أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
مع عودة العلاقات السورية الإيطالية، وتوقع وصول السفير إيطالي المعيّن إلى دمشق، بعد أيام قليلة، لتسلم مهام منصبه، يمكن اعتبار هذه العودة بداية لمرحلة جديدة في العلاقات السورية الأوروبية.
فالخطوة الإيطالية لم تكن مفردة أو مقتصرة على قرار من حكومة روما، وإنما جاءت نتيجة نقاشات مطولة داخل الاتحاد الأوروبي، وبعد رسالة تقدمت بها ثماني دول، بينها إيطاليا، وتدعو إلى تغيير السياسة الأوروبية السلبية التي تم اتباعها مع دمشق منذ بدء العدوان عليها عام 2011.
أهمية الخطوة الإيطالية تأتي من مكانة إيطاليا، كإحدى أكبر الدول الأوروبية، وأحد أعضاء مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، ويتوقع أن نشهد بعدها ورشات بالجملة، لإعادة ترميم وتجهيز السفارات، تمهيداً لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق ومعظم الدول الأوروبية.
الجديد في هذا الموضوع هو دخول دول أوروبية كبرى على خط إعادة العلاقات مع دمشق، وهذه الدول هي ألمانيا وإسبانيا وهولندا، التي تناقش عودة سريعة للعلاقات، قبل نهاية العام الجاري، تليها بريطانيا، مع بداية العام المقبل، وبشكل يتزامن مع بدء عمل الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي يتوقع أن تكون برئاسة ترامب، ولأسباب وحسابات تخص الحكومة البريطانية.
الملفت في الانفتاح الأوروبي الجديد على دمشق أنه يأتي خالياً تماماً من الشروط التي كانت تضعها هذه الدول على دمشق لإعادة العلاقات معها، والتي كانت تتجاهلها الحكومة السورية، وهي تطبيق قرار مجلس الأمن رقم (2254)، وما يتضمنه من عملية انتقال سياسي، بقيادة حكومة انتقالية (تغيير النظام) والتدخل لصياغة دستور سوري جديد، من خلال عمل اللجنة الدستورية.
وأكثر من ذلك أن الحكومات الأوروبية، والإعلام الأوروبي، بدؤوا يتحدثون عن صعوبة تطبيق القرار الأممي، والاتفاق بين الحكومة السورية والمعارضة، وصعوبة التدخل في عمل اللجنة الدستورية، وهو ما يجعل انتظار الدول الأوروبية لتطبيق هذه الشروط المستحيلة، حتى تعيد علاقاتها مع دمشق، انتظاراً طويلاً وبلا أمل.
ألمانيا وهولندا، وهما من الدول التي تستقبل أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين، استبدلتا الشروط الأممية بطلب وحيد لإعادة العلاقات، وهو موافقة الدولة السورية على إعادة أعداد محددة من اللاجئين السوريين، وضمان تشغيلهم، وفق برنامج تدعمه هاتان الدولتان، وأن تعمل الدولة السورية على منع حصول موجات لاجئين جديدة إلى أوروبا، وهذه المطالب تتوافق مع الرؤية السورية لحل مشكلة اللاجئين.
أما العلاقات السورية الأمريكية فيتوقع أن تشهد بدورها تطورات مهمة جداً؛ لكنها تنتظر إنجاز الانتخابات الرئاسية، وتشكيل الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي يتوقع معظم المراقبين عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض من خلالها.
هذه التوقعات ليست من فراغ، وإنما مبنية على وقائع محددة وملموسة، أبرزها أن الرئيس ترامب يفضل إنجاز اتفاق مع دمشق ينهي قضية المواطن الأمريكي، أوستن تايس، الذي تقول الولايات المتحدة بأنه صحفي، محتجز في دمشق منذ آب/ أغسطس 2012، فيما تؤكد دمشق أنه ضابط سابق في الجيش الأمريكي دخل سورية بصفة صحفي، وترفض إعطاء تفاصيل عنه، إلا ضمن اتفاق مع الحكومة الأمريكية يؤدي إلى الانسحاب الأمريكي من سورية.
وما يجعل هذا الأمر متوقعاً وجود اتفاق شبه منجز حول هذه الموضوعات بين الجانبين، إثر مفاوضات سورية أمريكية جرت في العام 2019، خلال فترة إدارة ترامب الأولى، وبوساطة اللواء عباس إبراهيم، مدير عام الأمن العام اللبناني السابق، وتم في حينها التوصل إلى اتفاقات نهائية ومحددة بين الجانبين، منها انسحاب أمريكا من شمال شرق سورية، وإعادة العلاقات الدبلوماسية، وإفراج دمشق عن تايس. وحينها أكد الرئيس ترامب هذه المعلومات، وصرح بأنه سينسحب من سورية، ووصلت الأمور إلى مرحلة التنفيذ، لكن ترامب خرج في حينه بتصريح -وُصف بالأحمق- قال فيه بأنه اتخذ قرارا باغتيال الرئيس بشار الأسد وتراجع عنه في اللحظات الأخيرة بناء على نصائح مستشاريه، وهو ما تسبب باتخاذ دمشق قراراً بوقف المفاوضات، وقام اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، بالاتصال باللواء عباس إبراهيم، وأبلغه القرار السوري.
وباعتبار أن الاتفاق منجز وجاهز، والظروف المستجدة تساعد في تنفيذه، فيتوقع العودة إليه بعد تولي إدارة ترامب مسؤولياتها، بداية العام المقبل، وهو ما يفسر رفض دمشق أي حديث مع إدارة بايدن الحالية عن تايس، رغم البيانات الأمريكية وتصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، حول استعداد إدارة بايدن للدخول في مفاوضات مع دمشق حول هذا الموضوع.
كما أكد السفير الأمريكي السابق في دمشق، روبرت فورد، هذه المعلومات، وقال في حديث مع مجلة «المجلة» نشر في عددها الأخير، بأن القوات الأمريكية ستنسحب من سورية، لكن ليس في عهد بايدن. وأضاف أنه ليس متأكداً من الانسحاب لو فازت كاميلا هاريس، لكنه سيحدث لو فاز ترامب.
يشار هنا إلى أن الحديث عن العلاقات السورية الأوروبية والأمريكية منفصل عما يجري في المفاوضات مع تركيا، والتي تتحكم بها ظروف وعوامل مختلفة؛ لكن لا يمكن استبعاد التأثير المباشر، وغير المباشر، لهذه الأجواء عليها، خاصة وأن تركيا وحدها الأكثر تحسباً وقلقاً من عودة ترامب، بسبب حالة التنافر وعدم الود بين الجانبين، والتي لم يخفها ترامب يوماً، ومنها تهديده بتدمير الاقتصاد التركي إذا نفذت أنقرة تهديدها بغزو مناطق تقع تحت سيطرة «قسد» في شمال شرق سورية، مما يجعل الأتراك يسابقون الزمن لإنجاز ما يمكنهم من ملفات تخصهم، ومنها الملف السوري، قبل عودة ترامب.
حالة التنافر بين ترامب وتركيا تنطبق أيضا على الأكراد السوريين، القلقين بدورهم من مواقفه وميله للانسحاب من سورية، والذي يعني انهيار مشروع «قسد»، والإدارة الذاتية، بشكل نهائي.
كل المؤشرات باتت تؤكد أن الوضع في سورية مقبل على تطورات هامة، تقف بمعظمها في صالح التعافي السوري من الحرب العدوانية التي تشن عليها منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وهو ما سيتأكد خلال الأشهر القليلة المقبلة.

أترك تعليقاً

التعليقات