أحمد رفعت يوسف

دمشـق  أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
وقع قادة الكيان الصهيوني في المحظور، وارتكبوا الخطيئة الاستراتيجية، التي لن يستطيع كيانهم ‏تحملها.‏
يبدو أن غرفة عمليات محور المقاومة، التي تدير ساحات المواجهة والإسناد، مع العدو الصهيوني ‏‏-بذكاء مدهش- مستمرة في سياستها، وخططها «البارعة» باستنزاف العدو الصهيوني، حتى ‏إنهاكه عسكرياً وسياسياً واجتماعياً، إلى أن يحين موعد الضربة القاضية، فنجحت في جر الكيان ‏الصهيوني، عبر مسيرة «يافا» اليمنية، للغوص أكثر، في مستنفع الجحيم، ووضعته أمام خيارين ‏أحلاهما مر:
- إما السكوت على الضربة اليمنية المؤلمة، والإقرار بقواعد الاشتباك التي رسمتها، والتي وصفها ‏الإعلام العبري، والنخب المدنية والعسكرية، بالكاسرة للتوازن، والتي تعني المزيد من «الشعور ‏باليأس، وفقدان الأمل» في الشارع «الإسرائيلي»، والتفكك التلقائي للكيان من الداخل.
- أو الرد، والمغامرة بتوسيع جبهات المواجهة، وفتح مسارات الصراع، على آفاق مجهولة من ‏الجحيم.
وسط هذا الصراع الشرس، والذي تدل كل المؤشرات، بأنه يسير نحو التصعيد، واضح أن قادة ‏الكيان الصهيوني، المحكومين بعقيدة «هدم الهيكل على الجميع» اختاروا طريق «علي وعلى أعدائي» ‏ووجهوا تلك الضربة «الخطيئة» على اليمن، والتي لا يمكن وصفها، إلا بأنها يائسة، ومغامرة ‏مفتوحة على كل الاحتمالات.
ففي الشكل، حاول قادة العدو، من خلال اختيار خزانات النفط في الحديدة، هدفاً لهم، بما تحدثه ‏من مشاهد وصور للحرائق والنيران، توجيه رسائل إلى الشارع «الإسرائيلي»، ومحور المقاومة، أن ‏يدها لازالت طويلة، وقادرة على الردع الاستراتيجي، لكن مسارات الصراع، لا ترسمها الصور ‏المثيرة، وإنما العقول الذكية والباردة، التي تدير المعركة، والعبرة في النتائج.
فهذه التطورات، جاءت في وقت يواجه الكيان «الإسرائيلي» وقادته، فشلا بالجملة، في تحقيق ‏أهدافهم، التي أعلنوها بعد عملية طوفان الأقصى، وما أحدثته من تحولات متسارعة، في موازين ‏القوى والقوة، في المنطقة والعالم، لغير صالح العدوان «الإسرائيلي» الأمريكي.
- ففي الميدان الفلسطيني، عجز كيان الاحتلال، عن تحقيق أي من الأهداف التي وضعها ‏لعدوانه على غزة بعد زلازل طوفان الأقصى.
- وفي جبهة الشمال، مع المقاومة اللبنانية، هناك إجماع لدى النخب «الإسرائيلية»، بالفشل الذريع ‏في المواجهة، وسط خوف وتهيب من خروج الوضع هناك، عن قواعد الاشتباك، التي تحكم ‏المواجهة حتى الآن.
- وجبهة اليمن، كانت المفاجأة التي لم يكن يتوقعها تحالف العدوان، إلى الدرجة التي غيرت ‏التوازنات الاستراتيجية للصراع، وخاصة بعد فشل الحشد البحري الأمريكي البريطاني، في البحر ‏الأحمر وبحر العرب، في المهمة التي حددها، بوقف جبهة المساندة اليمنية لغزة.
- دخول المقاومة العراقية، ساحة المساندة.
- بقاء سورية، ساحة الإمداد اللوجستي، والعمق الاستراتيجي لكافة ساحات المواجهة والإسناد، ‏ضد الكيان الصهيوني.
- وفي المحيط الإقليمي والدولي، أدى استمرار القتال، كل هذا الوقت غير المتوقع، إلى زيادة ‏ارتباط الصراع في المنطقة، مع الصراعات الأخرى، الممتدة من بحر الصين، إلى أوكرانيا، خاصة ‏مع الفشل الأمريكي الأوروبي، في الجبهة الأوكرانية.
- تزامنها مع الانشغال الأمريكي، في الانتخابات الرئاسية الساخنة، والتي ستستغرق وقتاً أطول ‏بكثير من قدرة «إسرائيل» على الانتظار، وتحمل تبعات هذه المواجهة.
أما الخطيئة «الإسرائيلية» الكبرى، في العدوان على اليمن، فهي أنها غيرت من قواعد الاشتباك، ‏ونقلت الصراع إلى مرحلة جديدة وخطيرة، سيكون ثمنها غالياً جداً على الكيان «الإسرائيلي»، لعدة ‏أسباب:
- ستنقل بؤرة الصراع، من غزة إلى اليمن، وتحول غزة لأول مرة، من بؤرة الصراع، إلى جبهة ‏مساندة لليمن، وهذا سيريح جبهة غزة، ويفشل بشكل نهائي، أهداف العدوان «الإسرائيلي» عليها.
- تفتح الباب واسعاً، أمام الدخول المباشر لجبهات المساندة الأخرى في القتال، وخاصة جبهتي ‏لبنان والجولان.
- أوجدت المبرر لأطراف محور المقاومة، لتوسيع نطاق عملياتها، واستهداف المنشآت ‏الاستراتيجية «الإسرائيلية».
- تفتح الباب أمام عودة استهداف القواعد والمواقع الأمريكية، وخاصة في سورية والعراق.
ويبقى التساؤل الآن، عن الاحتمالات التي ستأخذها المواجهة، وطبيعة الرد اليمني.
فالبيان الذي أعلنه المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، كان واضحاً بأن ‏‏«القوات المسلحة اليمنية، سترد على العدوان السافر، وستقوم باستهداف الأهداف الحيوية في الكيان ‏الصهيوني» وأن «منطقة يافا المحتلة (تل أبيب) منطقة غير آمنة» ويبدو أن اليمنيين يخبئون ‏مفاجآت كبيرة، وغير متوقعة، لقادة العدو «الإسرائيلي» الأمريكي.
كما أن طبيعة المرحلة الجديدة، من الصراع، تؤكد أن الرد لن يقتصر على الساحة اليمنية، وإنما ‏سيشمل أكثر من ساحة من ساحات المواجهة والإسناد، وخاصة اللبنانية والعراقية، مع احتمالات ‏واسعة، بدخول الضفة الغربية، ساحة المواجهة، فكيف سيكون الرد اليمني، وساحات الأسناد ‏الأخرى:
- بعد الخطيئة «الإسرائيلية» باستهداف منشآت النفط، ومحطة الكهرباء في الحديدة، أصبح من ‏المؤكد أن الرد سيطال منشآت مماثلة، والتي تشكل نقطة الضعف القاتلة، للكيان الصهيوني.
ومن غير المستبعد، أن يطال الرد اليمني، منشآت استراتيجية في «تل أبيب»، وحيفا، ومجمع غوش ‏دان، حيث أكدت البيانات اليمنية، أن أهدافها مستطلعة، ومحملة على الخرائط اليمنية، وهو ما ‏أكدته أيضا، أفلام الاستطلاع للمقاومة اللبنانية، هدهد 1 و 2.
- الرد اليمني سيتجاوز هذه المرة الطائرات المسيرة، ليشمل أسلحة استراتيجية، يؤكد امتلاكها، ‏من بينها الصواريخ الفرط صوتية، التي تعجز القوات الأمريكية و«الإسرائيلية»، عن مواجهتها.
- إدخال البحر الأبيض المتوسط، ساحة الحصار على الكيان «الإسرائيلي»، ودخول المقاومة ‏اللبنانية، في تنفيذ هذا الحصار.
ارتباط الصراع في منطقة غرب آسيا، مع ساحات الاشتباك، الممتدة من بحر الصين، إلى ‏أوكرانيا، سيزيد من الدعم العسكري، والاستخباراتي واللوجستي، من إيران وروسيا والصين، لليمن ‏والجبهات الأخرى، وهذا ما صرح به الرئيس الروسي بوتين، بشكل مباشر، كرد على زيادة ‏المساعدات الأمريكية، والأوروبية لأوكرانيا.
مع عملية يافا اليمنية، والرد «الإسرائيلي» البائس، نستطيع التأكيد أن الصراع دخل مرحلة جديدة، ‏مفتوحة على كل الاحتمالات، وبدأت المواجهة تتجاوز الخطوط الحمراء السابقة للصراع، وهي ‏تنذر بتحولات دراماتيكية، قد لا تتوقف، حتى انهيار الكيان الصهيوني، وتنفيذ قرار محور ‏المقاومة، بإخراج الأمريكيين من كامل منطقة غرب آسيا، وهو ما أكده عضو المكتب السياسي ‏لحركة أنصار الله، علي القحوم، عندما قال: «رد اليمن قادم وموجع ومؤلم.. وعملياتنا ستكون ‏زلزالاً على المعتدين، وبها ستزول إسرائيل».
كل هذه المؤشرات، تؤكد أننا مقبلون على دراما جيوسياسية مثيرة، من مسرح الجحيم.. فهل أينع ‏رأس الكيان، وحان قطافه..؟ لا قراءة أخرى غير ذلك.

أترك تعليقاً

التعليقات