تساؤلات حول الاستدارة التركية
 

أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
كنت أعرف عن تحولات في موقف النظام التركي من سورية، وكتبت عن ذلك عدة مقالات، لكنني متفاجئ من حجم الاستدارة التركية، ومن درجة الاستجداء التركي للتصالح مع سورية، وهذا ما يؤكده كلام مدير مركز الدراسات الفكرية في إسطنبول، الدكتور باكير أتاجان، المقرب من النظام التركي، الذي يقول: «الرئيس أردوغان مستعد للقاء الرئيس الأسد في أي مكان يريده حتى لو كان في دمشق».
ويقول أيضا: «تركيا وسورية تتمتعان بحدود مشتركة كبيرة جداً، ومن غير المنطقي ألا نكون أصدقاء وحلفاء، وإلا فإن البلدين لن ينعما بالاستقرار».
ويقول: «أردوغان منذ 2018، وهو يرسل الإشارات للرئيس الأسد بأنه مستعد للحوار؛ لكن هنالك دولا وأطرافا ثالثة لا تريد هذا التقارب».
ويقول: «تركيا تطلب أن تجلس مع سورية وجهاً لوجه بعيداً عن أي طرف، ولا مانع لدينا من الاتفاق على أي بنود تريح الجانب السوري بالمفاوضات».
ويقول: «الرئيس التركي ووزيرا الخارجية والدفاع أكدوا مراراً وتكراراً ألا أطماع لدينا بالأراضي السورية، ومسألة الانسحاب التركي من سورية لا مشكلة فيها؛ لكن يجب أولاً الجلوس والاتفاق على بعض الأمور التي تهم الأمن القومي للبلدين».
من الواضح جدا أن كلام أتاجان يتجاوز حدود التجاوب التركي مع الوساطات الروسية والعراقية للمصالحة بين البلدين، ويتجاوز أيضا حدود السعي الطبيعي للمصالحة مع سورية، وهذا لا يمكن تفسيره إلا بأحد أمرين:
الأول: وجود تحركات ومواقف وراء كواليس السياسات الدولية، وتحديدا الأمريكية، تستشعر منها تركيا خطرا حقيقيا على أمنها القومي.
الثاني: قراءات تركية للأوضاع في المنطقة، على ضوء الصراع الجاري مع الكيان الصهيوني، في كافة ساحات وميادين القتال، تنذر بتطورات متسارعة، وبالتأكيد لم تكن تركيا لتقوم بهذه الانعطافة الكبيرة واستعجالها المصالحة مع دمشق لو لم تكن قراءتها متشائمة حول مستقبل الكيان الصهيوني والوجود الأمريكي في المنطقة وتداعيات ذلك على دورها ومكانتها ومستقبلها.
كل هذه التطورات تؤكد قراءتي التي كتبتها في عدة مقالات لمستقبل تركيا، وهي أنها مقبلة على أوضاع صعبة وستدفع غالياً ثمن مواقفها وقراءتها الخاطئة للوضع الجيوسياسي في المنطقة، منذ انخرطت في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تولى فيه رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان منصب نائب المدير التنفيذي للمشروع الذي أنعش أحلامه العثمانية الجديدة التي أرادها من باب تسليم المنطقة للإخوان المسلمين واعتبار نفسه خليفة جديدا للمسلمين، فكان انخراطه في مواقفه العدوانية في حراك الربيع العربي، وخاصة في العدوان الشرس على سورية، ليستكمل خطأه هذا بخطأ لا يقل خطورة عنه في موقفه من العملية الروسية في أوكرانيا.
الأخطاء التركية القاتلة ستحول الموقع الجيوسياسي الهام لتركيا من نعمة إلى نقمة، حقيقة يبدو أن أردوغان بدأ يلمسها.
وكما كانت أوهامه بالعثمانية الجديدة تبدأ من البوابة السورية، بدأ يلمس أن خلاصه سيكون من البوابة السورية.
ومع أن قراءته هذه صحيحة؛ لكن حجم الخطأ التركي أكبر من أن يستطيع تداركه باستدارته نحو سورية. والقادم من الأيام ينبئ بالكثير من التطورات. ولننتظر.

أترك تعليقاً

التعليقات