أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
نفذ الكيان الصهيوني عدواناً جديداً على سورية، واستهدف هذه المرة مبنى في منطقة المزة في دمشق، والتي تضم سفارات ومواقع رسمية وأمنية وعسكرية سورية.
أسفر عن العدوان استشهاد خمسة قياديين في الحرس الثوري الإيراني، بينهم مسؤول استخبارات فيلق القدس في سورية، الحاج صادق أوميد زادة، ونائبه الحاج محرم، والقيادي في الحشد الشعبي العراقي "أبو منتظر" وعناصر إيرانيون وسوريون آخرون.
المعلومات أكدت أن مهمة المجموعة كانت تأمين تواصل خط "طهران - بغداد - دمشق - بيروت"، ونقل الأسلحة إلى المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة.
في الشكل، يبدو العدوان الصهيوني الجديد واحدا من عشرات الاعتداءات المستمرة منذ سنوات على مواقع عديدة في سورية، والتي تستهدف بشكل خاص ما يقول الكيان الصهيوني إنه مواقع لفصائل من المقاومة، وخطوط إمدادها، أو شخصيات قيادية من المقاومة.
أما في الجوهر، فالعدوان الصهيوني الجديد يختلف كثيرا عن غيره من الاعتداءات السابقة، لعدة أسباب، أهمها:
 أنه يحمل روح التحدي، وحرب مخابرات ومعلومات بين إيران والكيان الصهيوني، بعد عمليات الاغتيال التي نفذها الكيان لعدد من قيادات محور المقاومة، في دمشق وبيروت وبغداد، والعمليات الإرهابية التي نفذت في قلب إيران، خلال مراسيم إحياء ذكرى استشهاد اللواء قاسم سليماني، والرد الإيراني بضرب موقع الموساد الصهيوني في كردستان العراق، ومواقع لجماعات إرهابية في إدلب السورية، وفي باكستان، وبعد تبني إيران عمليات استهداف سفينتين صهيونيتين في المحيط الهندي.
يأتي العدوان الجديد والأوضاع متفجرة في فلسطين المحتلة، وعلى الحدود اللبنانية مع الكيان الصهيوني، وفي اليمن، الذي يفرض حصاراً بحرياً على الكيان الصهيوني، وفي العراق حيث توجه فصائل المقاومة ضربات موجعة للتواجد الأمريكي في العراق وسورية، وتضرب مواقع صهيونية، بالإضافة إلى ما يجري في الميدان السوري.
يتزامن العدوان، مع صراع إرادات شرس بين العدو الصهيوني وإيران، في حين يجري الحديث عن مخارج للوضع في فلسطين المحتلة، ومحاولة حلف العدوان الأمريكي الصهيوني وبعض العربي أن تقوم هذه الحلول على أساس الحد من النفوذ الإيراني، وضرب وإضعاف فصائل المقاومة، في فلسطين والمنطقة.
هذه الأجواء تجعل من المؤكد أنه سيكون هناك رد إيراني على العملية الصهيونية في دمشق؛ لأن المبدأ الذي سارت عليه إيران وسورية ومحور المقاومة، خلال المرحلة الماضية، بما يسمى "الصبر الاستراتيجي.. والاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين"، لم يعد صالحاً مع هذه التطورات الجديدة في المنطقة.
هذا يؤكد أن السؤال اليوم ليس عما إذا كانت إيران سترد أم لا، وإنما: أين؟ وكيف؟ وهذه الأجواء هي التي يعيشها الكيان الصهيوني بعد العدوان، وتجمع عليه وسائل الإعلام الصهيوني، والخبراء السياسيون والأمنيون.
هناك تساؤلات عن موقف ووضع سورية مع هذه الاعتداءات، ولماذا لا ترد هي بشكل مباشر على الكيان الصهيوني؟! وليس سراً أن هذه التساؤلات بدأت تكبر حتى في الشارع السوري.
الرد على هذه التساؤلات ليس من باب محاولة إيجاد المبررات، أو الأعذار، وإنما من خلال نظرة موضوعية وهادئة للوضع في سورية، ولقواعد الاشتباك في المنطقة، حيث إدارة المعارك والصراعات تتطلب عقلاً بارداً وحكمة، وليس الانجرار وراء العواطف، وردود الأفعال المتهورة، وغير المحسوبة.
فسورية اليوم محاطة بسوار من الأعداء، وفي وضع ميداني غير مريح، حيث الاحتلال الأمريكي في التنف، على الحدود السورية مع العراق والأردن، ويسيطر على مناطق واسعة في المناطق الشمالية الشرقية، بالتعاون مع عملائه من "قسد"، وبعض المجموعات الانفصالية والإرهابية، وهذه المنطقة تضم الثروات الاستراتيجية لسورية، وفي مقدمتها النفط والغاز والقمح، والعدو التركي يسيطر مع عدد من المجموعات الإرهابية التي يديرها على إدلب وبعض مناطق الشمال السوري، والكيان الصهيوني يحتل منطقة الجولان الاستراتيجية، كما أن العصابات الإرهابية، وفي مقدمتها "داعش" و"النصرة"، لا تزال موجودة وقوية في المناطق التي يتواجد بها الأمريكيون والأتراك، وتلاقي دعماً غير محدود منهم، وهي جاهزة للتحرك فور تلقيها الأوامر من مشغليها.
لكن هذا الوضع لا يعني أن سورية لا ترد على اعتداءات العدو الصهيوني، أو أنها خارج إطار هذا الصراع، فهي حاضرة في قلب المعركة، وتقوم بالرد القوي على الكيان الصهيوني، بما تقتضيه الأوضاع في سورية، وظروف المعركة، وضرورات الوضع الميداني.
فسورية كانت وستبقى قلب محور المقاومة وعموده الفقري، وهي التي تقوم بتزويد المقاومة اللبنانية والفلسطينية بالسلاح، وتشكل العمق الاستراتيجي، لكل فصائل وأطراف حلف المقاومة.
كما أن العمليات التي تنسب لفصائل المقاومة العراقية ضد المواقع الأمريكية في سورية والعراق لا يمكن أن تتم لولا التعاون السوري الكامل مع هذه الفصائل، وتؤمّن لها المساعدات اللوجستية والمعلوماتية. كما أن فصائل المقاومة المتواجدة في سورية شريكة في هذه العمليات، وإن لم يكن يعلن عنها بشكل واضح، مراعاة لخصوصية الوضع السوري.
وعدا عن تفاصل العملية ونتائجها، فهي تؤكد أن الأوضاع في المنطقة ذاهبة إلى مزيد من التصعيد وتمدد المواجهات، وتنذر بتدحرجها إلى مواجهة شاملة، خاصة مع انسداد الأفق لإيجاد مخارج مقبولة للوضع في قطاع غزة.
فالتصعيد الصهيوني يؤكد أن القرار اليوم للرؤوس الحامية في الكيان الصهيوني، والتي ترى أن من مصلحتها توسيع نطاق الحرب، حتى لو لم تكن مضمونة النتائج، لأسباب عديدة، أهمها وجود مصلحة عند رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالتصعيد، لأنه يدرك أن السيوف ستتكاثر عليه فور وقف الحرب، لمحاسبته على ما يصفونه بمسؤوليته عن الفشل الذريع في عملية "طوفان الأقصى"، وفي تحقيق أي هدف استراتيجي من العدوان الصهيوني على قطاع غزة، إضافة إلى أن تحقيقاً ينتظره بتهم الفساد، فور توقف القتال، وهناك إجماع على أن السجن سيكون مصيره المؤكد.
يضاف إلى ذلك سيطرة النظرة الدينية على الصراع، وهو ما نراه عند اليمين الصهيوني المتطرف، المشارك في حكومة نتنياهو، ممثلاً بوزير الأمن الصهيوني "بن غفير" الذي يهدد بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها فور موافقتها على وقف العدوان، أو –كما يصفه– الرضوخ لمطالب المقاومة.
كما أن هذا الموقف له من يؤيده في الإدارة الأمريكية، التي تأكد أنها شريك رئيسي في إدارة العدوان على الشعب الفلسطيني وعموم المنطقة؛ لأن أي خسارة استراتيجية للكيان الصهيوني تعني خسارة استراتيجية لأمريكا، وهؤلاء يدركون أن الولايات المتحدة تشهد تراجعاً متسارعاً في مكانتها وقوتها، وفي حال خسرت مع الكيان الصهيوني هذه المعركة فيعني عجزها عن خوض معاركها الرئيسية مع الصين في تايوان، وفي صراعها معها على الزعامة الاقتصادية والسياسية للعالم، ومع روسيا في أوكرانيا، وما يعني ذلك من تغير دراماتيكي في الخريطة الجيوسياسية الأوروبية.
وسط هذا الصراع وتداعياته الإقليمية والدولية، يمكن التأكيد أن ما يجري اليوم هو أكبر وأعمق بكثير مما يبدو على السطح، لتؤكد التطورات علاقته المباشرة بالصراع الذي يجري في العمق لتحديد التوازنات وموازين القوى والقوة في المنظومة الإقليمية والدولية، التي تتشكل على الساخن والبارد، والذي يعتبر صراع وجود لبعض الأطراف، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني.

أترك تعليقاً

التعليقات