المنطقة وهدوء ما قبل العاصفة!!
 

أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
في الشكل تبدو الأمور هذه الأيام في كافة نقاط الاشتباك ما عدا جبهة مأرب في حالة هدوء مريب، لكن ما يدور أمام وخلف الكواليس يشي بأن وراء هذا الهدوء عاصفة قادمة لا شك.
هذا الهدوء لم يأت من فراغ، وإنما فرضته سلسلة من الأحداث وفي أكثر من مكان، أهمها:
-  فشل الأزمة التي افتعلتها السعودية مع لبنان في محاصرة المقاومة اللبنانية ومحاولة جرها إلى اشتباك داخلي.
-  فشل محاولة مشابهة في العراق لجر الحشد الشعبي وفصائل المقاومة الرافضة للوجود الأمريكي إلى اشتباك داخلي.
-  فشل نظام أردوغان المأزوم اقتصاديا وداخلياً وخارجياً في انتزاع موافقة أمريكية روسية على عملية تركية في شمال سورية.
-  فشل السعودية في محاولة انتزاع موافقة إيرانية للضغط على أنصار الله لمنع فتح معركة تحرير مأرب.
-  يضاف إلى ذلك إعلان استئناف المفاوضات المتعلقة بالملف النووي الإيراني بعد مفاوضات ماراثونية وراء الكواليس لتذليل العقبات التي كانت تمنع استئنافها، وكانت بمعظمها استجابة للشروط الإيرانية مع ما يتطلب ذلك من هدوء في الميدان لعقد المفاوضات وسط أجواء إيجابية.
من السهل استنتاج أن كل الأسباب التي فرضت هذا الهدوء "المريب" تتمثل في فشل بالجملة لأطراف تحالف العدوان وفي كافة نقاط الاشتباك في المنطقة.
بالتأكيد هذا الهدوء لا يعني التسليم من قبل تحالف العدوان بهذا الفشل، والإقرار لحلف المقاومة بالحقائق التي يراكمها على الأرض، والتي تزيد قوته ومناعته، وإنما هو هدوء لاستخلاص العبر مما جرى والبحث في أسباب الفشل ودراسة ما هي الخطوات التالية. ومن السهل مراقبة التحركات المريبة التي يقوم بها تحالف العدوان، بشكل مباشر أو سري، وبما يكشف منه أو بما يتم في الغرف السرية، لكن من السهل رؤية التحركات التي تؤكد أن هناك شيئاً ما يتم تجهيزه وإعداده للمرحلة المقبلة. ومن أهم ما تم تسجيله من تحركات:
ـ فشل الوساطات التي طلبها كبار المسؤولين اللبنانيين، ومنها الفرنسيّة وجهات عربية، لحل المشكلة التي افتعلتها السعودية، والتي اصطدمت كلها بتعنت سعودي ورفض للتجاوب مع كل هذه الوساطات لحل الأزمة ووجود أجواء في لبنان تؤكد أن السعودية ذاهبة إلى النهاية في ضغوطها على لبنان.
ـ تحذير بريطاني بعدم السّفر إلى لبنان، وسبقه تحذير إماراتي مشابه.
ـ تصنيف الجناح السياسي لحركة حماس كـ"منظمة إرهابية" من قبل بريطانيا.
ـ تسجيل حركة طيران بين الرياض و"تل أبيب" وبالعكس، وتقول المعلومات بأن إحدى هذه الرحلات نقلت وزير الحرب "الإسرائيلي" بيني غانتس إلى الرياض.
ـ تسجيل حركة اتصالات هاتفية نشطة ومفاجئة بين الرئيس التركي أردوغان ورئيس الكيان الصهيوني إسحاق هرتزوغ، وآخر مع رئيس وزراء الكيان نفتالي بينيت، واتصال ثالث مع رئيس سلطة رام الله محمود عباس.
ـ المناورات العسكرية "الإسرائيلية" المتواصلة للتدرب على حرب يعتقد "الإسرائيليون" أنها قادمة وقد تشترك فيها عدة أطراف من حلف المقاومة.
ـ التماهي المصري مع الموقف "الإسرائيلي" بعد اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة في سيناء، حيث وافقت "إسرائيل" على طلب مصر زيادة عدد قواتها في سيناء، وأعلنت مصر تحويل جزء كبير من شرق وشمال شرق سيناء إلى منطقة عسكرية.
ـ وبالتوازي مع هذه الحركة النشطة لأطراف تحالف العدوان، يلاحظ وجود أجواء سياسية تتماهى مع هذه التحركات وتساعدها من خلف الكواليس، منها موقف رئيسي الحكومة في العراق مصطفى الكاظمي، ولبنان نجيب ميقاتي، اللذين لا يريدان انسحابا أمريكياً من العراق ولبنان، ويأملان دعماً أمريكياً لتكريس ولايتهما، والجامع المشترك بين البلدين أن المقاومة في كليهما في حالة اشتباك مع المشروع الأمريكي، ومرتبط مع صراع الإرادات الأمريكي ـ الإيراني والترقب الذي تعيشه المنطقة والعالم حول محادثات الملف النووي الإيراني في فيينا وتداعياتها المنتظرة.
ومع المؤشرات بأن تحرير مأرب ليس سوى مسألة وقت، وبعد تمكن المقاومة اللبنانية وفصائل المقاومة العراقية من تجاوز محاولات جرهما إلى اشتباك داخلي، وأن محادثات فيينا ستشهد ثبات إيران على مواقفها، خاصة وأنها جاءت إلى المحادثات بشروطها وبعد تمكنها من تسجيل عدة نقاط سياسية وميدانية في صراعها مع الولايات المتحدة ومسنودة بموقف صيني وروسي مؤيد لها، وربط كل ذلك بما يجري في فلسطين المحتلة والنقاط التي تسجلها المقاومة الفلسطينية في صراعها مع العدو الصهيوني، كل ذلك يؤكد أن الأمور في المنطقة مقبلة على تصعيد قد يشمل معظم جبهات ونقاط الاشتباك.
وسط هذه الشحن في الأجواء يبدو أن المملكة السعودية المأزومة في اليمن وفي لبنان وسورية والعراق وبعد فشلها في المحادثات مع إيران بدأت تستشعر الخطر الوجودي وأصبح يشكل البوصلة لما يجري من تحركات للقيام "بشيء ما" في محاولة للخروج من الوضع المأزوم الذي تعيشه، وهذا ما أكدته صحيفة "آراب ويكلي" البريطانيّة يوم الجمعة الماضي، التي نقلت عمّا سمتها "مصادر مطّلعة" أنّ السعوديّة ستزيد منسوب الضغوط على لبنان، وأنها مستعدّة لتوجيه ضربات موجعة إليه.
ما نقلته الصحيفة البريطانية يتوافق مع تصريح وزير الخارجية السعودي بأنّ الأزمة ليست مع لبنان، بل في "هيمنة حزب الله عليه".
ما يزيد حرج الموقف السعودي هو العلاقة غير الودية التي تبدو هذه الأيام مع الإدارة الأمريكية، حيث يرفض الرئيس الأمريكي جو بايدن التحدث مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبعد سحب القوات الأمريكية لأنظمة الباتريوت من عدد كبير من المناطق الحساسة في السعودية، إضافة إلى أن الولايات المتحدة وبعد انسحابها الفوضوي من أفغانستان تستعد للانسحاب من العراق ومن سورية.
كل هذه الأجواء جعلت القناة "الإسرائيلية" هي الوحيدة المفتوحة على مصراعيها مع النظام السعودي، خصوصاً وأن كل الملفات التي توجع السعودية تتوجع منها "إسرائيل" بمقدار الألم السعودي نفسه، وهو ما يفسر حركة الطيران السرية والعلنية التي نشطت بقوة بين الرياض و"تل أبيب"، ما يؤكد وجود تنسيق وتخطيط مشترك للقيام بعمل ما، خاصة وأن إحدى هذه الطائرات حملت وزير الحرب "الإسرائيلي" بيني غانتس الذي التقى مسؤولين سعوديين في الرياض أواخر تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي.
بعد عرض كل هذه الأجواء التي تعيشها المنطقة من السهل الاستنتاج أن المنطقة تعيش مرحلة هدوء ما قبل العاصفة.
ومع المؤشرات التي تؤكد أن معركة تحرير مأرب باتت محسومة، فالمتوقع أننا سنكون أمام مخطط أمريكي ـ بريطاني ـ "إسرائيلي" ـ سعودي، وتواطؤ مصري ـ تركي ـ خليجي، للقيام بعملية عسكرية واسعة لضرب المقاومة اللبنانية وتصفية المقاومة الفلسطينية في غزة، ومحاولة تهجير جزء من الفلسطينيين إلى سيناء، أو ربما مفاجأة الجميع بتوجيه ضربة موسعة لمواقع إيرانية.
بالتأكيد إن أطراف حلف المقاومة تدرك ما يتم التخطيط له، وتراقب ما يجري، وهي على أهبة الاستعداد لأي تطورات قد تحدث، وهذا ما ظهر بوضوح في الخطابات الأخيرة للسيد حسن نصر الله، وأيضاً من التحذيرات الإيرانية من ارتكاب أي حماقة سيكون ثمنها غاليا.

أترك تعليقاً

التعليقات