أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
فتح العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن الصراع في المنطقة على آفاق واسعة لتطور هذا الصراع وانتقاله إلى مرحلة جديدة كانت متوقعة لكن بغير ما يريده تحالف العدوان الأمريكي البريطاني الصهيوني.
تقييم العدوان وتأثيره وتداعياته لا يصح أن يكون في ما حققه من أضرار مادية وبشرية مباشرة في المواقع اليمنية المستهدفة، وإنما في ما يليه من تداعيات، سواء من اليمنيين أم من حلفائهم، وفي تأثيره على مجريات الصراع في المنطقة، خاصة في فلسطين المحتلة.
فالعدوان الجديد ينقل الصراع في المنطقة التي تمر منها أهم خطوط نقل الطاقة وسلاسل التوريد العالمية، إلى مرحلة أعلى وأخطر، ويفتح الباب واسعاً أمام توسع نطاق الاشتباكات، ودخول أطراف إقليمية ودولية فيها، بشكل مباشر أو غير مباشر.
كما أنه ينقل الصراع إلى الرأس مباشرة، حيث تؤكد الأحداث منذ عملية «طوفان الأقصى» أن الأمريكيين هم من يقودون ويديرون الصراع ويتحكمون بمجرياته وإيقاعاته.
هذه المخاوف والتحذيرات أوردتها حتى الأجهزة الرسمية في دول العدوان، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، حتى امتلأت بها وسائل الإعلام الأمريكية والغربية وحتى وسائل إعلام الكيان الصهيوني.
فالبنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) قالت في بيان رسمي إن «المخاوف من اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط هي إحدى القضايا الرئيسة التي يتم التشاور بشأنها».
كما نقلت وسائل إعلام صهيونية أن «البنتاغون تعقد مشاورات أمنية عاجلة بشأن توسّع المواجهة في أنحاء الشرق الأوسط إلى مواجهة شاملة، كأحد المواضيع المهمة التي يجري الحديث عنها».
كما أكدت وكالة «بلومبرغ» الأمريكية أن «التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة وحلفاؤها في اليمن، هو كيفية تحقيق التوازن بين الحاجة إلى ردع المزيد من الهجمات، وخطر إشعال صراع أوسع في الشرق الأوسط».
وأكدت الوكالة أن «ردع صنعاء لن يكون بالأمر السهل، فقد نجحت في الصمود في وجه الحملة العسكرية التي قادتها السعودية للإطاحة بها ولا تزال راسخة بقوة».
أما أكثر المحذرين فقد كانت وسائل الإعلام الصهيونية والمسؤولين الأمنيين والسياسيين السابقين والمحللين السياسيين في الكيان.
هذا التناقض الكبير بين العدوان والمخاوف من تداعياته لم يأتِ من فراغ، وإنما يؤكد وجود أزمة عميقة في قدرة الولايات المتحدة على التوفيق بين أهدافها بالحفاظ على مكانتها كقوة عظمى تتحكم بالسياسات والاقتصاديات العامية وتحقيق هذه الأهداف.
ففي قراءة موضوعية للأجواء في المنطقة، التي أوصلت إلى تنفيذ هذا العدوان، وما هو متوقع بعده، يمكن التأكيد أن الأمريكيين والبريطانيين، ومعهم الصهاينة، ليسوا في وضع مريح؛ لسببين رئيسين:
الأول: أنهم وجدوا أنفسهم مرغمين على القيام بهذا العدوان؛ لأن السكوت على التوازنات الجديدة في المنطقة، بعد عملية «طوفان الأقصى»، ودخول اليمنيين ساحة الصراع، معناه إقرار أمريكي صهيوني بالعجز عن مواجهة الوضع، وخاصة الإجراءات اليمنية، وعن تحقيق أي من الأهداف التي وضعوها لعدوانهم في فلسطين المحتلة، وهذا معناه إقرار رسمي بخسارة المعركة، مع ما يعني ذلك من تداعيات جيوسياسية على الكيان الصهيوني، وعلى موقف ومكانة الولايات المتحدة وفي صراعاتها مع الأعداء الاستراتيجيين، وخاصة الصين روسيا.
والثاني: أن العملية تهدد باتساع نطاق وساحات الصراع، ودخول أطراف إقليمية دولية، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، وهو ما يخشاه الأمريكيون والصهاينة.
فاليمنيون أعلنوها صراحة، منذ بداية العدوان، على لسان العميد يحيى سريع، الناطق بلسان القوات المسلحة اليمنية، أنه سيكون هناك رد مباشر على العدوان، وكل الدلائل والمؤشرات تؤكد أنهم يمتلكون من وسائل الرد ما يجعلهم قادرين على توجيه ضربات ستضع الأمريكيين والبريطانيين والعدو الصهيوني في موقف حرج، خاصة في حال نجاحهم في ضرب هدف كبير لهم.
كما أن الردود التي أعلنتها كافة أطراف محور المقاومة أكدت أن المحور لن يترك اليمنيين وحدهم في وجه الأمريكيين، وأن الرد على العدوان لن يكون فقط في الساحة اليمنية، وإنما سيكون أيضاً في كافة ساحات الاشتباك الأخرى.
كما سيشمل الرد على العدوان الأمريكي أطرافاً إقليمية ودولية فاعلة ووازنة ولها مصلحة مباشرة في كسر العدوان الأمريكي، بشكل مباشر أو غير مباشر.
فقد أعلن الإيرانيون الاستنفار العسكري. كما أن الروس والصينيين، الذين يبدو أنهم أكثر المستفيدين من غوص الأمريكيين في تشابكات «الشرق الأوسط» والخليج، وكان ذلك سبب عدم ممانعتهم تمرير قرار عبر مجلس الأمن الدولي يعطي الضوء الأخضر للتورط الأمريكي، لن يوفروا كل ما يمكنهم تقديمه من الدعم اللوجستي والاستخباراتي لليمنيين، ولكافة أطراف محور المقاومة، وبما يمكنهم من مواجهة الأمريكيين.
هذا يؤكد أن الهدف، الذي تحاول الولايات المتحدة وبريطانيا اعتباره عملية محدودة، سيفشل وستكون له آثار وتداعيات كبيرة تجعل الأحداث مفتوحة على كل الاحتمالات.
هذا يجعل التساؤل مشروعاً عن طبيعة الردود على العدوان وأين ستكون ساحاته.
• من المتوقع أن تشكل القواعد والمقرات الأمريكية في سورية والعراق أهدافاً رئيسية لأطراف محور المقاومة، خاصة أن الاشتباك مع هذه القواعد قائم، منذ علمية «طوفان الأقصى».
• كما يتوقع أن تساهم التطورات الجديدة في المزيد من المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، ودخول الضفة الغربية ساحة الصراع إلى جانب قطاع غزة.
• كما أن المجال سيصبح مفتوحاً أكثر أمام المقاومة اللبنانية، لتزيد وتيرة عملياتها ضد الكيان الصهيوني، وبالتأكيد سيكونون حاضرين، وإن كان بشكل غير مباشر، في أي عملية لاستهداف الأمريكيين، في كل ساحات الصراع.
• ويمكن أن يضاف إلى ذلك أن التطور الجديد سيزيد حرج موقف أدوات وحلفاء أمريكا والكيان الصهيوني في المنطقة، وهو ما منع كل هذه الأطراف -باستثناء البحرين- من المشاركة المباشرة في العدوان على اليمن، وإن كانوا غير بعدين عنه وموافقين عليه، ومشاركين فيه، وإن كان بشكل غير مباشر.
هذا يؤكد أن الوضع في المنطقة يسير إلى مزيد من التصعيد، وقد نصل إلى مرحلة فتح الساحات كلها أمام التصدي المباشر للأمريكيين، وصولاً إلى تنفيذ القرار الاستراتيجي لمحور المقاومة، بإخراجهم من سورية والعراق، وكامل منطقة غرب آسيا.
ومع هذه التطورات التي فتحها العدوان الأمريكي البريطاني يمكن التأكيد أن التاريخ سيكتب أن الولايات المتحدة ارتكبت الخطيئة الكبرى في المنطقة التي كانت على مدى التاريخ المؤشر إلى صعود وانهيار الإمبراطوريات، وأنها انزلقت في هذا العدوان لتسرع انتهاء دورها كقوة عظمى وقطب وحيد في العالم، والانتقال إلى العالم متعدد الأقطاب، وانتهاء دور أوروبا، وخاصة بريطانيا وفرنسا، المؤثر في التوازنات الإقليمية والدولية.

أترك تعليقاً

التعليقات