيئة تنسيق عليا بين المكون العربي والمجلس الوطني الكردي، بدعم من قبل حكومة إقليم كردستان، يتولى تمثيل منطقة شرق الفرات على المستويين الإقليمي والدولي.
وفي هذا الإطار أيضاً جاءت زيارة الوفد الفرنسي، الذي تسلل بشكل غير مشروع إلى منطقة شمال شرق سورية، واللقاءات التي أجراها مع قادة بعض المليشيات، حيث تتولى فرنسا مهمة تدريب وتنظيم هذه المليشيات، ضمن عملها في ما يسمى التحالف الدولي بقيادته الأمريكية.
أيضا لا يمكن فصل ما يجري عن التكويعة الجديدة لتركيا الأردوغانية، إلى حيث توجهها الحقيقي نحو واشنطن وحلف الناتو، وذلك بعدما ضمن أردوغان فوزه في انتخابات الرئاسة بمساعدة روسيا وإيران.
والملاحظ أن أردوغان بنسخته الجديدة، يبدي مواقف أكثر ميكافيلية وانتهازية من أردوغان ما قبل الانتخابات، حيث تجمد الحديث عم ترتيبات روسية تركية، لتأمين انسحاب تركيا من إدلب والمناطق التي تحتلها شمال حلب، كشرط سوري لأي تطبيع مع تركيا، وعودة قطع المياه عن مدينة الحسكة، حيث تقع مناطق التغذية تحت سيطرة مليشيات عميلة لتركيا.
وتترافق الانعطافة التركية، مع استنفار المليشيات العميلة لها في إدلب وشمال سورية، بالتوازي مع الاستنفار الأمريكي ومليشياته.
كما أن هذه الانعطافة التركية، شملت علاقات تركيا مع كل من روسيا وإيران، وخاصة مع استقبال الرئيس الأوكراني زيلينسكي في أنقرة، والسماح بعودة قادة كتيبة آزوف النازية الأوكرانية، خلافاً للاتفاق مع روسيا.
وبالتوازي مع هذه الاستعدادات الميدانية تجري محاولات أمريكية لمنع العملية العسكرية السورية الروسية مترافقة مع تقديم بعض العروض والإغراءات للقيادة السورية أبرزها:
 السكوت عن تحسين العلاقات السورية العراقية.
 السماح بتشغيل أنبوب النفط العراقي الذي ينتهي في ميناء بانياس على الساحل السوري.
 التخفيف من عقوبات قانون قيصر.
 التوافق على دخول الجيش السوري إلى بعض المناطق التي تسيطر عليها مليشيا قسد العميلة.
وتريد واشنطن أن يلي ذلك استئناف عمل اللجنة الدستورية السورية وفق القرار 2245 وهو الهدف الرئيسي الخفي وراء كل هذه الإغراءات الأمريكية، حيث تريد واشنطن الوصول إلى دستور سوري جديد، يستنسخ الدستورين العراقي واللبناني بصيغتهما الطائفية، والذي سيعني بنسخته السورية نهاية سورية كدولة مركزية في بلاد الشام وعموم المنطقة، وهو مطلب إسرائيلي قبل أن يكون مطلباً أمريكياً، لتحقق أمريكا وحلفاؤها بذلك في السياسة والضغوط والحصار، ما عجزت عن تحقيقه في الميدان.
هذه الرسائل الميدانية والسياسية نقلها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق، حيث أكدت أجواء الزيارة، أن مهمتها الأساسية كانت حمل رسائل أمريكية إلى القيادة السورية، وحمل أجوبة ورسائل سورية إلى الإدارة الأمريكية، حيث من المقرر أن يزور السوداني واشنطن قريباً.
ومع غياب أي بيانات أو معلومات رسمية عن هذه الرسائل لكن من خلال متابعة مجربات الزيارة والأجواء التي رافقتها، وما قاله الرئيس الأسد والسوداني، يمكن قراءة واستنتاج الكثير مما يجري أمام ووراء الكواليس، وكان أهمها الحفاوة غير العادية التي لاقاها السوداني في دمشق، إلى درجة خرق البروتوكول الرسمي، ومعاملته كرئيس دولة، وليس كرئيس حكومة، والكلمات الودية غير المسبوقة في تاريخ البلدين من الرئيس الأسد والسوداني، وهذا يؤكد وجود توافق في الرؤية إلى تطورات المنطقة، وتحديداً الوجود الأمريكي في سورية والعراق، والتقاء الإرادة السورية، مع معظم المكونات العراقية بإخراج الأمريكيين من البلدين.
وكان لافتاً هنا كلام رئيس الوزراء العراقي بأنّ “أي جيب خارج عن السيطرة ويؤوي المجاميع الإرهابية والتخريبية، هو بقعة مرشحة لتهديد العراق والمنطقة والعالم بأسره” وهذه الإشارة لا يمكن النظر إليها إلا على أنها تقصد بشكل مباشر التواجد الأمريكي في عين الأسد في العراق، والتنف في سورية.
ومما يعزز هذه القراءة، أن كلام السوداني ترافق مع كلام لا يقل أهمية عنه، والذي صدر عن قائد الحشد الشعبي العراقي فالح الفياض، الذي كان واضحا جدا بدعوته لإخراج الأمريكيين من العراق، وبأنه لا يمكن القبول نهائياً بوجودهم، وهو ما يمكن اعتباره الترجمة غير الدبلوماسية لكلام السوداني، المعروف بقربه من المواقف السياسية والوطنية للفياض والحشد الشعبي.
وفي محصلة لهذه الأجواء يمكن التأكيد أن الوضع في شمال شرق سورية يتراوح اليوم بين الاستعدادات السورية الروسية (الإيرانية) للقيام بعمل عسكري، يستهدف إخراج الأمريكيين من سورية، مقابل محاولات أمريكية للتوصل إلى توافق على ترتيبات محددة، تمنع العملية العسكرية المتوقعة.
ووسط هذه الأجواء يمكن التأكيد أن ما تقدمه الإدارة الأمريكية لا يكفي لمنع العملية العسكرية، خاصة في ظل غياب أي مؤشر على توافقات في الصراعات الإقليمية والعالمية، ابتداء من الوضع المتصاعد في فلسطين المحتلة، إلى الاستعصاء في الملف النووي الإيراني، والحرب في أوكرانيا، إلى العلاقات الصينية الأمريكية، وهذا يرجح احتمال العمل العسكري الذي ينتظر التوقيت المناسب، وقد يكون بانتظار انجلاء موجات الحر في المنطقة.

أترك تعليقاً

التعليقات