«إسرائيل» تعربد في سورية
 

أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
أدى الانفهيار الدراماتيكي للدولة السورية إلى تعرض الجيش السوري لمشاهد مأساوية لم يكن يتوقعها أحد، في أسوأ سيناريوهاتها، وإلى ما قبل ساعات من الانهيار.
فجأة وجد مئات الآلاف من ضباط وعناصر الجيش أنفسهم بدون قيادة، وبدون قرار، وبدون توجيه، وبدون حماية، ما اضطر الجميع لترك ثكناتهم ومواقعهم، بما فيها من أسلحة وتجهيزات ومعدات.
قادة الكيان الصهيوني، الذين يدركون أن صراعهم الوجودي قائم على معادلة "موت سورية لتحيا إسرائيل"، وجدوا أنفسهم أمام فرصة ذهبية لم يكن يحلم بها أحد منهم، منذ تأسيس الكيان وحتى اليوم، للقضاء على كل عوامل القوة التي تمتلكها سورية، وفي مقدمتها الجيش السوري.
لم يتأخر قادة الكيان في استغلال هذه الفرصة المثالية، فبدأت طائراته الحربية ومسيّراته الاستطلاعية تعربد في سماء دمشق وكل نقطة يريدون الوصول إليها في سورية، وبدون أن يعترض طريقها أحد أو تطلق عليها طلقة واحدة.
مئات الطائرات "الإسرائيلية" تنطلق يومياً مستهدفة بشكل مدروس كل ما يتعلق بالجيش السوري، من مواقع وثكنات ومقرات وآليات ومعدات ومستودعات أسلحة وذخيرة ومراكز البحوث العلمية، العسكرية والمدنية.
آخرها وأعنفها كان في الساحل السوري، الذي عاش ليلة الأحد الاثنين الماضي حالة رعب مشهودة، حيث طال القصف مواقع وثكنات الجيش، وتحديداً ثكنات ومقرات الدفاع الجوي ومواقع تخزين الأسلحة والصواريخ، والتي أحدثت انفجارات عنيفة وغير مسبوقة، سُمع صداها إلى مدينة حمص، على بعد أكثر من مئة كيلومتر، ويقال إنها أدت إلى إعطاء مؤشرات رصد الزلازل 3.5 درجات على مقياس ريختر.
كما تمكنت قوات الاحتلال من السيطرة على كميات كبيرة جداً من كافة صنوف الأسلحة والمعدات والتجهيزات، ونقلها إلى داخل الكيان.
رافق ذلك، تقدم قوات الاحتلال "الإسرائيلي" في مناطق واسعة من الجولان السوري، ومحافظة القنيطرة، وحتى ريف دمشق، وسيطرت على كل المراصد العسكرية، في قمم جبل الشيخ، والتي تستكشف المنطقة وتتحكم بها في سورية وكامل محيطها الجغرافي.
كما رافقه، إعلان رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو، تكثيف حركة الاستيطان في الجولان السوري المحتل، بدون أن يلاقي الإعلان أي رد فعل من أي طرف، خاصة في الأمم المتحدة.
الأخطر من كل ذلك أن الطرق باتت مفتوحة أمام جيش الاحتلال للوصول إلى أي مكان تقرره حكومته. وتؤكد الصور والتقارير عن هذا التحرك أن دبابات جيش الاحتلال باتت على بعد 15 كم فقط عن دمشق، وعن طريق دمشق - بيروت، وهذا يفتح الطريق أمامها للدخول حتى إلى دمشق، أو بيروت، أو أي منطقة تقررها حكومتها، وبدون أن يتمكن أحد من منعها، أو أن يقف في وجهها، وباتت أي سلطة قائمة في دمشق لا تمتلك أي إمكانية لمنعها من التقدم، لعدم توفر الإمكانات البشرية والتجهيزات.
واضح من هذه التطورات الخطيرة والمتسارعة وجود إرادة وقرار لدى الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بتدمير كل ما يمتلكه الجيش السوري من معدات واسلحة، وسط صمت مطبق، لتحقيق أكثر من غاية، أهمها أن تفقد سورية كل مقومات المواجهة مع الكيان الصهيوني، وأن تنهي ارتباط سورية وأي جيش مستقبلي لها مع روسيا وحتى الصين، أو أي جهة أخرى كمصدر للتسليح، وربطه مع المنظومة الأمريكية الغربية، ليس بهدف تسليحه، وإنما بهدف التحكم بالقرار العسكري والسيادي لسورية، على غرار ما يجري في الأردن ولبنان.
هذا يطرح أسئلة عديدة عن سورية المستقبل، وعن جيشها وتكوينه وعقيدته ومهمته، وحول قدرتها على الدفاع عن سيادتها وقرارها، وهي المحاطة دائما ببحر من الأعداء والقوى الطامعة بها وبما تشكله من موقع جيوسياسي استراتيجي وهام يعتبر مفتاحا لتوازنات القوى الإقليمية والدولية، وهو ما أكدته هذه الأحداث، وهذا سيجعل سورية المستقبل رهينة القرار الإقليمي والدولي الغربي، تحديداً بقيادته الأمريكية، وهو ما يجعلها فاقدة القدرة على تقرير مصيرها، أو حتى حماية أرضها، إلا بالشكل الذي تقرره الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
بالتأكيد لن تستمر الأمور بهذا الشكل؛ لأن سورية ليست مجرد دولة محدودة بجغرافيتها، وإنما هي -وكما أثبتت الأحداث- تتمتع بموقع جيوسياسي فريد يجعلها من أهم مفاتيح التحكم بالعالم، وبتوازن القوى والقوة الإقليمية والدولية، ولا بد من بناء جيش سوري جديد، لكن التساؤلات باتت مشروعة حول من سيشكل هذا الجيش، وكيف سيتشكل، وماذا ستكون مهمته وعقيدته، وما هي مصادر تسليحه وتمويله.
كما تطرح أسئلة أخرى عن مصير ضباط وأفراد الجيش المنهار، ومدى مشاركتهم في بناء الجيش السوري الجديد، وما هو مصير حقوقهم المادية والمعنوية.
بالتأكيد هذه الصورة المأساوية لن تبقى إلى الأبد. ومن المؤكد أن سورية بما تمتلك من قدرات وطاقات كامنة، وبما يعرف عنها موقعاً ومكانة، في قلب أهم منطقة جيوسياسية في العالم، وفي قلب العالم العربي، ستبقى بحاجة إلى جيش قوي، وهذا يتطلب قيادة قوية، لكن الوصول إلى هذه الغاية بالتأكيد سيتطلب وقتاً، قد يطول أو يقصر، بما ستشهده سورية والمنطقة بعد هذه التحولات الدراماتيكية وارتداداتها الزلزالية المؤكدة، على كافة دول المنطقة، وعلى صراعاتها وتوازنات القوى ونقاط الاشتباك فيها، والتي ستطال كافة القوى الإقليمية والدولية، لأن ما يجري في سورية لا يمكن فصله عن كافة نقاط الاشتباك والمواجهة، من بحر الصين إلى أوكرانيا، وهو ما ستجيب عليه الأيام والسنوات المقبلة.

أترك تعليقاً

التعليقات