انتفاضة المجتمع المدني السوري التصدي لممارسات السلطة والمساهمة في تحديد هوية سورية
- أحمد رفعت يوسف الجمعة , 10 يـنـاير , 2025 الساعة 6:06:35 PM
- 0 تعليقات
أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
كان لافتاً، السرعة الكبيرة والمدهشة، التي تحرك بها المجتمع المدني في سورية، للإعلان عن نفسه، وبدء نشاطاته وتحركاته على مستوى وطني، للتعامل مع التطورات الجديدة، التي نجمت عن الانهيار السريع وغير المتوقع لسلطة الرئيس بشار الأسد.
ما ميز تحرك المجتمع المدني، أنه أظهر حيوية وحضوراً مميزاً، وبدأ يفرض إيقاعه بسرعة، رغم غيابه عن الساحة السياسية والاجتماعية في سورية، منذ ستينيات القرن الماضي، وكان نشاطه مقتصراً على بعض النشاطات الاجتماعية والخيرية.
ورغم أنه لم يمض سوى أقل من شهر على التغيير غير السلمي في سورية، إلا أنه لوحظ سرعة تحرك مختلف فئات وشرائح المجتمع المدني، وفي مقدمتها النخب السياسية والثقافية والاجتماعية، لتنظيم نفسها ضمن مجموعات عقدت لقاءات شخصية، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأت بطرح أفكارها وبرامجها، وهذا دليل على حيوية المجتمع السوري، ونخبه الواعية والمثقفة، والتي تراكم مخزونا فكريا، وثقافياً، ووطنيا كبيرا، جعلها تظهر على الساحة السورية، بهذه السرعة.
ميز الحراك الجديد أمران في غاية الأهمية، الأول أن كل مجموعة تضم شخصيات من كافة مكونات المجتمع السوري، ومن مختلف المحافظات، ولم يتم الإعلان عن أي مجموعة تقتصر في شخصياتها وبرامجها على أي مكون واحد من المجتمع السوري، سواء كان جغرافياً أو دينياً أو عرقياً، والثاني وجود توافق بين معظم مجموعات المجتمع المدني، على أفكار محددة وجامعة، حول هوية سورية المستقبل، على أن تكون دولة مدنية، وحرة وديمقراطية، وفيها فصل للسلطات، ويتم الوصول إليها عبر مؤتمر وطني سوري جامع، تنبثق عنه سلطة انتقالية، ولجنة لوضع الدستور الجديد، تليه إجراء انتخابات عامة، وانتخاب رئيس، وتشكيل حكومة دائمة.
تراوح عمل مجموعات المجتمع المدني، ضمن ثلاثة مسارات:
الأول: ملء الساحة السياسية الفارغة من أحزاب لها حضور شعبي، بسبب غياب حرية العمل السياسي، منذ سيطرة حزب البعث على السلطة، والساحة الحزبية والسياسية في سورية، في ستينيات القرن الماضي، وتهميش بقية الأحزاب، التي كانت تتكون من أحزاب وطنية، وقومية وشيوعية وناصرية وإسلامية.
الثاني: التصدي لممارسات السلطة الجديدة في محاولات الاستفراد بالسيطرة على مؤسسات الدولة السورية، وتعيين الكوادر من لون واحد، وملاحقة الجرائم المتنقلة، التي يقوم بها عناصر السلطة، في العديد من المحافظات السورية، وتوثيق هذه الجرائم، التي تحاول السلطة التبرؤ منها، بوضعها ضمن بند «العمليات الفردية».
الثالث: المساهمة في تحديد هوية الدولة السورية المستقبلية، من خلال مشاركتها في مؤتمر الحوار الوطني، المزمع تشكيله، وفي اللجان التي ستتشكل منه، وفي مقدمتها، اللجنة المكلفة بوضع دستور جديد للبلاد.
برزت أهمية عمل كوادر وتجمعات المجتمع المدني، مع ارتكاب السلطات الجديدة أخطاء جسيمة، ساهمت في الظهور السريع لهويتها ونواياها وأهدافها، بالاستفراد في السلطة، من خلال تشكيل حكومة من لون واحد، يفترض بها قانونياً ودستورياً، أن تكون حكومة مؤقتة لتسيير أمور البلاد، والمحافظة على إدارات ومؤسسات الدولة، بانتظار تشكيل حكومة انتقالية، وفي هذه الحالة، لا يحق للحكومة المؤقتة اتخاذ أي قرارات سيادية، أو تغيير في بنية وهوية الدولة، ومؤسساها وإداراتها، فيما سارعت هذه الحكومة، والمكونة بمعظمها من قادة المجموعات المسلحة، ومن شخصيات موضوعة على اللوائح الدولية والأممية للتنظيمات والشخصيات الإرهابية، للاستفراد بكل شيء، وبتغيير هوية مؤسسات الدولة وإدارتها، وتشكيلها بمعظمها من نفس لون الحكومة، ومنها منح رتب عسكرية عالية، لشخصيات من جنسيات أجنبية، موجودة على قوائم الإرهاب الأممية وأصبحت من قيادات وزارة الدفاع السورية، مما أثار استياء معظم مكونات المجتمع السوري.
ورغم حداثة نشاطها، فقد تمكنت مجموعات المجتمع المدني، من التأثير على السلطات الجديدة، في عدة أمور، أبرزها التراجع عن القرارات والتعديلات في الكتب والبرامج التربوية.
عن هذا النشاط المميز للمجتمع المدني السوري، قالت الناشطة دعد قنوع للصحيفة: «يبدو هذا الحراك المجتمعي المدني متضامنا متعاضدا، على قلب واحد، متجها بوعي التغيير الجذري الشامل، في بناء سوريا الغد، بوحدة وطنية فطرية، من أجل سوريا الوطن، لجميع السوريين، مبادرين للم الشمل، والبحث في إمكانية التواصل مع السلطة الجديدة، للتصدي للتجاوزات، التي تؤخر أي عمل تشاركي، تأسيسي نهضوي، من ضرورة التشاركية في رسم هوية سوريا المستقبل، لتكون مدنية، ترتقي بشعبنا الذي صبر وعانى ما عاناه في الوطن والشتات، على وعد بتحقيق العدالة الانتقالية».
الناشط الإعلامي محمود موالدي، يرى أن «واقع المجتمع المدني في سوريا، يحتاج إعادة هيكلة، تتناسب والتحول المفروض، وتتماشى مع المتغيرات، فالمجتمع المدني، هو الناطق الحي للمجتمع المتعدد، والمجرد من كل شوائب السلطة، ومؤسساتها المسيسة، فيما كنا نشهد انكماشاً ملحوظاً في العمل المدني المستقل، نظرا للواقع الفوضوي، وانعدام حرية الرأي والتعبير».
أما الدكتور حسام الدين خلاصي، الأستاذ في جامعة تشرين، فيرى أن «المجتمع المدني، مصطلح ضروري، وبات عالمياً، ويساهم بإيجابية في تصويب القرارات الوطنية، المتعلقة بمناحي تطوير الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية».
ويضيف الدكتور خلاصي: «الأحزاب أو الجمعيات أو التيارات الدينية، لا يمكن أن تنهض بأي بلد لوحدها، ومن هنا تأتي أهمية هيئة المجتمع المدني، الذي يخلق حالة حوار وطنية دائمة، وسلطة رقابة شعبية ومسؤولة، تعتمد مبدأ الشراكة، أو مبدأ النقد الإيجابي، بدون أي تحزب أو تعصب.. ولهذا تحتاج هيئة المجتمع الوطني، لمؤتمر يجمع شملها، لتحدد دورها بموضوعية، ولتكون نافذة التلاقي مع هيئات المجتمع المدني الدولية».
ومع هذا النشاط المميز، يتوقع أن تسفر هذه التحركات، في وقت لاحق، عن تبلور الأفكار والبرامج لهذه المجموعات، وأن يتم بشكل تلقائي، اندماج المجموعات المتشابهة، في تفاصيل أفكارها، وبرامجها، لتشكيل أحزاب وطنية، وفرز قيادات سياسية جيدة، يكون لجيل الشباب دور كبير فيها، لقيادة العمل السياسي والحزبي، في سورية المستقبل.
المصدر أحمد رفعت يوسف
زيارة جميع مقالات: أحمد رفعت يوسف