متى تقع الحرب في شمال شرق سورية؟
 

أحمد رفعت يوسف

دمشق - أحمد رفعـت يوسف / لا ميديا -
البعض يسميها حرب إخراج الأمريكيين من سورية والعراق، والبعض يقول عنها محاولة أمريكية لإشعال الجبهة السورية في وجه الروس، بعد فشل الهجوم الأوكراني.
لكن أيا كان السبب، يبدو أن الوضع في شمال شرق سورية، وصل إلى مرحلة لم يعد السؤال فيها هل ستقع الحرب، وإنما متى تقع.
المؤشرات السياسية التي تسبق عادة العمل الميداني، أظهرت أن مرحلة التبريد التي أعقبت الاتفاق السعودي - الإيراني، والانفتاح العربي على دمشق، وحضور الرئيس الأسد قمة جدة العربية، لم تطل، حيث توقف هذا الانفتاح، وتوقفت الحرارة بين طهران والرياض، وعادت السخونة إلى الملف اليمني، والملف النووي الإيراني، وتم تفجير الأوضاع في مخيم عين الحلوة الفلسطيني في لبنان، وتلاها تحذير سعودي من زيارة لبنان، ثم جاء التحرش المدروس بالمقاومة، في كمين الكحالة في بيروت.
ترافق ذلك مع تحشيد عسكري أمريكي، حيث أعلن عن تحريك حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" إلى البحر المتوسط، وهذه الخطوة لم تتم إلا في العدوان على العراق عام 2003، وستلحق بها غواصات نووية وحاملة طائرات أخرى.
كما أعلنت قيادة البحرية الأمريكية، عن وصول أكثر من 3000 بحار وجندي إلى المنطقة، واستقدام منظومات أسلحة حديثة.
أيضا تجري محاولات أمريكية لإعادة تشكيل المليشيات العميلة لها، ومحاولة زيادة العنصر العربي فيها، وتحجيم دور "قسد" وذلك إرضاء لتركيا (الأردوغانية) التي تبدو اليوم على وفاق مع المخططات الأمريكية في سورية وأوكرانيا، وهناك معلومات عن اتفاق أمريكي تركي، لإرسال 15000 مرتزق سوري، إلى قاعدة التنف، للمشاركة في العمليات التي تخطط واشنطن للقيام بها.
وفي الهدف من هذه التحركات، تحدثت مصادر عديدة، عن خطط أمريكية للسيطرة على كامل الحدود السورية العراقية، وقطع طريق طهران بغداد دمشق بيروت، انطلاقاً من احتلال مدينة البوكمال السورية، وهي المنفذ الرئيسي للتواصل البري بين البلدين، وتوسيع جغرافية سيطرة القوات الأمريكية، سواء بشكل مباشر، أو عبر مليشياتها، وتحقيق وصل بين مناطق انتشار "قسد" شرق الفرات، مع القاعدة الأمريكية في التنف، مع فصائل مسلحة تنتشر من القنيطرة إلى درعا فالسويداء، ليتم بذلك إيجاد عملية وصل، بين إقليم كردستان في العراق، والكيان الإسرائيلي.
وتحاول الولايات المتحدة، أخذ غطاء عربي لما تخطط له، حيث قام وفد عسكري ضم قادة أركان الجيوش الأردنية والمصرية والسعودية، بزيارة شرق الفرات، والتقوا عددا من قادة المجموعات المسلحة في قاعدة التنف.
كما ترافق كل ذلك، مع تصاعد وتيرة الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية، على مواقع سورية.
وفي الطرف المقابل، حيث سورية وروسيا وإيران، ومعها فصائل المقاومة، يراقبون بدقة التحركات الأمريكية، ويدركون خطورة ما تخطط له على الأمن القومي المباشر لها، وبالتالي رأينا تحركات وتحشيدات عسكرية، للجيش السوري وحلفائه في البادية السورية وشرق السويداء، رافقتها ثلاث مناورات عسكرية سورية روسية مشتركة، جرت حلال شهر.
ترافقت هذه الحشود، مع معلومات تؤكد أن هذه الاستعدادات لا تهدف فقط للتصدي للتحركات الأمريكية، وإنما لتنفيذ قرار استراتيجي، متخذ من قبل حلف المقاومة، بإخراج الأمريكيين من كامل المنطقة.
فقد نقلت صحيفة الأخبار اللبنانية، عن مصادر لبنانية وسورية وروسية، حديثها عن قرار كبير، لطرد القوات الأمريكية من شرق الفرات.. وأن ما يجري من حشود عسكرية لسورية وحلفائها، تأتي "تحضيرا لهجوم برّي على قاعدة التنف الأمريكية".
كما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تحذيرات مسؤولين استخباراتيين أمريكيين من "أنّ المرحلة المقبلة، ستشهد موجة من الهجمات العنيفة، ضدّ القوات الأمريكية في سورية.
ونقلت الصحيفة، أن مسؤولين عسكريين واستخباراتيين، من روسيا سورية وإيران، عقدوا اجتماعا في شهر تشرين الثاني العام الماضي، اتفقوا فيه على إنشاء مركز تنسيق لتوجيه "موجة الهجمات على الأمريكيين".
كما كشفت مجلّة "نيوزويك" الأمريكية، نقلاً عن معلومات من وثيقة استخباريّة من دولة حليفة" (يرجح أنها السعودية) عن "جهوزية فرقة سوريّة شبيهة بحزب الله، من حيث قدراته، للبدء بشنّ هجمات على القوات الأمريكية في سورية".
أما موقع "ناشيونال إنترست" الأمريكي فقد حذر "من أنّ الهجمات القادمة، ستفرض تكاليف عالية بالأرواح، في صفوف القوات الأمريكية في سورية".
وفي موسكو، نشرت عدة وسائل روسية، تقارير عن عملية عسكرية متوقعة، وصفتها صحيفة "فزغلياد" بأنها "عملية عسكرية كبرى، قد تتجاوز حدود الشرق السوري".
وجاءت زيارة قائد فيلق القدس، في الحرس الثوري الإيراني، اللواء إسماعيل قاآني الى سورية، وجولته على الخطوط الأماميّة المقابلة للقوات الأمريكية، لتؤكد هذه الاستعدادات.
كما جاءت تصريحات وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، خلال زيارته إلى طهران، لتؤكد هذه الأجواء، حيث نصح خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، واشنطن بإخراج قواتها من المناطق التي تحتلها في الشرق السوري، وهو نفس الموقف الذي أعلنه عبد اللهيان، الذي طالب بالخروج الفوري للقوات الأمريكية من سورية.
ومع إجماع المصادر من الجانبين، على أن الوضع أصبح ينذر بعملية عسكرية، جاءت عملية استهداف باص للجيش السوري، من قبل تنظيم داعش، في ريف دير الزور الشرقي، حيث يتحرك التنظيم في المنطقة، بتوجيه من الجيش الأمريكي في التنف، ما أدى إلى استشهاد 23 جندياً سورياً، ثم العملية التي استهدفت في اليوم نفسه، موقعاً للجيش في ريف اللاذقية، من قبل مجموعات مسلحة، تعمل بإمرة التركي، وأسفرت عن 13 شهيداً، وما سبق ذلك من ازدياد حالات "التحرّش الأمريكي" الجوّي بالمقاتلات الروسيّة في السماء السوريّة، لترفع من منسوب السخونة، التي تسيطر على أجواء المنطقة.
ومع هذه الأجواء المشحونة، والخطط المكشوفة، يبقى التساؤل الأهم: ما هي حدود كل طرف.. وفرص نجاحه في تحقيق أهدافه؟
صحيفة الأخبار اللبنانية، نقلت عن مصادر خاصة قولها "إنّ دمشق لا تشعر بالقلق، لأنها تعتبر وحلفاؤها أنّ أي عمل عسكري أمريكي، سيكون فرصة للانقضاض على القوات الأمريكية، وطردها من المنطقة".
كما أجمع خبراء عسكريون سوريون، على أن الولايات المتحدة "لا تستطيع فرض هدفها بقطع الحدود السورية العراقية" مهما حشدت من قوات، خاصة وأن الحشد الشعبي العراقي، يسيطر على الجانب العراقي من الحدود، ورأى الخبير العسكري السوري كمال الجفا أن "قاعدة التنف أصبحت أسيرة نفسها".
ويجمع هؤلاء الخبراء، على أن الجيش السوري والقوات الصديقة والرديفة والحشد الشعبي، يمتلكون القدرة ليس فقط على إفشال الهدف الأمريكي، وإنما فتح مثل هذه المعركة، قد لا تتوقف قبل إخراج الأمريكي من سورية والعراق.
كما أن مصادر من "قسد" ومجموعات شكلتها أمريكا منها "قوات الصناديد" أكدت أنها لن تدخل في أي صدام مع الجيش السوري، وهذا سيعرقل الخطط الأمريكية بالتأكيد.
هي الحرب التي بات الجميع يتوقعها، وحال حدوثها لن تقتصر نتائجها على سورية، وإنما ستكون معركة مفصلية، في حرب صراع الإرادات، لتحديد مواقع القوى والقوة، في المنظومة الإقليمية والدولية التي تتشكل في المنطقة والعالم.
وكما كانت سورية، هي المنطقة التي بدأ من ميدانها النظام الدولي الجديد، متعدد الأقطاب، قد تكون هذه المرة أيضاً، الميدان الذي سيعلن منه البداية الحقيقية لهذا النظام، والذي يعني أفول المنظومة الأمريكية، مع ما يعني ذلك من تغيرات جيوسياسة دراماتيكية، في المنطقة والعالم.

أترك تعليقاً

التعليقات