أحمد رفعت يوسف

دمشق أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
تلقت القوات الأمريكية ضربة موجعة في موقع لها قرب الحدود السورية الأردنية، اعترفت فيها بمقتل ثلاثة جنود، وجرح أربعة وثلاثين آخرين، ثمانية منهم حالاتهم خطرة، مع تأكيد مصدر أمريكي بأن العدد الحقيقي قد يرتفع.
الضربة الجديدة حملت مؤشرات أبعد وأخطر بكثير من آثارها البشرية والمادية، وسيكون لها تأثيرها وتداعياتها الكبيرة على مجمل التواجد الأمريكي غير الشرعي في سورية والعراق وكامل المنطقة.
فهذه المرة هي الأولى التي يعلن فيها الأمريكيون سقوط هذا العدد من القتلى والجرحى، منذ تكثيف عمليات المقاومة ضد مواقعهم في سورية والعراق، منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" في فلسطين المحتلة، يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

كما لوحظ وجود تناقضات في الأخبار عن مكان العملية، بين أنها في موقع أردني قرب الحدود مع سورية، أو ضمن الأراضي السورية، وتحديداً في قاعدة التنف الأمريكية، عند مثلث الحدود السورية مع الأردن والعراق.
فالبيانات الأمريكية أكدت أن الهجوم وقع ليلا في موقع "البرج 22"، وهو داخل الأردن بالقرب من الحدود السورية، وتتمركز فيه قوة أمريكية صغيرة، تقدم الخدمات اللوجستية للقوات الأمريكية في قاعدة التنف، فيما نقلت وسائل إعلام مقربة من محور المقاومة أن الهجوم وقع في قاعدة التنف، ضمن الحدود السورية على مثلث الحدود مع الأردن والعراق. أما الحكومة الأردنية فقد سارعت إلى تأكيد أن الهجوم وقع داخل الحدود السورية، ولم يقع داخل الأردن.
وللوقوف على حقيقة الواقع الميداني، ولكشف أسباب هذا التناقض في تحديد الموقع، سألت "لا" مصدراً ميدانياً سورياً، فأكد أن منطقة الركبان، حيث موقع "البرج 22"، موجودة في الأردن (صورة الخارطة)، وهي غير مخيم الركبان الذي يحمل الاسم نفسه، وموجود قرب القاعدة الأمريكية غير الشرعية في التنف، على مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية، ويضم حوالى سبعين ألفا من المسلحين وعوائلهم، وخاصة فصيل "مغاوير الثورة" (الإرهابي)، الذين يعملون تحت إمرة وإدارة القوات الأمريكية المتواجدة في قاعدة التنف.
كما أكد المصدر أن المعلومات الأمريكية أن الاستهداف تم في موقع "البرج 22" داخل الأردن، وكذلك تقول بيانات المقاومة إن الاستهداف طال القوات الأمريكية في قاعدة التنف، وكلها صحيحة، وهذا يعني أن عمليات المقاومة طالت الموقعين في وقت واحد؛ لكن الخسائر البشرية الأمريكية كانت في الموقع الأردني.
وكشف المصدر أن مهمة القوات الأمريكية في الموقع الأردني هي توفير حماية عسكرية لوجستية لقاعدة التنف، وخاصة رصد وكشف أي محاولات لاستهداف القاعدة، سواء بواسطة الصواريخ أو الطيران المسير، وتم وضعها في الأردن (وليس في التنف) لإبعادها عن عمليات المقاومة في سورية والعراق، ولهذه الأسباب اقتصرت التساؤلات الأمريكية عن الفشل في كشف عملية المقاومة على الموقع داخل الحدود الأردنية.
من خلال التناقض حول مكان الهجوم وعدد القتلى والجرحى، يمكن تأكيد عدد من المعلومات وإيراد عدة ملاحظات:
- العملية كبيرة، وطالت الموقع الأمريكي في "البرج 22"، قرب موقع الركبان الأردني، وقاعدة التنف داخل الحدود السورية، وبوقت واحد.
- عدد القتلى والجرحى أكبر من المعلن عنه، وهو أسلوب معروف عن الأمريكيين و"الإسرائيليين"، في مثل هذه العمليات عند وقوعها، بهدف التخفيف من وقع الصدمة عند الرأي العام.
- التخبط الأمريكي في تحديد الموقع، وعدم الكشف عن كل التفاصيل، يعكس الفشل الأمريكي في إدارة الصراع، وفي تحقيق أهدافهم والأهداف "الإسرائيلية" في المنطقة.
- الإعلان الأردني أن العملية تمت خارج أراضيه هدفه محاولة نأي الأردن عن هذا الصراع، بسبب حساسية الوضع الداخلي، ووجود رأي عام معادٍ للأمريكيين، وهذا يجعل شرائح كبيرة من المجتمع الأردني يؤيد مثل هذه العمليات.
وفي دليل على قوة الضربة وتأثيرها، سارع المسؤولون في البنتاغون والأجهزة الأمنية، لإعلام الرئيس الأمريكي بالعملية وتفاصيلها، ليخرج بعدها بايدن ليقول إن "الهجوم على قواتنا في الأردن نفذته مليشيات متشددة تدعمها إيران، وتنشط في سورية والعراق".
وأضاف: "لا نزال نتحرى الحقائق حول الهجوم على قواتنا... سنحاسب جميع المسؤولين عن الهجوم، في الوقت والطريقة الذين نختارهما".
كما صدر بيان عن البنتاغون وصف الهجوم بالخطير، وسارع مسؤولون أمريكيون كبار، وفي الكونجرس، للحديث عن خطورة العملية، والوضع بشكل عام.
تلا ذلك اجتماع لأعلى المستويات القيادية، السياسية والعسكرية، الأمريكية، برئاسة الرئيس بايدن، لدراسة العملية وتحديد طبيعة الرد عليها.
وقال مسؤولون عسكريون أمريكيون إنهم زودوا الرئيس بايدن بقائمة للأهداف التي يمكن ضربها انتقاماً للعملية، وتقع كلها في سورية والعراق، رغم الاتهام الأمريكي لإيران بأنها تقف وراء العمية.
طريقة الإعلان الأمريكي عن العملية وتداعياتها، والخريطة التي قدمها المسؤولون في البنتاغون للرئيس بايدن، حول الأماكن التي يمكن استهدافها انتقاناً للعملية، تؤكد أن الانتقام الأمريكي لن يطال إيران، رغم تحميلها مسؤولية الوقوف وراء فصائل المقاومة التي تستهدفهم، لكن حساسية الوضع تجعل كل الاحتمالات واردة.
مع قراءة هادئة لهذه التطورات المتسارعة، في كامل المنطقة، وحساسية الوضع في الداخل الأمريكي، لا يمكن  استبعاد أن يكون الإعلان الأمريكي -لأول مرة- عن وقوع خسائر في الأرواح، جراء عمليات المقاومة في سورية والعراق، هدفه إعطاء المبرر للإدارة الأمريكية لاتخاذ قرار الانسحاب من البلدين، خاصة بعد تأكيد الأخبار عن محاولة أمريكية لإيجاد تغطية تحفظ ماء الوجه لهذا الانسحاب، من خلال اتفاق مع الجانب العراقي، خاصة وأن التواجد الأمريكي غير الشرعي في البلدين أصبح مادة رئيسية في حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو ما ظهر في تصريحات مرشح الحزب الجمهوري الأمريكي، الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أكد عبثية هذا التواجد، وخطورته على الولايات المتحدة.
هذ التطورات تؤكد أن المنطقة دخلت منعطفا آخر، وأن الصراع ذاهب إلى مزيد من التصعيد، خاصة إذا ما طال الانتقام الأمريكي مواقع داخل إيران.
وإذا أضيفت هذه العملية إلى التطورات المتسارعة التي تجري في البحر الأحمر، بعد دخول اليمن (المقاوم) ساحة الصراع، والضربات التي يوجهها للولايات المتحدة وحلفائها، يمكن التأكيد أن تداعيات ما يجري لن تكون فقط في سورية والعراق، وإنما في كامل منطقة غرب آسيا، وهو ما يتوافق مع القرار الاستراتيجي المتخذ سابقا عند محور المقاومة، بطرد الأمريكيين من كامل المنطقة، وهذا يؤكد أن الانسحاب من سورية والعراق يمكن أن يحدث أسرع من المتوقع، حتى بدون انتظار أي اتفاق مع العراقيين، وليس مستبعداً استعادة مشهد الانسحاب الأمريكي السريع والمذل من أفغانستان، ولكن بطريقة أكثر إثارة وتأثيراً ودراماتيكية، وهو ما سيؤدي إلى تبدلات كبيرة وجوهرية في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة والعالم.

أترك تعليقاً

التعليقات