أحمد رفعت يوسف

دمشـق أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
كثيرة هي الأسئلة التي تطرح حول الدور الأمريكي في ما يجري في فلسطين المحتلة، وإلى أي حد يمكن أن تذهب الويات المتحدة الأمريكية للانخراط في هذه الحرب.
هذه الأسئلة لم تأت من فراغ وإنما من الترابط المصيري بين الكيان الصهيوني والتواجد الأمريكي في المنطقة فانكسار الجيش "الإسرائيلي" وعجزه عن تحقيق أهدافه سيضع الوجود الأمريكي في عموم المنطقة في حالة الخطر كما أن فتح معركة إخراج الأمريكيين من المنطقة يشكل خطرا وجوديا للكيان الصهيوني ومعروف أن هدف إخراج الأمريكيين من سورية والعراق وكامل منطقة غرب آسيا وإنهاء الكيان الصهيوني هدفان معلنان لحلف المقاومة بانتظار اللحظة المناسبة لهذه المعركة ليبرز التساؤل الكبير وهو هل ما يجري في فلسطين المحتلة اليوم يشكل اللحظة المناسبة لهذه المعركة أم أن الظروف لم تنضج بعد وما يجري هو خطوة باتجاه إعداد الميدان لفتح هذه المعركة لاحقاً؟
بداية نشير إلى أن الهدف المعلن للكيان الصهيوني ومعه الأمريكي في معركة غزة اليوم يتلخص بالقضاء التام على الوجود العسكري والسياسي للمقاومة وتهجير العدد الأكبر من أهالي غزة لحرمانها من حاضنتها الشعبية و(بين الأسطر) الانتقال بعد غزة إلى تفكيك المقاومة في الضفة الغربية وفي حال نجاحهم في ذلك محاولة تفكيك فصائل وتنظيمات المقاومة في لبنان وكل المنطقة.
العقدة الأخطر في هذا الوضع هي أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب عملية عسكرية يدخل فيها الجيش "الإسرائيلي" إلى عمق غزة وهو ما قد يشكل انتحاراً له يحذر منه الخبراء الأمنيون والسياسيون "الإسرائيليون" والأمريكيون قبل غيرهم وعدم القيام بهذا الهجوم يعني إقراراً "إسرائيليا" وأمريكياً بالهزيمة مع ما يعني ذلك من تداعيات خطيرة لهذه النتيجة.
كما أن محاولة عدم الانجرار إلى حرب مفتوحة مع بقية الجبهات في حال دخول غزة ستكون مهمة شبه مستحيلة.
وبسبب الترابط المصيري بين الكيان الصهيوني والوجود الأمريكي في المنطقة يمكن تأكيد ما يلي:
- هدف ضرب المقاومة الفلسطينية (وكل منظومة المقاومة لاحقاً) هدف أمريكي كما هو "إسرائيلي".
- استحالة دخول الجيش "الإسرائيلي" إلى غزة بدون مشاركة أمريكية مباشرة وتغطيتها ميدانيا وسياسيا.
- الدخول إلى غزة سيكون بقرار وإدارة أمريكية "إسرائيلية" مشتركة وقد يتقدم فيها الأمريكيون على "الإسرائيليين" في داخل غرفة العمليات التي تدير العدوان في حال تنفيذه.
- الدخول الأمريكي المباشر في الحرب سيضع قواعدهم في المنطقة تحت النار ويعرضهم لخسائر كبيرة مهما بلغت قدرتهم على الضرب والتدمير أبرزها مشهد جثامين الجنود الأمريكيين وهو المشهد الذي لا يتحمله الرأي العام الأمريكي.
وإذا كانت مشكلة الكيان الصهيوني في هذه الحرب أنها مشكلة وجودية فمشكلة أمريكا معها لا تقل صعوبة لأنها تتعلق بموقعها ومكانتها العالمية في ظل منافسة صينية روسية تنتظر بفارغ الصبر وقوعها في فخ تعقيدات الشرق الأوسط وهو الذي يعني تداعيات دراماتيكية في الخريطة الجيوسياسية في المنطقة والعالم أبرزها:
- تهديد مكانة أمريكا والتسريع في انهيارها كإمبراطورية لاتزال تحتفظ بمكانتها كقطب وحيد يتفرد في قيادة السياسات والاقتصاديات العالمية.
- هزيمتهم في أوكرانيا مع ما يعني ذلك من تداعيات في الخريطة الجيوسياسية الأوروبية.
- فتح الطريق أمام الصين ومشروعها الحزام والطريق بدون أي منافس وتسهيل الطريق أمامها لفتح معركة تايوان.
- انهيار مكانة الولايات المتحدة الأمريكية سيعني انهيار كامل منظومتها الرأسمالية والاستعمارية وانتهاء مكانة بريطانيا وفرنسا كدول عظمى وصعود دول أخرى بدلاً عنها وفي مقدمتها إيران مع ما يعني ذلك من تداعيات على كامل خريطة شرق المتوسط وغرب آسيا.
ربما يعتقد البعض أن في هذا الكلام بعض المبالغة والقول بأن أمريكا و"إسرائيل" لديهما من القوة ما يمكنهما من خوض المعركة وربما الانتصار فيها لكن نظرة إلى ما يقوله الإعلام العبري والأمريكي قبل غيره تؤكد أن المخاطر التي يواجهونها جدية ومصيرية ونتائج المعارك لا يحددها فقط حجم الجيوش وتجهيزاتها العسكرية ومعركة 2006 في لبنان خير شاهد على ذلك.
كما أن فتح الباب أمام هذه التطورات الدراماتيكية لا يتطلب هزيمة "إسرائيلية" أمريكية معلنة وإنما مجرد انكسار شوكتهم وفشلهم في تحقيق أهدافهم سيعني خسارتهم المعركة وفق المعايير الاستراتيجية للانتصار والخسارة في الصراعات والحروب ويفتح الباب أمام هذه التغيرات الدراماتيكية.
إضافة إلى ذلك فإن التراجع في الهيمنة الأمريكية ومنظومتها الرأسمالية موجود والعالم يسير للانتقال من مرحلة القطب الأمريكي الواحد إلى مرحلة تعدد الأقطاب لكن الدخول في هذا الصراع سيسرع من هذا الانهيار بشكل دراماتيكي وربما حتى أكثر مما يريده الأقطاب المنافسون لها وتحديداً الصيني والروسي الذين يفضلون تنظيم هذا الانتقال بهدوء بدل حدوثه بشكل دراماتيكي قد يؤدي إلى ارتدادات زلزالية غير محسوبة في الاقتصاد والسياسات العالمية.
يمكن اعتبار ما كتبه الصحفي الأمريكي توماس فريدمان المعروف بولائه الشديد للكيان الصهيوني يلخص الوضع المعقد الذي يواجهه "الإسرائيليون" والأمريكيون، مع الإشارة إلى أن فريدمان قال بأنها المرة الأولى التي لم يستطع فيها النوم والانتظار إلى صباح اليوم التالي لكتابة ما قاله وهي المرة الأولى أيضاً التي يشعر فيها بهذا القلق حيث قال: "أعتقد أنه إذا اندفعت إسرائيل الآن إلى غزة لتدمير حماس (دون ما يعتبره حلا سياسيا غير موجود) فسوف ترتكب خطأً فادحاً، وسيكون ذلك مدمراً للمصالح الإسرائيلية والأمريكية. وقد يؤدي ذلك إلى إشعال حريق عالمي وتفجير هيكل التحالف المؤيد لواشنطن بالكامل، والذي بنته الولايات المتحدة في المنطقة منذ أن هندس هنري كيسنجر نهاية حرب أكتوبر في عام 1973.. أتوسل إلى بايدن أن يقول للإسرائيليين هذا على الفور، من أجلهم، من أجل أمريكا، من أجل العالم".
وما قاله فريدمان يتردد يوميا على لسان كبار المحللين السياسيين الأمريكيين و"الإسرائيليين" وتمتلئ بها صفحات وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية وآخرها ما نقلته محطة CNN الأمريكية بأن مستشارين عسكريين أمريكيين يحثون "إسرائيل" على تجنب الدخول البري إلى قطاع غزة.
السؤال اليوم هل يمكن أن تتدحرج الأمور إلى فتح هذه المعركة؟
من الوقائع الموجودة حاليا لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال فالمناوشات على الحدود اللبنانية موجودة على مدار الساعة وهي في تصاعد مستمر.
والقواعد الأمريكية في سورية والعراق باتت تتعرض يومياً لهجمات بواسطة الطائرات المسيرة والصواريخ.
والجبهة السورية تنتظر توسع المعارك للرد على الاعتداءات الإسرائيلية والأمريكية المتكررة.
هذا يؤكد أن محور المقاومة يعتمد حتى الآن سياسة ذكية تستهدف منع واشنطن و"تل أبيب" من الانتصار وإبقاءهما بحالة استنفار وتوتر وقلق وصولا إلى الخطوة التالية وهي توسيع المعارك في حال سارت الأمور بهذا الاتجاه وفقا لما تقتضيه ظروف الصراع والظروف الإقليمية والعالمية.
يمكن القول اليوم إن تأرجح الأوضاع بين التهدئة وصولاً إلى وقف القتال كما حدث في عام 2006 بعد تأكد "الإسرائيليين" والأمريكيين باستحالة تحقيق أهدافهم أو الدخول إلى غزة وتوسيع القتال يتوقف على الصراع الدائر في واشنطن وتل أبيب بين الأصوات العاقلة التي تدفع باتجاه التهدئة والرؤوس الحامية التي تريد توسيع القتال وهو الجدل الذي ستتوضح نتيجته في وقت غير بعيد.

أترك تعليقاً

التعليقات