أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
أخيراً، الدوحة في دمشق، تمتطي العربة الأخيرة من قطار العودة إليها، بعدما فشلوا في مخطط إسقاطها على مدى أكثر من 13 عاماً.
فقد تحدثت أنباء، لم تتأكد من مصدر رسمي سوري، أو قطري، عن قيام وفد أمني وسياسي قطري، بزيارة دمشق، وحديث عن زيارة أخرى قريبة، بهدف بحث ملف عودة العلاقات بين البلدين.
بالتأكيد ليس مستغرباً، أن تكون قطر هي آخر العائدين إلى دمشق، بسبب الدور التخريبي، الذي لعبته في التآمر على سورية، وحتى قبل بدء العدوان عليها عام 2011، خلال الفترة التي وصفت فيها العلاقات بين دمشق والدوحة بالعسل، حيث تبين أن قطر كانت خلال تلك الفترة، مكلفة بمحاولة ضم سورية إلى منظومة الشرق الأوسط الجديد، برأسها الأمريكي، وامتداداتها الأوروبية، وأدواتهم في المنطقة، وإدارتها الصهيونية، لتكون بذلك، جزءا من قافلة المطبعين، وإخراجها نهائيا من محور المقاومة، ومهمة التصدي للمخططات الصهيونية في المنطقة، وهو ما يتناقض (حد الموت) مع هويتها الوطنية والقومية.
لكن سورية، التي كانت مدركة لكل أهداف المنظومة، كانت تعرف أن وعود العسل من التطبيع، ومن خط الغاز القطري إلى أوروبا، عبر سورية، يخفي وراءه مخططا خطيراً أبعد من سورية بكثير، وهذا لم يعد سراً، مع الكشف عن تفاصيل وأهداف مخطط الشرق الأوسط الجديد، لإعادة تقسيم المنطقة، على أسس عرقية وطائفية، وجعلها كيانات تدور في الفلك الصهيوني، وإسقاط إيران، ومحاصرة الصين وروسيا، ليتحقق بذلك، مخططات إعادة هيمنة المنظومة الاستعمارية الغربية، على السياسات والاقتصادات العالمية، لكن هذا المخطط لاقى أول انكساراته في الميدان السوري، والفشل في إسقاط سورية، ثم تبعه في الميدان اليمني، واليوم في فلسطين المحتلة، وغير بعيد عن ذلك، ما يجري في الميدان الأوكراني، وبحر الصين، لتبدأ المنطقة والعالم، مساراً مختلفاً، عنوانه انتقال العالم من منظومة القطب الواحد، برأسها الأمريكي الفاسد، الذي ملأ العالم حروباً ودماء ودماراً، إلى المنظومة متعددة الأقطاب، بمثلثها الصين -روسيا -إيران.
هذا يؤكد أن العودة القطرية، لم تكن من فراغ، ولا لصحوة ضمير، وإنما بعدما بقيت الدوحة وحيدة، تغرد بصوت نشاز، خارج السرب، مع بدء مسار العودة الإفرادية والجماعية إلى دمشق، بدءا من العودة العربية، إلى الأوروبية، إلى التركية، وحتى الأمريكية، إلى الدرجة التي أصبح الأتراك يتوسطون لقطر عند سورية، وهذا ما حدث خلال توسط نائب وزير الخارجية التركية، مع نائب وزير الخارجية السورية، بسام صباع، ليرد على اتصال هاتفي من نظيره القطري.
نقطة التحول في العلاقات بين دمشق والدوحة، بدأت مع الزيارة التي قام بها أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، لأنقرة في الثامن من الشهر الجاري، وهناك تلقى نصيحة من أردوغان، بضرورة فتح صفحة علاقات جديدة مع دمشق، وهي نفس النصيحة التي تلقتها من السعودية، والتأكيد بأن موقف أردوغان جاء على خلفية قراءته بأن الأوضاع في المنطقة متجهة إلى التصعيد، ولفترة طويلة، وهو ما يتطلب قراءة مختلفة عن السابق لأوضاع المنطقة.
في ملف العلاقات السورية القطرية، مواضيع عديدة، أهمها وقوف قطر في مقدمة تحالف العدوان على سورية، والدعم الذي تقدمه للمجموعات الإرهابية، وللعملاء من المعارضين، وفي مقدمتهم الائتلاف الذي لم تعد قيادته تلاقي من ملجأ آمن سوى الدوحة، إضافة إلى ملف الضباط القطريين المعتقلين في دمشق، خلال عامي 2011 و2012، خلال مشاركتهم في العدوان على سورية، إلى جانب مجموعة من الضباط السعوديين والأتراك والأوروبيين، إضافة إلى الضابط الأمريكي السابق أوستن تايس.
وقد أثار انزعاج قطر حل مشكلة الضباط السعوديين، وأن موضوع الضباط الأتراك في طريقه إلى الحل، وحتى موضوع الضابط الأمريكي تايس يجري الحديث عن محادثات سورية أمريكية حوله، فيما بقي ملف الضباط القطريين بدون أي حل، مع وصول رسالة إلى الدوحة، بأن من يوقف ضباطا أمريكيين، لن يكون عاجزا عن إيقاف ضباط من أي جنسية أخرى، أيا كانت.
مصادر عديدة، أكدت أن القطريين قدموا تعهداً للقيادة السورية، بخروج الدوحة من حالة العداء لسورية، سياسيا وعسكريا وإعلاميا واقتصاديا، وإعادة العلاقات مع الدولة السورية، إلى ما كانت عليه، وتعهدا آخر بدعم الدولة السورية، في إعادة الإعمار، بعد أن يتم فتح سفارات، وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين من جديد.
وبناء على الشروط السورية، للعودة القطرية، فقد أكدت المعلومات أن قطر وافقت على معظم هذه الشروط منها:
- الكشف عن الأدوار التي قامت بها كل شخصية، بما آلت إليه الأمور في سورية.
- توقيف كل دعم للفصائل المسلحة، وللمعارضات السورية، سواء داخل قطر أو خارجها.
- توقف كل دعم مالي أو أمني أو لوجستي، لأي فريق إعلامي، يعمل سواء داخل أو خارجها، وفي المقدمة قناة الجزيرة.
وقد أكدت وسائل إعلام تابعة للمعارضة السورية، أن السلطات القطرية أوعزت إلى الائتلاف السوري المعارض، بوقف نشاطاته في الدوحة، وعدم تسجيل أولادهم في العام الدراسي المقبل، واعتماد المناهج السورية في التعليم، في المدارس السورية في قطر، كما لوحظ وجود تغير في طريقة تناول قناة الجزيرة للملف السوري.
الحضور القطري، والاندفاع الأوروبي نحو دمشق، وعوة العلاقات بين سورية ومعظم الدول العربية، والمصالحة السورية التركية، وإعادة فتح الاتصالات السورية الأمريكية، حول الضابط الأمريكي أوستن تايس، والتوقعات بأن المرحلة القريبة المقبلة ستشهد حركة إقليمية دولية نحو دمشق، تؤكد أن سورية على موعد مع انفراجات عديدة، وفي كل المجالات، وأن هذه الانفراجات لن يطول الوقت، حتى نراها واقعاً على الأرض.

أترك تعليقاً

التعليقات