أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
تحدثت وسائل إعلام عديدة عن تجدد المحاولات الروسية لتحسين العلاقات بين سورية وتركيا، وصولاً إلى محاولة عقد لقاء قمة بين الرئيسين بشار الأسد ورجب طيب أردوغان.
لوحظ أن وسائل إعلام تركية عديدة، مقربة من النظام التركي، كانت المروِّج الأكبر لهذه الأخبار، بدون وجود خطوات محددة في هذا الاتجاه، وهو ما يؤكد أن وراء هذه التقارير والأخبار النظام التركي، ومن الدائرة المقربة من أردوغان شخصياً.
الملفت أن هذه التقارير جاءت بعد التحولات الكبيرة في السياسة التركية، التي اتبعها نظام أردوغان الإخواني، منذ بدء أحداث ما يسمى «الربيع العربي» في العام 2011، وتوقع خلالها أن «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، الذي يتولى فيه أردوغان منصب نائب المدير التنفيذي للمشروع، سينجح ولن تستطيع قوة الوقوف في طريقه، مما دغدغ أحلامه بعثمانية جديدة يجدد فيها أمجاد الإمبراطورية العثمانية البائدة، التي بدأت أولى خطوات تشكلها، من معركة «مرج دابق» قرب حلب عام 1516، وهو ما جعل أردوغان يحاول استعادة التاريخ، من خلال محاولة إسقاط سورية في براثن العصابات الإرهابية، ومخطط الشرق الأوسط الجديد، ومن بوابة حلب هذه المرة أيضاً، وهو ما جعله يتصرف كخليفة عثماني ويتخذ مواقف معادية لمعظم دول وقادة المنطقة، وخاصة مصر والسعودية، بالإضافة إلى سورية والعراق؛ لكن انكسار المشروع في الميدان السوري، وتردداته في مصر وتونس واليمن، أجبر أردوغان على تغيير مواقفه، والانعطاف باستدارة كاملة، وصولاً إلى زيارة كل من الإمارات والسعودية ومصر، رغم المواقف العدائية الحادة التي اتخذها تجاه قادة هذه الدول، وتأكيده بأنه لن يلتقيهم.
يدرك أردوغان أن نافذته السورية هي الأهم بين كل دول المنطقة، وأن انعطافاته في علاقات تركيا مع دول المنطقة لن تكتمل بدون سورية، بسبب سطوة الجغرافيا والتاريخ، بالإضافة إلى أن سورية هي الممر الإجباري لطرق التواصل البرية بين تركيا ومنطقة الخليج ومصر، وبالتالي من الطبيعي أن يفكر بتكرار السيناريو الذي بدأه مع الإمارات والسعودية ومصر، مع سورية أيضاً، لكن حجم العداء الذي أبداه أردوغان لسورية، وللرئيس الأسد شخصيا، وانخراطه المباشر بجلب مئات الآلاف من الإرهابيين، من كل أنحاء العالم، لمحاربة سورية، واستمرار رعايته لهذه المجموعات الإرهابية حتى الآن، وقيام قواته باحتلال بعض الأراضي في شمال وغرب سورية، بذريعة محاربة الخطر الكردي، يجعل من الصعب عليه أن يطرق البوابة السورية، ومع الرئيس الأسد، بالطريقة نفسها التي فتح بها علاقاته مع الإمارات والسعودية وأخيراً مصر، حيث الشروط السورية لفتح بوابة دمشق أمام أردوغان واضحة، ولا بد من تحقيقها قبل عقد أي لقاء بين الأسد وأردوغان، وهو ما يرفضه أردوغان حتى الآن، ويقول بأنه لن ينسحب من الأراضي السورية قبل الوصول إلى حل سياسي للوضع في سورية، واستمرار محاولات تدخله في الشؤون السورية، من خلال اللجنة الدستورية، مما يجعل اللقاء شبه مستحيل في المرحلة الراهنة.
للخروج من هذه العقدة، دخلت روسيا، وبضوء أخضر تركي، ولاحقاً إيران، في جهود وساطة بين دمشق وأنقرة، أسفر عنها لقاءات أمنية وعسكرية، تطورت إلى لقاء على مستوى وزيري الدفاع في البلدين، ثم وزيري الخارجية، وراجت حينها أخبار عن جهود لعقد لقاء قمة بين الرئيسين الأسد وأردوغان؛ لكن ثبات الموقف السوري، بعدم حصول مثل هذا اللقاء قبل تحقيق الشروط السورية، حال دون تحقيقه، ثم جاءت العملية الروسية في أوكرانيا، ووقوف تركيا مع أوكرانيا، ووقوف سورية وإيران مع روسيا، لتجمد هذه الجهود، ثم جاءت التطورات المتسارعة في فلسطين المحتلة، بعد عملية «طوفان الأقصى»، لتوقفها بشكل شبه تام، وقبل أن يتجدد الحديث عنها مؤخراً، وتحديداً من قبل وسائل إعلام تركية مقربة من أردوغان، ليؤكد أن وراء هذه الحملة أوساطاً مقربة من أردوغان شخصياً، في محاولة لاستكمال استدارته السياسية الحادة في علاقات تركيا مع دول المنطقة، لتصل إلى سورية، التي تشكل جوهر وأساس علاقات تركيا مع الدول العربية، مما جعل بعض المراقبين يفسرون هذه الحملة التركية بأنها بالون اختبار نحو دمشق، لمعرفة مدى استعدادها لتجديد محاولات تحسين العلاقات بين البلدين.
وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وضع حداً لكل هذه التكهنات، عندما أكد أن التطورات في المنطقة، منذ عملية «طوفان الأقصى»، جمدت جهود المصالحة بين البلدين؛ لكن تصريح لافروف ترك الباب مفتوحاً للتكهن باحتمال تجديد هذه المحاولات، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الذي أكد، في ختام منتدى أنطاليا الدبلوماسي، أنه اتفق مع لافروف «على بحث الملف السوري بالتفصيل، خلال الاجتماعات القادمة، والأمر يحتاج إلى وقت».
كلام لافروف، وتأكيد فيدان، وما ورد من معلومات وتقارير إخبارية، يؤكد أن المحاولات لتحسين العلاقات السورية التركية ستتجدد، وأن تركيا تستعجل هذه المحاولات، لإدراكها أن تطورات الأوضاع وخطورتها، منذ عملية «طوفان الأقصى»، والتطورات في البحر الأحمر، والتقدم الروسي في الجبهة الأوكرانية، إضافة إلى احتمالات انسحاب الولايات المتحدة من سورية والعراق، أوجد نوعاً من الشعور لدى القيادة التركية بتهميش دور تركيا، وأن مسار الأحداث سيزيد هذا التهميش، مما جعل أردوغان يسعى جاهداً لاستجداء دور له ولتركيا في أي ترتيبات بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، وهو ما جعله يسارع في إتمام عملية المصالحة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وزيارة مصر.
هذه الأجواء قد تساعد في استئناف محاولات تحسين العلاقات بين دمشق وأنقرة؛ لكن المؤكد أن أي تحسن حقيقي لهذه العلاقات لن يتم بدون تحقيق الشروط السورية بانسحاب تركيا من الأراضي التي تحتلها في شمال وغرب سورية، والتوقف عن دعم المجموعات الإرهابية، وفي مقدمتها جبهة النصرة «حركة تحرير الشام» ووقف التدخل التركي في الشؤون السورية. أما حل الموضوع الكردي فهو مصلحة سورية، قبل أن تكون تركية، وأن تحقيق هذه الشروط هو الطريق الوحيد لعقد لقاء قمة بين أردوغان والرئيس الأسد.
ما عرف عن أردوغان من استداراته المتكررة، والحادة أحياناً، وتخليه عن شعاراته، وارتباطاته الإخوانية، وفشل رهاناته على مشروع الشرق الأوسط الجديد، والتطورات المتسارعة في المنطقة، بعد عملية «طوفان الأقصى»، وتهميش دور تركيا لصالح منافسيه الإقليميين، وفي المقدمة روسيا وإيران، قد تدفع أردوغان للذهاب مع سورية أكثر مما ذهب مع الإمارات والسعودية ومصر، والموافقة على شروط الرئيس الأسد لفتح بوابة دمشق أمامه واللقاء معه، وهو ما ستظهره نتائج الحركة الجديدة للوساطة بين دمشق وأنقرة، والتطورات في عموم المنطقة.

أترك تعليقاً

التعليقات