انسحاب خليجي باتجاه دمشق
 

أحمد رفعت يوسف

دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -

لم تأت من فراغ تغريدة وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، بأن الأزمة السورية بحاجة إلى مقاربة جديدة، وأن الدور العربي ضروري لإنهاء العنف والاقتتال، وإنما جاءت في سياق حركة دبلوماسية ونقاش يجري بصمت وبدون ضجيج عند أنظمة الضلال الخليجية حول الموضوع السوري وتداعياته التي بدأت تأخذ منحى جديداً لدى دول المحيط الإقليمي عموماً والخليجي (المأزوم والنادم) بشكل خاص.
ما يؤكد أن كلام قرقاش ليس مجرد رأي شخصي أن ثمة مواقف وأصواتاً أخرى عديدة رسمية وإعلامية ومن أكثر من دولة خليجية تحدثت في هذا الاتجاه؛ ومنها ما كتبه الصحفي الكويتي "أحمد الجار الله"، رئيس تحرير صحيفة "السياسة" الكويتية، الذي عنون افتتاحية له: "الشام شامك لو الزمن ضامك" وتساءل فيها: "إلى متى سيترك العرب سورية نهباً للمشروعين الإيراني والتركي، وتبقى أنقرة وطهران تتاجران بالسوريين، وتوظف دماءهم في ألاعيبهما الإقليمية والدولية؟!".
وأضاف: "أَلم تتيقن الدول العربية، المهمة والفاعلة في الشأن القومي، أنَّ حروب الردة التي خيضت على هذه الدولة لم تؤد إلى أي نتيجة، بل ساعدت على زيادة التغلغل الإيراني، واستدراج إسرائيل إلى الاعتداء عليها، وإفساح المجال لتركيا كي تستقطع جزءاً من الأرض سعياً منها لإقامة كانتون تتحكم من خلاله بالمعادلة العربية، وتستخدم مرتزقة سوريين في حروبها؟!".
بغض النظر عن مواقف "الجار الله" ورؤيته القاصرة والتي تضع الأصدقاء الإيرانيين في صف العدوين "الإسرائيلي" والتركي، فأهمية ما كتبه لا تأتي من كونه يمثل رأياً إعلامياً بارزاً في الكويت والخليج، وإنما لأنه يأتي من صحفي كان في مقدمة من حمل لواء العداء لسورية، وفي مقدمة من سار في حملة التضليل والتشويه لكل ما جرى في سورية حتى قبل العدوان عليها قبل نحو عشر سنوات، وتحديداً منذ الحملة الشرسة عليها بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، ليصبح فيما بعد أحد أهم منابر تبرير العدوان عليها عام 2011، وفي مقدمة من قاد حملة التضليل والتشويه والداعين لإسقاط الدولة السورية.
وبين هذين الموقفين المعبرين ثمة مواقف رسمية وإعلامية كثيرة، حيث بدأت السعودية مسار العودة إلى دمشق بسماحها للشاحنات السورية بالعبور في أراضيها لأول مرة منذ بدء العدوان على سورية عام 2011 عبر إعطاء السائق السوري "فيزا" عند معبر "حديثة" الحدودي بين السعودية والأردن.
وقد أثار الإجراء السعودي التساؤلات عما إذا كان فعل ندامة بالمشاركة في العدوان على سورية أم أنه جاء مكملاً لحملة مقاطعة البضائع التركية والتقائها مع موقف الدولة السورية والحاجة إلى البضائع والمنتجات السورية.
سلطنة عُمان بدروها اتخذت خطوة دبلوماسية كاملة عبر إرسالها، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، سفيراً فوق العادة ليكون في مقر السفارة في دمشق، بعدما كان سفيرها في الأردن يتولى مهمة تمثيل مصالحها في دمشق، منذ تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية.
ورافق هذه الخطوة خبر من شبكة إخبارية عُمانية تحدثت عن زيارة متوقعة للرئيس الأسد إلى سلطنة عُمان خلال وقت قريب، لكن الخبر لم يتم تأكيده من أي مصدر رسمي سوري أو عُماني، لكن تناقل الخبر بسرعة أعطاه نوعاً من المصداقية والتأكيد أنه تسريب من مصادر رسمية عُمانية لجس النبض من جهة، وللتمهيد للزيارة في حال حدوثها من جهة ثانية.
وكان قد سبق المواقف الخليجية الأخيرة افتتاح الإمارات سفارتها في دمشق، وتلتها البحرين، وكان يتوقع أن تكون هذه الخطوات بداية عودة جماعية لافتتاح السفارات الخليجية في دمشق قبل أن تتوقف عند هذا الحد بسبب الضغوط الأمريكية و"الإسرائيلية" من خلف الستار.
ومع إدراك أن كل هذه الخطوات لم تأت من فراغ وإنما هي تعبر عن موقف خليجي رسمي وشعبي عن أهمية إعادة العلاقات مع سورية، خصوصاً بعد حالة الفرز التي تجري في المنطقة وفي مقدمتها العلاقات مع تركيا، وإدراك دول الخليج أهمية موقف سورية في ملف العلاقات مع تركيا وأنه لا يمكن بناء موقف سعودي قوي في وجه تركيا الأردوغانية الطامحة إلى إعادة إحياء العثمانية البائدة وخطر هذه السياسات على موقف ومكانة السعودية بدون إسناد سوري قوي وحقيقي.
وأيضاً بعد التطورات الأخيرة التي شهدها الميدان اليمني، حيث بات بنو سعود في موقف لا يحسدون عليه، خاصة وأن الدعوات بدأت ترتفع لوقف هذا العدوان، وأضيف إليه اليوم فوز جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية وموقفه السلبي المعروف من النظام السعودي.
وهنا يبرز السؤال المهم: هل المواقف الخليجية صادرة عن صحوة ضمير أم عن الخوف من ارتدادات وتداعيات الانتخابات الأمريكية وفوز بايدن؟ أم أن هذه الدول بدأت تدرك خطورة مواقفها على أمنها وأمن شعوبها والأهم بالنسبة لهؤلاء على أنظمتهم التي باتت تهتز بالجملة وفي مقدمتها نظام بني سعود؟! لكن السؤال الأهم هو: ماذا عن موقف دمشق؟
المتابع للموقف السوري يدرك أن الخطاب الرسمي السوري لم يتغير حول أهمية وجود موقف عربي موحد من المخاطر التي تهدد الأمن القومي العربي من كل اتجاه، لكن الوقت نفسه لا يمكن لدمشق أن تنسى أو تتغاضى عن مواقف الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية من العدوان على سورية ومشاركتها المباشرة في إنشاء العصابات الإرهابية وتمويلها وتسليحها، وأن هذه الأنظمة كانت ـ بإرادتها أو مرغمة ـ في مقدمة الذين عملوا على إسقاط سورية نظاماً ودولة، وبالتالي فإن العودة لن تكون على مبدأ "عفا الله عما مضى"، وإنما وفق أسس واضحة وصريحة.
ومع معرفة الموقف الصلب الذي وقفته القيادة السورية خلال زيارة الوفد الأمريكي إلى دمشق لبحث مسألة الموقوفين الأمريكيين في سورية ورفضها إبداء أي تعاون قبل إقرار الانسحاب الأمريكي من سورية، وكذلك موقفها مع الفرنسيين برفضها أي حوار معهم قبل تغيير الموقف الفرنسي وإعادة العلاقات السياسية مع سورية، عندها يدرك الخليجيون وكل من يهمه الأمر أن من وقف هذه المواقف الصلبة مع الأمريكيين والفرنسيين لن يكون غير ذلك مع الخليجيين عموماً؛ والنظام السعودي تحديداً، وأن الأمر لن ينتهي بمجرد تلاوة فعل الندامة، الذي لن يكون سوى بداية لسلسلة من المواقف المطلوبة من هذه الأنظمة لفتح حوار صحيح وجدي مع الدولة السورية.
ومن المؤكد أن سورية ستطلب إلغاء قرارات الجامعة العربية وكل تبعاتها، والتوقف فورا عن دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية في سورية، والمبادرة الفورية لدعم جهود الحكومة السورية لإعادة الأمن والاستقرار والسيادة الكاملة على كل التراب السوري.
كما تتطلب هذه المراجعة خطوات استباقية كي يثق بها الشعب السوري، ويأتي في المقام الأول رفض الحصار الاقتصادي الغربي على الشعب السوري، وعدم الاستجابة أو الرضوخ للضغوط الأمريكية في هذا الجانب، وخاصة "قانون قيصر"، والعمل على فتح كل القنوات الاقتصادية التي تبطل مفاعليه.
ويبقى الحكم على جدية هذه الخطوات ومداها بقدرة أنظمة الخليج على اتخاذ مواقف وخطوات تتوافق مع مصلحتها وأمنها، وقدرتها على مقاومة أي ضغوط أمريكية أو غيرها لمنع هذا التقارب مع الدولة السورية. لكن ما هو مؤكد أن أي تقارب يجب أن يكون بدون أي شروط على الدولة السورية، وخاصة لجهة علاقتها مع إيران ومع دول وفصائل محور المقاومة ككل.

أترك تعليقاً

التعليقات