أحمد رفعت يوسف

دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
في الحروب والصراعات الدولية، يعتبر اختيار مكان وزمان أي ضربة أو تحرك أو عملية عسكرية مفتاحاً للنصر أو الخسارة.
فأن تضرب الأفعى على ذيلها يجعلها شرسة، وفي موقع قد تتمكن فيه من غرس سمها في جسد من ضربها، أما ضربها على رأسها، فإن لم تقتلها الضربة فورا، فإنها ستجعلها بوضع تكون فيه عاجزة عن الحركة، ومن السهل ضربها مرة ثانية حتى الموت.
هذه الحالة تنطبق في توقيتها ومكانها، على الضربة الموجعة، التي وجهها أنصار الله في اليمن، للكيان الصهيوني، وللولايات المتحدة الأمريكية، على حد سواء، باحتجاز سفينة يمتلكها رجل الأعمال «الإسرائيلي» ‏رامي أونجر.
هي «ضربة معلم» سيكون تأثيرها في حرب الوعي والثقة بالنفس، لا يقل عن اليوم الأول من عملية طوفان الأقصى، خاصة وأنها جاءت مشفوعة بدماء الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ فلسطين، وهي تؤكد على قدرة حلف المقاومة، على امتلاك زمام المبادرة، والفعل والانتصار.
وفي معلومات خاصة لصحيفة «لا» من مصادر يمنية، فإن العملية كانت باشتراك وحدات جوية وإسناد بحري، تم خلالها تنفيذ إنزال جوي بواسطة طائرة هيلوكوبتر يمنية فوق السفينة والسيطرة عليها، وعلى طاقمها، واقتيادها إلى ميناء الحديدة.
عملية أسر السفينة «الإسرائيلية»، صحيح أنها تمت باليد اليمنية، لكن كامل حلف المقاومة، وظهيره الاستراتيجي في طهران وبكين وموسكو، معنيون بها، وسنرى آثارها وتداعياتها تباعاً، وهي تتطاير أبعد، بكثير جدا، من مجرد احتجاز سفينة، لتصل شظاياها إلى عمق الأحداث التي تشهدها فلسطين المحتلة وعموم المنطقة، وعلى مكانة الولايات المتحدة وتواجدها في الخليج وشرق المتوسط، وإلى الاقتصاد العالمي وتوريدات النفط والغاز، وحتى حرب أوكرانيا، وصراع الإرادات الأمريكي الصيني.
أولى تداعيات العملية المباشرة، أنها تؤكد قدرة المقاومة اليمنية، على المراقبة والاستطلاع والتنفيذ والسيطرة، وأن مشاركة اليمن في الحرب ضد العدو الصهيوني والأمريكيين، لن تتوقف عند مجرد توجيه ضربات بالصواريخ، والطيران المسير، وإنما في توجيه ضربات موجعة وفي الصميم، لواشنطن و»تل أبيب»، وأن ما قام به اليمنيون، يمكن أن يتكرر بشكل أو بآخر، من كل طرف من أطراف المقاومة.
أما النتائج والتداعيات الأخرى، فسوف تظهر تباعا، وتأخذ الطابع الاستراتيجي، وستحدث تحولاً كبيراً، حتى أبعد من مسار الصراع مع العدو الصهيوني، والوجود الأمريكي في المنطقة.
فالعملية اليمنية، ستكمل الحصار البحري على الكيان الصهيوني، بعدما بات ميناء حيفا، الذي يشكل إحدى أهم ركائز الاقتصاد «الإسرائيلي»، شبه مشلول، منذ بدء العدوان على غزة، مع رفض السفن التوجه إليه، بسبب مخاطر التعرض للقصف، وتوقف الكثير من شركات التأمين، عن إصدار بوالص تأمين، للسفن المتجهة إلى الميناء، ورفع رسومها بشكل كبير، مما جعل معظم حركة النقل البحرية، من وإلى الكيان الصهيوني، تتجه إلى ميناء «إيلات» على البحر الأحمر، لتأتي هذه العملية، لتكمل الحصار البحري على الكيان الصهيوني، لأن حركته في «إيلات»، ستصبح أكثر صعوبة من ميناء حيفا، خاصة وأنه يعتبر البحر الأحمر، ممراً حيويا له منذ نشوئه، وأقام لهذه الغاية قواعد عسكرية في عدد من الدول، وكانت أحد أسباب العدوان على اليمن، وهو ما ظهر واضحاً، منذ المسارعة إلى إنشاء قواعد له في جزيرة سقطرى، منذ سيطرت عليها الإمارات ومرتزقتها.
كما ستجعل الأمريكيين، يشعرون بأنهم مهددون في كل أماكن انتشارهم، ليس ففقط في سفنهم الحربية والتجارية، في البحر الأحمر والخليج العربي، وإنما في كل قواعده البرية، وهذا ما يجعل تواجدهم في المنطقة على المحك.
الاقتصاد العالمي بدوره سيتأثر بقوة وبعمق، لأن البحر الأحمر يشكل ممراً حيوياً لحركة التجارة العالمية، ولتصدير النفط والغاز، ولسلسلة التوريد العالمية، وخاصة باتجاه أوروبا، لأن ثلث التجارة الدولية تمر عبر البحر الأحمر، وهذا التطور الدراماتيكي، سيكون تأثيره الأكبر والمباشر، على اقتصاديات الدول الأوروبية، وهي التي تعاني بالأساس من أزمات عديدة، وخاصة في مجال الطاقة والمنتجات الغذائية، بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية، وتوقف الإمدادات الروسية من النفط والغاز، مما سيضعها على شفير كارثة، وسيزيد من أزماتها، ويفاقمها إلى درجة يجعلها أمام تهديدات وتداعيات سياسية، واقتصادية، واجتماعية كبيرة.
وفي الجانب الآخر، ستضع العملية اليمن، وحلف المقاومة، في موقع القوة، لفرض شروطهم حول العدوان، وهذا سيضع الكيان الصهيوني، والولايات المتحدة الأمريكية، أمام احتمالين أحلاهما مُر، فإما وقف العدوان على الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، مع ما يعني ذلك من إقرار «إسرائيلي» أمريكي بالهزيمة، وارتدادات ذك على بقية الجبهات، ونقاط الاشتباك الأخرى، وخاصة في سورية ولبنان والعراق، أو المغامرة بتوسيع نطاق الحرب والاشتباكات، والدخول الجدي والمباشر، لكل أطراف المقاومة في الصراع، خاصة وأن كل المؤشرات، تدل أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، سيكونون الخاسرين وبشكل استراتيجي في هذه الحرب، وقد يكون الثمن، أكبر بكثير من القبول بوقف العدوان، والتسليم بالهزيمة.
ما يجري يؤكد أن الأوضاع في المنطقة، باتت أكثر من قبل، مفتوحة على كل الاحتمالات، خاصة وأن تنفيذ العملية اليمنية، يؤكد أن حلف المقاومة، لديه الكثير من الخيارات والمفاجآت، التي قد يقوم بها، وكل خطوة من هذه الخطوات، ستؤدي إلى تحول كبير، ليس فقط في مسار العدوان في فلسطين المحتلة، وإنما على وجود الكيان الصهيوني ككل، وعلى موقف ومكانة الولايات المتحدة الأمريكية، في المنطقة والعالم، والتي تصبح مع كل عملية، في موقف أصعب، وأقل قدرة على مواجهة التحديات الأخرى، التي تواجهها في العالم، وخاصة في الحرب في أوكرانيا، وفي صراع الإرادات مع الصين، على قيادة السياسات والاقتصاديات العالمية.
نعتقد أنه من السهل اليوم، تخيل الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» وهو يجلس في الكرملين، ويضحك من أعماقه، على الورطة الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي جعلت الجبهة الأوكرانية لا تتوقف فقط، وإنما ستجعله يربح الحرب فيها بدون أن يطلق أي طلقة جديدة، وليس من الصعب تصوره، وهو يستعد لتوجيه ضربة قاصمة لحلف الناتو، برأسه الأمريكي، بعدما تحولت أوكرانيا إلى خاصرة رخوة، للولايات المتحدة ومنظومتها الغربية، بعدما أرادتها هذه المنظومة، أن تكون بوابة لتمزيق روسيا، وهي الخطوة التي ينتظرها بوتين على أحر من الجمر. 
كما من السهل، تصور الرئيس الصيني «شي جين بينغ» وهو يرد على أي مكالمة هاتفية، قد ترده من الرئيس الأمريكي «جو بايدن» وبشكل مختلف عن اللهجة التي تحدثا بها قبل أيام فقط، وهو يدرك أن هذه التطورات في منطقة غرب آسيا، ستعطي دفعة قوية لبكين، في صراعها على زعامة العالم مع واشنطن، وقد توفر له الفرصة لتحقيق أهدافه في تايوان، بدون الحاجة لخوض الحرب فيها.
أما الصورة التي ستكون الأكثر تعبيراً وتأثيراً على مسار دول وشعوب المنطقة، وهي مظاهر البؤس والتيه والإذلال، التي سيظهر بها دعاة التطبيع، وأنظمة العجز، والانبطاح أمام العدو الصهيوني، والذين سيكون قلقهم وخوفهم على مصائرهم، ليس أقل من خوف «الإسرائيليين» والأمريكيين.
أما أهم ما نستطيع تأكيده اليوم، هو أن المستقبل يحمل لنا الكثير من المفاجآت، التي ستؤكد أن دماء أطفال فلسطين، وسورية، واليمن، ولبنان، والعراق، وكل شعوب المنطقة، لن تذهب هدراً، وإن غداً لناظره قريب.

أترك تعليقاً

التعليقات