أحمد رفعت يوسف

دمشق/ أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
دائما كان الجنوب السوري حيث الحدود مع الكيان الصهيوني، هو بوابة محاولات استهداف سورية، ودائماً فتش عن الأيادي الإسرائيلية.
هذا ما كان في بداية العدوان على سورية عام 2011 الذي انطلق من محافظة درعا، تحت ستار مطالب معيشية، وانتهى بداعش والقاعدة وقسد، ومجموعات عملاء ومرتزقة، من أكثـر من ثمانين بلدا في العالم، وبحرب طاحنة مدمرة، لاتزال مستمرة على مدى أكثـر من اثني عشر عاماً، وليتأكد أن وراءها مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الأمريكي الصهيوني، الذي استهدف السيطرة على سورية وإسقاطها كدولة، والانطلاق منها للسيطرة على كامل المنطقة، وعلى ثرواتها وإرادة شعوبها.
تمكنت سورية، ومن ساندها من حلفاء وأصدقاء من صد العدوان، وبشكل لم يكن يتوقعه قادة مخطط «الشرق الأوسط الجديد»، لكن المخطط لم ينكسر بشكل نهائي، لنراه يطل علينا اليوم بخطط جديدة، ومن الجنوب أيضاً، وهذه المرة من السويداء المجاورة لدرعا.
مجموعات متظاهرين في السويداء، خرجوا إلى الشارع يرددون شعارات ومطالب معيشية، بعدما وصل الأمر عند عموم الشعب السوري، إلى مرحلة صعبة وضائقة خانقة، وصلت حد الجوع عند شريحة كبيرة من المجتمع، بسبب حصار أمريكي وغربي خانق، وسرقة لثروات الشعب السوري من النفط والغاز والقمح، والأصعب ترافق ذلك مع حالة فساد وسوء إدارة في مؤسسات الدولة، التي تتخذ اليوم كحصان طروادة، الذي يدخل منه الأعداء وعملاؤه ومرتزقته، للنيل من الدولة السورية.
وكما كان عليه الأمر في درعا عام 2011 سرعان ما ظهر مسلحون وملاحقون بين المتظاهرين، وتم رفع شعارات ومطالب، تتجاوز المطالب المحقة التي يشكو منها الناس، في مقدمتها تطبيق قرار مجلس الأمن (2245).
وزيادة على ذلك، فالحراك في السويداء، سبقه استنفار للوحدات العسكرية الأمريكية في العراق، وفي قاعدة التنف، عند مثلث الحدود السورية مع العراق والأردن وفي مناطق شرق الفرات، وترافق ذلك مع اعتداءات إسرائيلية متكررة، في مخطط أبعد حتى من الميدان السوري، ويستهدف تحقيق عدة أهداف أمريكية وإسرائيلية أهمها:
- قطع طريق طهران بغداد دمشق بيروت، بهدف استحكام الحصار على سورية، وقطع خطوط إمداد المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
- مشاغلة القيادة السورية والجيش، عن أي تفكير بعمل عسكري، بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء، لإخراج القوات الأمريكية من التنف وشرق الفرات، حيث كل الدلائل تشير إلى مثل هذه الاستعدادات.
- محاصرة المقاومة اللبنانية، بهدف إراحة الكيان الصهيوني، الذي يعيش هاجس جاهزية المقاومة، لصد أي عدوان إسرائيلي.
- محاولة تحجيم الدور والنفوذ الإيراني، ووقف عمليات التقارب العربي الإيراني.
- مشاغلة الروسي، عن فتح جبهة موازية للجبهة الأوكرانية، تؤدي إلى فشل أمريكي جديد، بعد فشل الهجوم الأوكراني ضد القوات الروسية.
أما أخطر ما تم الكشف عنه في التحرك الجديد، أنه يأتي تنفيذاً لسيناريو متدرج، وضعته وتشرف عليه الاستخبارات الفرنسية، بالتعاون مع الأمريكية والبريطانية، وبتمويل قطري، وتم الاتفاق عليه خلال ثلاثة اجتماعات تمت في العاصمة الفرنسية باريس، مع عدد من العملاء، وفي مقدمتهم المدعو مالك أبو خير، رئيس ما يسمى «حزب اللواء السوري» لاستغلال حالة التراخي الحكومي، والفساد المستشري، حيث يبدأ السيناريو بمطالب معيشية، ثم إشاعة الفوضى، ورفع حالة التجييش الإعلامي الطائفي، والانتقال إلى إعلان الإضراب العام، والشلل الكلي في المحافظة، والقيام بأعمال التصفية والاغتيالات والتفجيرات، واتهام الدولة السورية بها، ودعوة وسائل الإعلام العالمية، ومنظمات دولية، لتبني والدفاع عن الحراك المعلن، وفتح معبر مع الأردن تحت شعار إنساني، لكن هدفه إيصال السلاح والمسلحين، وصولاً إلى إعلان العصيان العام، والتواصل مع أبناء الطائفة في الجولان المحتل، وضم محافظة الأزرق الأردنية للإقليم المراد إعلانه، تحت مسمى «الإدارة الذاتية في السويداء».
كما تقضي الخطة بنقل وتدويل القضية عبر المنظمات الدولية، برعاية فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وطلب الحماية الدولية، وهو ما رأيناه في الدعوة المشبوهة لعقد جلسة لمجلس الأمن، بالتوازي مع الأحداث، وتبني هذه الدول لما يجري.
وقد أصبح معلوماً المخطط الأمريكي، لربط جنوب سورية مع قاعدة التنف، ومناطق شرق الفرات، وصولاً إلى إيجاد كوريدور، يربط بين منطقة كردستان العراقية، والكيان الصهيوني.
واستعدادا لهذا السيناريو يتم العمل لإدخال 3500 من أصل 16 ألف عنصر تم تدريبهم وإعدادهم في قاعدة التنف الأمريكية، سيصلون تباعا، لاستبدال قوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية بهؤلاء المسلحين، يلي ذلك نقل قيادات داعش إلى المنطقة الحدودية واللجاة في محافظة درعا المجاورة، للسيطرة على المنطقة، وتنظيم عمليات ضد وحدات ومواقع الجيش السوري، وتصفية أعضاء من الهيئة الدينية الروحية ووجهاء السويداء، وإلصاق التهمة بأجهزة الدولة، وصولاً إلى سحب الثقة من أعضاء مشيخة العقل، ونسبها لشخصية (عميلة) بهدف منع معارضة أي صوت ضد مشروع التقسيم والفيدرالية.
كما برزت محاولات لربط الحراك في السويداء، مع حراك القوى المعادية للمقاومة في لبنان، والتي تتحرك بإدارة مباشرة من السفارات الغربية وبعض العربية، وهنا يبرز دور وليد جنبلاط، الذي لا يخفي تدخله في ما يجري في السويداء، عبر بعض عملائه.
وسط ما يجري والمفتوح على كل الاحتمالات، جاء موقف المرجعية الدينية لشيوخ عقل الطائفة الدرزية، عبر بيان وضع الكثير من النقاط على الحروف، حيث أشار البيان إلى المشاكل التي يعاني منها المواطنون «بِسَبِبِ الْفَسَادِ الْمَتَفَشِّي وَالإِدَارَةِ الْفَاشِلَةِِ»، وتأكيده «إنّ الْقَرَارَاتِ الأخيرة للحكومة، أضرَّتْ ضررًا بالغًا عَلى المواطنِ» وأكد وقوفها مع الْمَطَالِبِ الْمَشْرُوْعَةِ للشَّعْبِ.. وَدعا إلى مُحَاسَبَةِ مَن يَقِفُ وَرَاءَ هذِهِ الْقَرَارَاتِ الْجَائِرَة.
أما الأهم في بيان المرجعية الدينية تأكيده «أننا جزء لا يتجزأ من سوريا» ومطالبته «أَنْ تُمَارِسَ الْمُؤَسّسةَ الأَمْنِية والشرطية دَوْرَها فِي الْحِفَاظِ عَلى الأَمْنِ... والْمُحَافَظَة عَلى وَحْدَةِ الأَرَاضِي الْعَرَبِيَّة السُّوْرِيَّة، وَتَحْقِيْق السِّيَادَة الوطنية».
وختم البيان بالدعوة إلى المحافظة «على العيش المشترك، وأن تحاربوا الفتنة وتَسدُّوا أبوابَـها، وأن تَصُونوا المؤسسات الخاصة والعامة من العبث، وأن تتراحموا وتتعاونوا وتتآزروا على هذه المحن، وتنبذوا الفرقة والضغائن، وتمدوا الأيدي للألفة والاتحاد دون قيد أو شرط».
كما كان لافتا الرسالة التي وجهها الأسير المحرر صدقي المقت، الموجود في الجولان المحتل وتلقت «لا» نسخة منها، والتي دعا فيها إلى «عدم استغلال هذه الأوضاع المعيشية الصعبة، لخلق حالة من الفوضى والفتنة، وظهور مشاريع قديمة جديدة، مرتبطة بأجندات معادية.. وعدم الانجرار وراء مثيري الفوضى، المرتبطين بأجندات خارجية معادية».
وأضاف: «ليس أمامنا أي خيار، سوى خيار التمسك بالدولة الوطنية السورية» و«الالتفاف حول الدولة السورية ومؤسسات الدولة، وفي مقدمتها جيشنا العربي السوري البطل، وعلم الجمهورية العربية السورية، ونبذ أي مشاريع طائفية أو مناطقية تمس وحدة الوطن».
موقف المقت مهم جداً، لأنه يعبر عن رفض أهل الجولان المحتل، لمحاولات ربطهم مع المخطط الأمريكي «الإسرائيلي».
الأوضاع في السويداء والجنوب عموما، تتراوح اليوم بين محاولات الدولة السورية، والمرجعية الدينية، والفعاليات السياسة والاجتماعية في المحافظة، لوأد الفتنة، وقطع الطريق أمام مخططات المشاريع العدوانية، وفي الطرف الآخر، محاولات أجهزة الاستخبارات الأجنبية، تنفيذ مخطط استهداف سورية، وليس فقط السويداء ومنطقة الجنوب، والأمل كبير، بأن تنجح سورية مرة أخرى، في كسر مخطط «الشرق الأوسط الجديد»، بنسخته الجديدة، كما كسرته أول مرة.

أترك تعليقاً

التعليقات