أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
كان واضحاً أن خطاب سماحة السيد حسن نصر الله حظي بمتابعة غير مسبوقة في خطابات أي قائد أو زعيم سياسي، وأن الخطاب كان متابَعاً من النخب السياسية والعسكرية في كل دول العالم المعنية، ومن الجمهور في عدد كبير من الدول؛ لكن متابعته في الكيان الصهيوني كان لها وقع مختلف، لأنهم من أول المعنيين بالخطاب، إضافة إلى أن السيد يحظى بمصداقية لدى الرأي العام "الإسرائيلي".
وسائل الإعلام العبرية أكدت أنّ أعضاء الكابينت (غرفة العمليات السياسية والعسكرية، برئاسة رئيس الحكومة بنيانين نتنياهو) والأجهزة الأمنية، وشعبة الاستخبارات العسكرية، استمعوا كلّهم باهتمام إلى خطاب سماحة السيد.
ومن الطبيعي أن يكون وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الذي وصل إلى فلسطين المحتلة في نفس يوم إلقاء السيد خطابه، قد تابعه مع أعضاء الكابينت، وشاركهم تحليل ما جاء فيه، وكيفية الرد عليه.
كما نقلت وسائل الإعلام العبرية أن المستوطنين تسمروا أمام شاشات التلفزيون بشكل غير مسبوق، لمتابعة ما سيقوله سماحة السيد، وأجمعت وسائل الإعلام العبرية على أنّ "نصر الله فنان في الإعلام"، ويمارس حرباً نفسية ضدهم.
هذا الاهتمام "الإسرائيلي"، بالكلمة، ليس فقط لأنهم أول المعنيين بها، وإنما بسبب المصداقية الكبيرة التي يتمتع بها نصر الله في أوساط الرأي العام عندهم، والتي لا يصل إليها أي مسؤول "إسرائيلي"، خاصة بعدما فقدوا الثقة بمسؤوليهم، وبأجهزة استخباراتهم، بعد الفشل الكبير الذي حدث في معركة "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
هذه الحالة عبر عنها بوضوح، يوسي أمروسي، المسؤول السابق في "الشاباك"، بقوله: "أقترح على المؤسستين الأمنية والعسكرية الاستماع جيداً لكلام نصر الله، والتعامل معه بجدية".
وفي ترجمة لهذه الحالة، قالت مذيعة في "القناة 13" العبرية إنّ "إسرائيل لا تعرف ما الأمر الذي يُخطط له نصر الله، ولا يمكننا أن نعتمد على أجهزة الاستخبارات لدينا؛ لأنّ معلوماتهم ليست دقيقة دائماً". وأضافت أن "خطاب نصر الله يجعل إسرائيل في حالة استعداد".
أما المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" العبرية ميخال زوهر فقد أكد أن "مجرد جلوس كل إسرائيل، يوم الجمعة أمام التلفزيون، للاستماع إلى خطاب نصر الله، هو بحدّ ذاته انتصار، وبعدٌ مهم في الحرب النفسية".
من ناحيتها، قالت "القناة 13" العبرية إن "خطاب نصر الله احتل عناوين الصحف قبل أن يخطب، ونحن كنا ننتظر كلامه، وهذا الأمر ما كان يحصل من قبل".
بينما قسّمت "القناة 12" العبرية شاشتها إلى قسمين: قسم لسماحة السيد نصر الله، وقسم آخر للمحللين وسائر الضيوف. أما في مواقع التواصل الاجتماعي فقد تصدّر سماحة السيد نصر الله منصة "إكس" في "إسرائيل" في أكثر من وسم.
من خلال الإجراءات التي سبقت وتلت الكلمة، وطريقة تعامل المسؤولين "الإسرائيليين" معها، يمكن الاستنتاج بسهولة، مدى الأهمية الكبيرة التي أولتها القيادة السياسية والعسكرية "الإسرائيلية" للخطاب، وأن نقاشاً معمقاً حدث قبله وبعده، وتمت مناقشة أفكار حول كيفية التعامل معه، لتخفيف وقعه على المجتمع "الإسرائيلي"، وأن إجراءات محددة اتخذت بهذا الصدد.
فقد سارع رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، إلى الظهور فوراً أمام وسائل الإعلام العبرية، في محاولة لعدم ترك الفضاء الإعلامي لصورة سماحة السيد فقط، ولتقديم صورة لنتنياهو مقابل صورة لسماحة السيد، وللرد السريع على ما جاء في الخطاب، بعبارات يبدو أنه تم تجهيزها والاتفاق عليها مسبقاً، تركز على استعداد "إسرائيل" للرد على أي تصعيد من قبل المقاومة اللبنانية، وتوجيه تهديدات بتدمير كبير جداً وغير مسبوق للبنان، في حال توسيع الهجوم من الطرف اللبناني، وهذا ما أكده ميخال زوهر في صحيفة "هآرتس" بقوله إن "خطاب نتنياهو بالتزامن مع خطاب نصر الله كان ضرورياً، وهدفه ألا نتحدث فقط عن نصر الله، بل عن نتنياهو أيضاً".
كما كان واضحاً أن تعليمات غرفة عمليات الرد على خطاب سماحة السيد نصر الله لم تكن في "إسرائيل" فقط، وإنما حتى في لبنان، وفي وسائل الإعلام الأجنبية المؤيدة لكيان العدو، حيث استبقت مجموعات من مؤيدي القوات اللبنانية، بزعامة سمير جعجع، الحفل الذي شهد خطاب سماحة السيد، بعمليات استفزاز في أكثر من منطقة، تحت شعار "لا سيد إلا السيد المسيح، ولا جمعة إلا الجمعة العظيمة"، الأمر الذي استدعى تدخُّل عناصر الأمن اللبناني لمنع حدوث أي احتكاكات أو تطورات سلبية.
أما وسائل الإعلام العبرية فقد كان واضحاً أن تعليمات سريعة أعطيت لها لانتهاج نمط معين للرد على مجمل ظهور سماحة السيد وكلامه، حيث لوحظ استخدام عبارات محددة، في الأخبار والتعليقات تركز على شخصيته، وتحاول رسم صورة سلبية عنه، معاكسة للصورة التي يتمتع بها عند "الإسرائيليين"، وخاصة مصداقيته، حيث لوحظ التركيز على أن سماحة السيد نصر الله، الذي يتخذ إجراءات أمنية مشددة، يفتقد الشجاعة، وهو مختبئ، ويطل على جمهوره من خلال الشاشة، وأنه كان مربكاً في كلمته.
فقد جاء في عنوان صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية: "يطل من الحفرة: نصر الله يهدد إسرائيل؛ لكنه يخشى التورط مرة أخرى".
وقال عوديد غرانوت، كاتب التقرير، إن "نصر الله خيّب آمال القتلة في غزة، ولم يتحقق أملهم في أن يعلن انضمام حزب الله الفوري والكامل إلى المعركة".
وأضاف: "نصر الله هو في الأغلب يطل من الحفرة، كما ألقى خطابه هذا المساء من المخبأ. وهو يدرك جيدا المخاطر التي سيواجهها إذا قرر الانضمام إلى الحرب، وهو غير متأكد من أنه يصدق نفسه، عندما يحذّر الولايات المتحدة من الرد الذي يعده للقوة الهائلة، بما في ذلك حاملات الطائرات".
كلمة "الحفرة" رددها أيضاً إيلون ليفي، أحد المتحدثين باسم الحكومة "الإسرائيلية"، إلى وسائل الإعلام الأجنبية، ورد بلهجة ساخرة: "لقد استمعنا إلى خطاب حسن نصر الله الطويل والمتعرج، والذي كان مملاً".
أما البروفيسور إيال زيسر فقد قال في صحيفة "معاريف" العبرية إن "نصر الله لم يقل جديداً أو مهماً في الخطاب الذي كانوا يخشونه. ورغم أن الكثيرين يخافون من نصر الله، إلا أنه ليس اليوم فاعلاً مهماً في الشرق الأوسط والمنطقة".
بالتأكيد من الطبيعي أن نرى محاولات "إسرائيلية" لتحطيم صورة سماحة السيد، بعدما أثبت براعة في الحرب النفسية، وحرب الوعي، التي أكسبته مصداقية كبيرة في أوساط الرأي العام "الإسرائيلي"، وربما ساعدتهم سياسة "الغموض البناء" التي يلتزم بها سماحة السيد والمقاومة اللبنانية، في التعامل مع مجريات معركة "طوفان الأقصى" بعض الشيء. لكن الوقائع تؤكد أن هذه المحاولات لن تنجح، خاصة وأن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وأفراد حكومته، وقادة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، يتعرضون إلى التشكيك بأهليتهم وبكلامهم وبطريقة مخاطبتهم لـ"الإسرائيليين"، خاصة بعد الصورة التي تحطمت في معركة "طوفان الأقصى"، ونعتقد أن الأيام المقبلة ستحمل الكثير من المفاجآت، التي سيكون لها تأثير كبير في حرب الصورة والوعي، التي لا تقل أهمية عن الحرب الميدانية.

أترك تعليقاً

التعليقات