أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
لن يكون هناك اتفاق بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني قبل حلول شهر رمضان المبارك، وهو ما تحاول ادارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تحقيقه.
فالفجوة كبيرة، وأبعد مما يحدث في فلسطين المحتلة. وهناك بلوكات عند الجانبين من الصعب إزالتها بمثل هذه المفاوضات العبثية، خاصة وأنها لا تتم لهدف وقف العدوان، وإنما لأهداف ومصالح لا علاقة لها بالصراع، حتى ولو كانت على حساب دماء وأرواح الشعب الفلسطيني.
فإدارة بايدن تلهث وراء هذه المفاوضات لأن ارتداداتها تؤثر سلبا في أكثر من اتجاه، وهذا ما يظهر في الانتخابات الأولية للرئاسة الأمريكية، حيث يؤثر موقف بايدن المؤيد بشكل أعمى للعدوان، على فرصه للفوز في الانتخابات.
كما أن التحول في الرأي العام الأمريكي والأوروبي والعالمي، المناهض للعدوان، هو تحول حقيقي، وهو ما أظهرته عملية حرق الجندي الأمريكي آرون بوشنيل لنفسه، احتجاجا على الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني بمشاركة أمريكية مباشرة، والذي ساهم في أيقاظ الراي العام الأمريكي، وأسقط الرواية الأمريكية و"الإسرائيلية" للعدوان.
وإضافة إلى ذلك، فأنظمة التطبيع العربية تستعجل التوصل إلى اتفاق، أكثر من الإدارة الأمريكية، ليس لإنقاذ الشعب الفلسطيني، وإنما بسبب ما يشكله استمرار العدوان، والإجراءات الصهيونية في الأقصى، خلال شهر الصيام، من إحراج حقيقي لهذه الأنظمة.
وفي الوقائع السياسية والميدانية، فإن نتنياهو ليس له مصلحة في إنجاز اتفاق، لأن حكومته ستسقط فور موافقته على أي اتفاق، بسبب موقف شركائه في الحكومة، المعارضين حتى لإجراء المفاوضات.
كما أن حكومته ستتعرض، فور توقف القتال، إلى سلسلة من التحقيقات والاتهامات بالفشل في منع عملية "طوفان الأقصى"، وفي إدارة العدوان، كما سيعاد فتح ملفات الفساد بحق نتنياهو.
لهذه الأسباب، يحاول نتنياهو المناورة والتفاوض وكأنه منتصر في الحرب، لأهداف تتعلق بصراعاته الداخلية، وتقديم نفسه للرأي العام كمنقذ ومنتصر، فيما الوقائع الميدانية ليست كذلك، رغم شراسة العدوان.
أما المقاومة فهي لن تكون على استعداد لمنح نتنياهو انتصارا في التفاوض فشل عن تحقيقه في الميدان، وهي لن توافق على أي اتفاق لا يوقف العدوان بشكل كامل، ويتعهد بتدفق الإمدادات الغذائية والحياتية، وبإعادة الأعمار، والإفراج عن الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال.
كما أن ملف التفاوض، من جانب المقاومة اليوم، ليس بيد الجناح الإخواني في حركة حماس، برئاسة إسماعيل هنية وخالد مشعل، المنخرط مع أنظمة التطبيع، ومن الممكن أن يوافق على اتفاق تفرضه هذه الأنظمة، وإنما هو بيد الجناح المقاوم داخل قطاع غزة، برئاسة يحيى السنوار ومحمد الضيف. كما أنه ليس بيد حماس بالكامل، وإنما هناك فصائل أخرى مقاومة، وفي مقدمتها الجهاد الإسلامي، المنخرطة مع محور المقاومة، ولها تأثير لا يقل عن حماس.
مع هذا الانسداد في الأفق، تؤكد الوقائع الميدانية أن ما يجري هو صراع إرادات شرس، له امتدادات إقليمية وعالمية، أبعد بكثير مما يجري في قطاع غزة وفلسطين المحتلة، ومرتبط مباشرة بمحاولات رسم الخارطة الجيوسياسية، التي ستحدد توازنات القوى والقوة، في المنظومة الإقليمية والدولية التي تتشكل على الساخن والبارد.
الوضع في فلسطين المحتلة اليوم يضع الجميع في أزمة حقيقية، والعض على الأصابع يشتد، والكل يتألم، ومن يصرخ أولاً سيدفع كل شيء، ومن يمتلك إرادة الصمود والاستمرار سيكون المنتصر في هذا الصراع الشرس.
في استعراض للمواقف والوقائع على الأرض، يظهر بوضوح أن أزمة الكيان الصهيوني، والموقف الأمريكي، وأنظمة التطبيع، في وضع أصعب.
فحكومة نتنياهو في أزمة إذا أوقفت العدوان، وفي أزمة أكبر إذا استمرت في العدوان، وهذا الاستعصاء يعكس أزمة وجودية للكيان، أكثر مما هي أزمة لحكومة نتنياهو.
والإدارة الأمريكية بدأت تتلمس نتائج مواقفها وانحيازها الأعمى للكيان الصهيوني، في الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية، وفي تحولات الرأي العام المحلي والعالمي، والأخطر فيما يجري في البحر الأحمر وخليج عدن، والذي يؤثر بشكل استراتيجي على موقف ومكانة الولايات المتحدة التي تبدو عاجزة عن مواجهة اليمن المقاوم، فكيف ستواجه الصين في صراعها على قيادة السياسات والاقتصاديات العالمية، وفي صراعها مع روسيا في أوكرانيا وأوروبا؟!
أما المقاومة الفلسطينية، ومن ورائها في محور المقاومة، وظهيرها الاستراتيجي في الصين وروسيا، فيبدو أنها تمتلك قدرة أكبر على الصمود والمناورة، رغم شراسة العدوان، وعدد الضحايا، وهو ما تظهره في تصديها للعدوان، وفي مواقفها التي تعلنها، حول وقائع الميدان والمفاوضات.
وفي نقاط الاشتباك الأخرى، وخاصة في جنوب لبنان والبحر الأحمر، فيبدو واضحاً أن المقاومة أعدت العدة لمعركة طويلة، وبنفسٍ طويل ومتدرج، وهو ما تظهره مواقف أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، والقائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في اليمن، وتترجمه المقاومة في الميدان، بتصعيد المقاومة اللبنانية وتيرة الاشتباك مع الكيان الصهيوني، وتوسيع نطاق استهدافاتها لمواقع العدو، إلى مواقع أبعد وأعمق داخل الكيان الصهيوني، وما يظهره أيضا اليمن (المقاوم) الذي يتوعد الأمريكيين وحلفاءئهم بمفاجآت لن يتوقعونا، وربط هذه التهديدات بوقائع ميدانية تؤكد مصداقيتها، بزيادة استهداف السفن الحربية الأمريكية والبريطانية، والسفن التجارية المتوجهة إلى الكيان الصهيوني، وهو ما وضع الأمريكيين في موقف استراتيجي صعب وحساس لم يتردد كبار المسؤولين العسكريين بالحديث عنه، وعن المفاجآت التي لم يكونوا يتوقعونها في اليمن.
كما أن فصائل المقاومة في العراق وسورية، التي خففت وتيرة استهدافها للمواقع الأمريكية، بعد عمليتها الموجعة للأمريكيين في الأردن، وبربط هذه التهدئة بمفاوضات لإخراج الأمريكيين من العراق وسورية، فمن المتوقع أن لا يستمر هذا التوقف مع تصعيد العدوان، وتأكيد الأمريكيين أنهم لن ينسحبوا من العراق وسورية، خاصة وأن قادة محور المقاومة يؤكدون أن أي محاولة "إسرائيلية" أو أمريكية لتجاوز قواعد الاشتباك قد تؤدي إلى توسيع حقيقي للحرب، سيكون الحلف الأمريكي الصهيوني الخاسر الأكبر فيه.
كما أن انعكاس هذا الصراع على نقاط الاشتباك العالمية، في أوكرانيا وعموم أوروبا وبحر الصين، يجعل الولايات المتحدة وحلفها العدواني بوضع أصعب، وأقل قدرة على المناورة والاستمرار، وإطالة مدة العدوان والحرب.
كل هذه الوقائع تؤكد أن الصراع سيطول أكثر من المتوقع، والضغط على كل الأطراف سيزداد، ولا بد من انكسار طرف، أو استمرار الصراع، بانتظار نضج المواقف، لإنجاز ترتيبات إقليمية ودولية تعكس توازنات القوى والقوة الحقيقية على الأرض، وهو ما يعني الانتهاء من مرحلة القطب الواحد برأسه الأمريكي، والانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب، وهو ما يبدو غير ناضج لإنجازه حتى الآن.
وأياً كانت المسارات التي سيتخذها الصراع، فإن الوضع في المنطقة والعالم، ما بعد معركة "طوفان الأقصى"، لن يكون كما قبلها.

أترك تعليقاً

التعليقات