أحمد رفعت يوسف

دمشق/ أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
أثارت الزيارة التي قامت بها قيادة المؤتمر القومي العربي، برئاسة المصري حمدين صباحي إلى دمشق، جدلاً واسعاً بين النخب السياسية والإعلامية والفكرية السورية، رافقتها تساؤلات عما إذا كانت الزيارة تحمل مؤشرات على عودة الوعي إلى هذه المؤسسة الوحيدة التي تعمل على المشروع القومي العربي كتنظيم وأفراد.
أهم مؤشرات زيارة الوفد إلى دمشق، التي تعتبر عاصمة العمل القومي العربي، وعموده الأساسي، أنها تمت بمبادرة من قيادة المؤتمر، التي يغلب عليها الطابع الناصري، بعد عدة اجتماعات عقدها المؤتمر آخرها في بيروت، قبيل الزيارة، وليس بدعوة من القيادة السورية، وهذا مؤشر مهم، لكنه بالتأكيد غير كاف للحكم على واقع المؤتمر.
أسباب الجدل، هي حالة الضياع والتشتت الذي وقع به المؤتمر القومي العربي وقياداته، خلال مرحلة «الربيع العربي» والعدوان على سورية، وخاصة رئيسه الحالي حمدين صباحي، الذي ترأس الوفد، حيث التزم موقفاً إلى جانب مشروع تحالف العدوان الأمريكي الصهيوني، وأظهر دعماً لما سمي «ثورة الربيع العربي» واستخدم نفس عبارات التحالف في توصيف ما يجري في سورية، ومنها وصف الرئيس الأسد بالطاغية، ووصف الجيش العربي السوري بـ»الشبيحة»، وغيرها من هذه التوصيفات، ملتزماً بذلك موقف جناح من التيار الناصري في سورية، الذي يترأسه المعارض حسن عبدالعظيم (وهو من أعضاء المؤتمر) والمعروف عنه أنه ناصري اللباس، إخواني الهوى والهوية، ويعتبر من أكثر المحرضين ضد الدولة السورية، خلال العدوان على سورية، وكان من أول من عمل بالتنسيق مع السفير الأمريكي روبرت فورد في بداية العدوان وقبل مغادرته دمشق، وقام فورد بزيارته في مكتبه، حتى إنه لقب باسم «حسن عبد فورد» ولعب عبدالعظيم دوراً سلبيا كبيراً، خاصة في أحداث الغوطة الشرقية، التي وقعت تحت سيطرة مجموعات إرهابية وهابية وإخوانية الانتماء، برئاسة جيش الإسلام، الذي كان مدعوماً بشكل رئيسي من السعودية وتركيا، وهو ما أوجد صعوبة عند الشارع الوطني السوري، لأن يغفر لصباحي مواقفه هذه، حتى بعد هذه الزيارة.
كما أن المؤتمر يضم شخصيات أكثر عمالة لتحالف العدوان، ومنهم الإرهابي الإخواني راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية، التي لعبت أقذر الأدوار في العدوان على سورية، والتي قامت بالتغرير بالآلاف من الشبان التونسيين، وإرسالهم للعمل إلى جانب المجموعات الإرهابية.
كما يضم المؤتمر العميل برهان غليون، المقيم في فرنسا، والذي كان أول رئيس للائتلاف السوري، الذي أنشأه تحالف العدوان، ليكون البديل عن القيادة السورية، لو كان العدوان على سورية، قد نجح في إسقاط الدولة السورية.
وهذا الأمر ينطبق على الرئيس السابق للمؤتمر، اليمني عبدالملك المخلافي، الذي انحاز إلى جانب تحالف العدوان على بلاده اليمن، وأصبح وزير خارجية حكومة العملاء، التي عملت من فنادق الرياض، هذا إضافة إلى شخصيات عديدة من قيادة المؤتمر، التي ضيعت البوصلة وضلت الطريق.
مجمل هذه المواقف، إضافة إلى التشكيك الذي ساد الشارع السوري بفكرة القومية العربية ككل، بعد كل ما حدث في سورية والعالم العربي عموماً، ودور الأنظمة العربية والجامعة العربية في العدوان على سورية، كانت السبب وراء حملة التشكيك والتساؤلات، التي رافقت زيارة الوفد إلى دمشق.
لكن مهما كانت المآخذ على المؤتمر القومي العربي، تنظيما وقيادات وأفرادا، لا يمكن النظر إلى الزيارة، إلا من خلال نهج السياسة السورية، حيث إن القيادة السورية مارست منذ بداية العدوان عليها سياسة ردع العدوان، وليس المشاركة في أي عدوان، على أي بلد عربي.
كما أن القيادة السورية تدرك أن ما يجري هو مخطط عدواني أمريكي صهيوني كبير، ودور العرب فيه ليس أكثر من أدوات منقادة، بحكم طبيعة النظام العربي الرسمي، إضافة إلى أن الشارع العربي عموما، تعرض لحملة تضليل قوية وممنهجة وشرسة، وقع فيها حتى النخب العربية، أمثال العديد من شخصيات وقيادة المؤتمر القومي العربي.
كما أن سورية لا يمكن أن تتخلى عن دورها، كعاصمة للفكر والعمل القومي العربي، ولهذه الأسباب كانت القيادة السورية تمد اليد لكل يد عربية تحاول تصويب بوصلتها باتجاه دمشق، سواء أنظمة أو تنظيمات أو شخصيات، وهو ما انطبق على المؤتمر القومي العربي، عندما حاولت بعض الشخصيات المحترمة فيه، إعادة الحيوية لهذا التنظيم القومي العربي، وتصويب بوصلته نحو الاتجاه الصحيح حيث دمشق تحديداً.
كما يعرف عن السياسة السورية، إدراكها لأهمية كسب معركة الوعي في الشارع العربي، وهذا يتطلب العمل مع الأصدقاء، وحتى محاولة جذب الموجودين في المساحة الرمادية، وهذا يقتضي عدم التوقف عند مواقف وتصريحات سابقة، تمت في ظروف وأجواء مختلفة، سواء دول أو تنظيمات أو أفراد، خاصة وأن اليد السورية الممدودة، لا تلغي ما صدر سابقاً، ولا تعطي صك براءة، لمن تظهره الأحداث والمواقف، أنه يمارس مجرد سياسة انتهازية، أو ينطلق من مصالح ذاتية ضيقة.
يمكن قراءة كل هذه المؤشرات، من خلال أجواء لقاء الوفد مع الرئيس الأسد، وخاصة في كلام الرئيس الأسد، الذي ركز على موضوع «الانتماء والهوية» والمقصود بها الهوية القومية، والتي تعتبر الرد على حالة التشرذم الموجود في الشارع العربي، بعد كل ما حدث خلال الفترة الماضية، وخاصة العدوان على سورية، الذي أوجد حالة ارتكاسية للفكر القومي، وأوجد بديلا عنه عناوين وشعارات ضيقة، تدعو إلى اعتبار مصالح كل بلد عربي مقدمة على الانتماء إلى محيطه الحيوي مثل «مصر أولاً ولبنان أولاً والأردن أولاً» وبدأنا نسمع نفس الشعار، عند نسبة كبيرة من الشارع السوري، تقول «سورية أولاً» وهذا يعني المزيد من التشرذم، والوقوع في وهم إمكانية نهوض بلد عربي، دون محيطه العربي، الذي يؤمن له مجاله الحيوي والاستراتيجي.
كما ركز الرئيس الأسد، على ارتباط الهوية العربية، بخيار المقاومة، وثقافة المقاومة، والعمل ضمن ما هو ممكن لتوحيد المواقف، وخوض معركة الوعي، والمواجهة الفكرية والثقافية، مع المشاريع العدوانية، وحملة التضليل التي تقودها، لغزو العقول، والنيل من الهوية، والانتماء العربي.
أما رئيس الوفد حمدين صباحي، فقد أكد على دور ومكانة سورية، وأهمية انتصارها، في النهوض العربي، وأهمية هذا الدور، الذي يشكل حاضنة للمقاومة، وكحامل للفكر القومي في مواجهة المشروع العدواني الغربي، على المساحة العربية.
وبعد لقاء الوفد مع الرئيس الأسد، كانت إشارة سلبية، بقيام صباحي وبعض أعضاء الوفد، بزيارة المعارض حسن عبدالعظيم، والجانب السلبي في الزيارة، ليس الزيارة بحد ذاتها، وإنما تقديم عبدالعظيم كند للقيادة السورية، وهو المعروف عنه عداؤه لهذه القيادة، وموقفه المشين خلال العدوان على سورية، وهو ما أفقده مصداقيته ودوره، الذي كان يؤمل منه، أن يتصرف كشخصية وطنية، كان من المفترض أن تعمل على مشروع وطني سوري، وليس الانحياز إلى مشروع تحالف العدوان، والمجموعات الإرهابية المسلحة.
هذه الخطوة كرست الشكوك من حمدين صباحي ومواقفه، خاصة وأن صباحي لم يقم حتى الآن بما طالبته به النخب الوطنية السورية، بتوضيح مواقفه، والاعتذار للشعب السوري عن مواقفه السابقة، في صف تحالف العدوان، وهو ما أبقى الحذر عند هذه النخب، من صباحي ومواقفه، وستبقيه ضمن دائرة الشك والمراقبة.

أترك تعليقاً

التعليقات