أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
تسارعت خلال الأيام القليلة الماضية، الأخبار عن نقاشات داخل الإدارة الأمريكية، حول الانسحاب من العراق وسورية.
ورغم النفي الأولي للبيت الأبيض عن نية الانسحاب، وتسمية سورية تحديداً، وتأكيده أن هذه القضية ليست قيد النظر، لكن النفي الأمريكي، تلاه توارد أخبار من مصادر مقربة من دوائر القرار في الإدارة الأمريكية، عن وجود مناقشات في وزارتي الدفاع والخارجية، على خلفية تصاعد التوتر الإقليمي، بسبب الحرب على غزة، وأن هذه النقاشات، خلصت إلى أنّ "البيت الأبيض لم يعد مهتماً بمواصلة المهمة، التي يرى أنها غير ضرورية، وتجري مناقشات داخلية نشطة، لتحديد كيف ومتى يمكن أن يتم الانسحاب، وما هو الوقت المناسب والخطة اللازمة".
تلى ذلك تأكيدات رسمية أمريكية وعراقية، عن محادثات أولية، حول إنهاء وجود قوات التحالف في العراق.
وقالت مصادر رسمية أمريكية، بأن السفيرة الأمريكية في العراق ألينا رومانوفسكي سلمت وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين رسالة تتعلق بعملية إنهاء وجود التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق.
هذه الأجواء، أكدها مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرينتييف الذي قال إن "العراق أخطر روسيا باستعداد الولايات المتحدة لسحب قواتها من البلاد، والسؤال الآن، كم من الوقت سيستغرق ذلك؟ وما هي إجراءات الانسحاب؟".
ما يمكن قراءته في هذه التطورات، أمران هامان جداً:
- الأول: إن هذه التطورات المتسارعة، لم تأت من فراغ، وإنما بعد الفشل الذريع، لما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذه منذ العام 2010، مع بدء "الربيع العربي" حيث عملت المستحيل، على مدى أكثر من أربعة عشر عاما، لترتيب أوضاع المنطقة، من خلال تغيير بعض أنظمتها، ومحاصرة من يرفض هيمنتها ومخططاتها، ثم بدء عملية تطبيع بين الكيان الصهيوني، وبعض الأنظمة العربية، وتحديداً الخليجية، والتي كادت أن تصل إلى أهدافها، وكل ذلك بهدف تسليم إدارة المنطقة للكيان الصهيوني، وتفرغ الأمريكيين للصراع مع الصين وروسيا، لكن هذه الجهود انهارت تماما، بداية مع الفشل في إسقاط سورية، ثم الفشل في إسقاط اليمن، لتأتي التطورات الجديدة بعد عملية "طوفان الأقصى" لتطيح بكل هذه الجهود، وتعيد تدوير البوصلة 180 درجة، وهذا ما جعل الأمريكيين يعيدون حساباتهم، ومنها تواجدهم غير المشروع في العراق وسورية.
- الثاني: إن النفي الأمريكي في البداية لوجود نية الانسحاب، ثم تخصيص سورية تحديداً بالنفي، ثم التأكيد الرسمي في واشنطن وبغداد، على الاتفاق على محادثات، حول شكل وزمن الانسحاب، ثم تأكيد صحيفة "بوليتيكو" الصادرة في واشنطن، نقلاً عن ثلاثة من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، أن هناك مداولات حول الانسحداب من سورية، يؤكد أن الأمور جدية، وأن تناقض المواقف والتصريحات الأمريكية، ومحاولة التخفيف من وقعها، هدفه فقط محاولة تهدئة مخاوف الأطراف المتضررة، والإيحاء بأن الانسحاب يتم بقرار أمريكي، وهو يشبه التخبط الأمريكي الذي سبق الانسحاب من أفغانستان، ثم تنفيذ الانسحاب بشكل مفاجئ وسريع ومذل للأمريكيين وعملائهم، مع ملاحظة أن الوضع في منطقة شرق المتوسط، أخطر وأعقد بكثير مما كان في أفغانستان.
الموقف الأمريكي الجديد، لم يأت عفو الخاطر، أو لكرم أخلاق أمريكية، وهي أصلاً غير موجودة، وإنما أملته عدة عوامل أهمها:
- الضربات القوية التي توجهها فصائل المقاومة، لقواعدها في العراق وسورية، بدليل أن الأمريكيين، اشترطوا لإنهاء وجودهم، إيقاف هذه الضربات.
- التطورات المتسارعة بعد عملية "طوفان الأقصى"، والفشل الصهيوني الأمريكي في تحقيق أي من الأهداف الاستراتيجية، التي وضعوها لعدوانهم الشرس على الشعب الفلسطيني.
- الخوف من فتح كافة ساحات ونقاط الاشتباك مع الأمريكيين والصهاينة، وهو ما يؤكده ارتفاع وتيرة عمليات المقاومة ضدهم، في الميادين اللبنانية والسورية والعراقية.
- الدخول القوي لليمن "المقاوم" ساحة الصراع، والذي غير المعطيات الجيوسياسية في المنطقة كلها، وبشكل غير محسوب من قبل الأمريكيين والصهاينة، والمخاوف الجدية التي تبديها وسائل الإعلام، والخبراء السياسيون والعسكريون في واشنطن و"تل أبيب"، من أن فشل تحالف العدوان الأمريكي البريطاني الصهيوني على اليمن، سيؤدي إلى تداعيات كبيرة جدا على الصهاينة والأمريكيين، ومنظومتها العدوانية في المنطقة والعالم.
وإذا كانت مجريات الأمور واضحة بعض الشيء في العراق، بسبب وجود اتفاقية أمنية بين بغداد وواشنطن، حول الوجود الأمريكي وحلفائه، ووجود حوار أمريكي عراقي رسمي، حول ما سموه تنظيم عملية الانسحاب، فإن الأمور تبدو أكثر ضبابية في سورية، بسبب أن الوجود الأمريكي فيها غير شرعي، وانقطاع كل أشكال الحوار بين دمشق وواشنطن، لكن الأنباء التي تسربت من أوساط الإدارة الأمريكية، توضح الكثير من تفاصيل الصورة، حيث أكدت معلومات، أن الإدارة الأمريكية اقترحت (خطة عمل) تتضمن "ترتيباً تعاونياً بين مليشيا قسد والحكومة السورية، لمواجهة تنظيم داعش، كمسارٍ واضح نحو الانسحاب الأمريكي".
ما أكد وجود مثل هذا الاقتراح، صدور تصريح صحفي من مظلوم عبدي زعيم مليشيا قسد الانفصالية، رفض فيه الاقتراح الأمريكي، ووصفه بأنه "خطة فاسدة وخاطئة" ولم يكتف بذلك، بل هاجم القوات الأمريكية بشكل صريح، عبر قوله بأن "الضربات الجوية التركية ضد تنظيمه مؤخراً كانت بموافقة أمريكية غير معلنة".
ثم تلى تصريح عبدي، تسريبات أمريكية عن نيته الانسحاب من سورية، وأنه يجري مناقشة الزمان المناسب لهذا الانسحاب.
وسط هذه الأخبار المتسارعة، يمكن التأكيد أن قرار الانسحاب الأمريكي حاصل، وأن تنفيذه ربما سيكون أسرع بكثير مما تحاول واشنطن الإيحاء به، وأن هذا الأمر لن يكون مرتبطاً بما يتم الاتفاق عليه بين الحكومتين الأمريكية والعراقية، وإنما بالتطورات المتسارعة في أحداث المنطقة، وعمليات المقاومة التي تتسارع وتشتد ضد القواعد الأمريكية في البلدين، والتي بلغت -بحسب مصادر أمريكية- أكثر من مائة وخمسين عملية منذ بدء عملية "طوفان الأقصى".
ورغم التكتم الأمريكي على الخسائر، وخاصة البشرية منها، إلا أن ما يتم تسريبه، وبحسب قراءة موضوعية للعمليات، وما يمكن أن ينتج عنها، فهي كبيرة جداً، وبما يفوق قدرة الولايات المتحدة على التحمل، وهو ما أكده الانسحاب الأمريكي، من قاعدة "هيمو" في شمال شرق سورية.
وسط هذه التطورات المتسارعة، يمكن التأكيد أن المنطقة، مقبلة على تطورات دراماتيكية، في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، قد تطيح بكيانات ودول وأنظمة قائمة حالياً، وسيكون لها تداعيات على الساحة العالمية، تسرع من تحول العالم، من مرحلة القطب الواحد والهيمنة الأمريكية، إلى العالم المتعدد الأقطاب.
وما قاله نائب مدير التوجيه المعنوي في الجيش اليمني "المقاوم" العميد عبد الله بن عامر "محتمل أن تمتد المعركة لأسابيع أو لأشهر، والتصعيد الأجنبي سوف يقابله تصعيد يمني مماثل ومتناسب، وفي النهاية، ولأن إرادة اليمن أقوى، ونفسه أطول، سوف تضطر تلك القوى لسحب بوارجها وسفنها الحربية، واليمن من سيحمي الملاحة، وهذا ليس مبالغة، بل حقيقة قد نشهدها حاضراً أو مستقبلاً".
هذا الكلام يقدم بعض تفاصيل الصورة المتوقعة، ويمكن تخيل بقية تفاصيل هذه الصورة على شكل وموقع وموقف بقية الدول والأطراف في المنطقة.. وللحديث تتمة.

أترك تعليقاً

التعليقات