أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
أدلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بتصريحات لافتة، في توقيتها وظروفها، قال فيها: «موقفنا الثابت والمبدئي، في إنهاء وجود التحالف الدولي، بعدما انتهت مبررات وجوده».
وما أعطى تصريحات السوداني أهمية أكبر، أنه تبعها قرار من الحكومة العراقية، بتشكيل لجنة لبحث جدولة انسحاب قوات التحالف الدولي، الذي تقوده أمريكا من العراق.
الموقف العراقي الهام جداً، جاء على خلفية اغتيال قوات الاحتلال الأمريكي، القيادي في حركة النجباء التابعة للحشد الشعبي «أبو تقي» وأربعة من مرافقيه، في القصف الذي استهدف مقر اللواء الثاني عشر، للحشد الشعبي في بغداد.
السوداني أضاف في تصريحه أن «الحشد الشعبي، يمثلُ وجوداً رسمياً تابعاً للدولة، وخاضعاً لها، وجزءاً لا يتجزأُ من قواتنا المسلحة».
وأضاف: «الحوادث الأخطر، هي التي تكررت لأكثر من مرةٍ في العراق، من خلال قيام قوات التحالف الدولي، باعتداءات ضد مقرات الحشد».
كما ترافق هذا الموقف العراقي، مع تصريحات عدد من القادة في حلف المقاومة، حول الوجود الأمريكي في العراق والمنطقة، حيث قال قائد المقاومة اللبنانية السيد حسن نصر الله في كلمته يوم الجمعة الخامس من الشهر الجاري: «هناك اليوم فرصة للتخلص من وجود القوات الأميركية في العراق، والتخلص من زيف الرواية الأمريكية بمحاربة داعش».
وأضاف: «هناك اليوم فرصة تاريخية أمام العراق، ليغادر المحتلون، الذين سفكوا دماء شعوب المنطقة».
وفي صنعاء، قال عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله محمد البخيتي إن «استمرار الولايات المتحدة، في خيار المواجهة، سيكلفها أخلاقياً وعسكرياً، وسيؤدي إلى إنهاء هيمنتها في المنطقة».
هذه المواقف والتصريحات، وإرفاقها بقرار تشكيل اللجنة العراقية، لبحث جدولة انسحاب «قوات التحالف الدولي» تؤكد أنها ليست لمجرد التعبير عن موقف أو رأي، وإنما بوجود جدية لدى الحكومة العراقية، لتنفيذ هذا القرار، خاصة وأنه ترافق مع إحباط محاولة من البنتاغون الأمريكي، للإيحاء بأن الحكومة العراقية على علم ومشاركة في عملية الاغتيال، حيث نفت خلية الإعلام الأمني بالعراق، تصريح البنتاغون، بشأن التعاون مع بغداد، في الاعتداء على مقر للحشد الشعبي.
كما يمكن اعتبار تزامنها مع تصريحات السيدين نصر الله والبخيتي، قبل وبعد عملية اغتيال «أبو تقي» يؤكد وجود إرادة لدى حلف المقاومة، لتنفيذ القرار المعلن للحلف، بإخراج الأمريكيين من المنطقة.
من وجهة نظر القانون الدولي، فإن مجرد اتخاذ الحكومة العراقية هذا القرار السيادي، يتعين على قوات التحالف الانسحاب، وإلا يصبح وجودها غير شرعي، ويتحول توصيفه بموجب القانون الدولي، من «قوات صديقة» إلى «قوة احتلال» ويتم بالتالي التشريع بشكل رسمي، لعمليات فصائل المقاومة ضد الأمريكيين، ويصبح من واجب الحكومة العراقية، بموجب القانون والدستور، مقاومة الأمريكيين حتى إخراجهم.
وكان البرلمان العراقي، اتخذ في بداية العام 2020 قرارا بذلك، لكن الظروف الإقليمية والدولية، لم تكن مناسبة، لتقوم الحكومة العراقية بتنفيذه، خصوصا بوجود اتفاق مع الأمريكيين يبرر هذا الوجود.
هذه المؤشرات، يمكن اعتبارها تطورا هاما جدا، في عملية صراع الإرادات، الجاري في المنطقة على الساخن والبارد، لتحديد مستقبلها وهويتها وتوجهاتها، بين تحالف العدوان وأدواته في المنطقة، التي تريد السيطرة على المنطقة، وعلى ثرواتها وإرادة شعوبها، وبين المشروع الوطني، لدول ومكونات المنطقة، لتحرير إرادتها، وبناء مستقبلها، بما يتوافق مع مصالحها ومصالح شعوبها، بعيدا عن مشاريع الهيمنة والاستعمار، لدول المنظومة الاستعمارية الصهيونية الأمريكية الغربية.
وما يعطي هذه التصريحات والمواقف، أهمية خاصة، أنها تأتي على خلفية التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، على وقع ما يجري في فلسطين المحتلة، بعد عملية طوفان الأقصى، التي زلزلت كيان العدو الصهيوني، وما تلاها من عدوان صهيوني أمريكي وحشي، على الشعب الفلسطيني، وفشل قادة العدوان، في تحقيق أي من الأهداف التي وضعوها لعدوانهم، مما وضع الأمريكي في موقف حرج جداً، وأوقع الكيان الصهيوني، لأول مرة أمام الاحتمالات الجدية لانهياره وزواله من المنطقة بشكل كامل، مما يفتح الباب واسعا، أمام تغيرات دراماتيكية، في الخريطة الجيوسياسية في كامل منطقة شرق المتوسط وغرب آسيا، والتي تعتبر عبر التاريخ، المؤشر على انهيار وصعود الإمبراطوريات والدول العظمى.
عملية إخراج الأمريكيين من العراق -في حال تنفيذها- لن تكون مجرد خطوة عادية، وإنما ستكون الحجر الأول، في سلسلة من أحجار الدومينو، ذات الأبعاد الإقليمية والدولية، التي ستنهار الواحد تلو الآخر، لمجرد طرد الأمريكيين، وسيسرع من تظهير الخريطة الجيوسياسية، التي تتشكل لتوليد المنظومة الإقليمية والدولية الجديدة، التي ستنقل العالم من مرحلة هيمنة القطب الأمريكي الواحد، إلى العالم متعدد الأقطاب.
بقراءة بسيطة لخريطة المنطقة، يمكن توضيح أهم التداعيات المباشرة، التي ستنتج عن طرد الأمريكيين من العراق ومن أهمها:
- التطور الأبرز، سيكون تسريع انهيار الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، الذي يترنح، وتداعياته الزلزالية في المنطقة.
- خروج الأمريكيين من العراق، يعني خروجهم من سورية، لأن من المستحيل بقاءهم فيها، بسبب انقطاع خطوط الدعم العسكري واللوجستي، عن قواعدهم غير الشرعية في سورية.
- انهيار كل الأدوات الأمريكية في سورية والعراق، وفي مقدمتها تنظيم «داعش»، الذي يستمد وجوده واستمراريته، من الدعم العسكري واللوجستي، من القواعد الأمريكية في العراق وسورية، وكذلك تنظيم قسد، ومشروعه الانفصالي في شمال شرق سورية.
- ضعف موقف الأمريكيين في أماكن تواجدهم في الخليج العربي، وخاصة في قاعدة العيديد القطرية، وتمركز الأسطول الأمريكي في البحرين، وكذلك في الأردن، بسبب تحول المنطقة إلى جو معاد لهم، مما يسهل ويمهد لإمكانية إخراجهم من كامل منطقة غرب آسيا.
- تراجع موقع وموقف السعودية، وتكريس تحول اليمن «المقاوم» إلى قوة إقليمية، بما تمتلك من موقع جيوسياسي، ظهرت أهميته الكبيرة، مع الإجراءات اليمنية، لتنفيذ الحصار البحري على الكيان الصهيوني، حتى يوقف عدوانه على الشعب الفلسطيني.
- انتهاء المشروع الهندي -الأوروبي، الذي أراده الأمريكيون لمحاصرة مشروع الحزام والطريق الصيني.
- تضعضع الموقف الأمريكي الأوروبي في الجبهة الأوكرانية، بسبب ترابطها الوثيق مع التطورات في منطقة شرق المتوسط.
- تحول إيران، إلى إحدى القوى العظمى الرئيسية في المنظومة الدولية الجديدة.
ولأن هذه النتائج والتداعيات، ستكون دراماتيكية، وكبيرة جداً، على كامل الخريطة الجيوسياسية الإقليمية والدولية، فمن غير المتوقع أن تستجيب الإدارة الأمريكية لطلب الحكومة العراقية، بهذه البساطة، وستبذل الكثير من المحاولات والمبررات لمنع تنفيذه، لكن هذا سيحولها إلى قوة احتلال، وسيفتح المجال بشكل رسمي، لانضواء معظم مكونات الشعب العراقي، وحلفائهم الإقليميين والدوليين، لمقاومة الأمريكيين حتى إخراجهم، وليس من الصعب الاستنتاج، أن التجارب السابقة في العراق وأفغانستان، تؤكد أنه من المستحيل على الأمريكيين، البقاء وسط جو رافض لهم، وبوجود فصائل مقاومة، مدربة وخبيرة وقوية، تعمل على إخراجهم.

أترك تعليقاً

التعليقات