ماذا بعد تمديد الهدنة في غزة؟!
- أحمد رفعت يوسف الجمعة , 1 ديـسـمـبـر , 2023 الساعة 6:48:20 PM
- 0 تعليقات
دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
تمديد الهدنة في غزة كان متوقعاً، وسط الظروف التي انتهت إليها، حصيلة 48 يوما من القتال الشرس، والذي غير كل قواعد اللعبة، في فلسطين المحتلة وعموم المنطقة، وهو يعبر عن مأزق وفشل «إسرائيلي» وأمريكي، أكثر مما هو رغبة منهم في وقف القتال، وهذا يستدعي التساؤل: إلى متى سيتم تمديد هذه الهدن، لأن أفقها محدود، ومتعلق بعدد الأسرى «المدنيين» والأجانب الموجودين عند فصائل المقاومة؟
وماذا بعد الوصول إلى نقطة الإفراج عن كل هؤلاء، وبقاء فقط أسرى الجيش «الإسرائيلي»، ومنهم ضباط كبار؟
بالتأكيد سيكون الوضع مختلفا، لأن قادة المقاومة، يؤكدون أن التفاوض على هؤلاء، مختلف عن موضوع المدنيين، والثمن لن يكون أقل من الإفراج عن كامل الأسرى الفلسطينيين، في السجون والمعتقلات «الإسرائيلية».
هذه الحالة، تضع حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية، أمام مآزق وتعقيدات كبيرة جداً، ولن يكون من السهل التوصل إلى حلول لها، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات الصعبة.
* هل تستطيع حكومة نتنياهو تلبية طلب المقاومة، بتبييض سجونها ومعتقلاتها، من المقاومين الفلسطينيين، بوجود انقسامات وتناقضات حادة، تعصف بها وبالمجتمع «الإسرائيلي»، حيث توجد أطراف داخل الحكومة ترفض التفاوض، وسترفض بالتأكيد الإفراج عن كل الأسرى الفلسطينيين، وتريد استئناف القتال، وهناك من ينتظر توقف القتال، لمحاسبة نتنياهو، وقيادات سياسية وعسكرية، يعتبرونها مسؤولة عما حدث يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، والمجتمع «الإسرائيلي» وجد نفسه لأول مرة، أمام التهجير والبقاء لوقت طويل بين صفارات الإنذار والملاجئ، وهناك من يريد استعادة الأسرى، وحتى القبول بصفقة «الكل مقابل الكل».
كما توجد قضايا شائكة جداً، في موضوع الأسرى الفلسطينيين، تتجاوز حتى حكومة نتنياهو، تبدو اليوم غير مطروحة للبحث، لكنها ستفتح عند الحديث عن صفقة التبادل، والتي تخص بعض القيادات الفلسطينية، الموجودة في الأسر، مثل القائد البارز في فتح مروان البرغوثي، والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعادات، حيث يتمتع البرغوثي بتأييد قوي في الشارع الفلسطيني، وفي أوساط قيادات فتح ومنظمة التحرير، وتدرك حكومة الاحتلال أن البرغوثي سيتحول فور الإفراج عنه إلى قائد للمقاومة في الضفة الغربية، وهو ما ينطبق على سعادات في موضوع المقاومة، والجميع يدرك حساسية وخطورة هذا الموضوع على الكيان «الإسرائيلي».
كما أن البرغوثي يعتبر في الشارع الفلسطيني، الرافض لسياسات السلطة الفلسطينية ولاتفاقات أوسلو، مشروع قائد بديل عن رئيس السلطة محمود عباس، وهذا يشكل خطراً على محاولات طرح محمد دحلان للمنصب، المؤيد لمواصلة مسار التعاون مع كيان الاحتلال، وهذا سيجعل حكومة عباس ورعاتها الإقليميين الدوليين حريصين على بقاء البرغوثي في السجن، مثل حكومة نتنياهو.
هذا سيضع حكومة نتنياهو والإدارة الأمريكية، أمام خيارين، إما القبول بالأمر الواقع، والمضي بإتمام صفقة التبادل، وفق صيغة «الكل مقابل الكل» وربما تتم ممارسة ضغوط -لا يعرف اليوم مدى نجاحها- على قيادات المقاومة، لاستثناء بعض الأسرى مثل البرغوثي وسعادات، وحتى هذا الخيار ليس من السهل على نتنياهو تمريره، لأنه سيفجر حكومته، وسيحدث زلزالاً حتى داخل النخب السياسة والعسكرية والمجتمع «الإسرائيلي»، لأنه سيعني اعترافاً «إسرائيلياً» وأمريكياً بالهزيمة وقواعد الاشتباك الجديدة، التي ستجعل يد المقاومة داخل وخارج فلسطين أعلى من قبل عملية «طوفان الأقصى»، وسيوصل نسبة كبيرة من المستوطنين إلى حالة فقدان الأمل والهروب من فلسطين المحتلة.
أما خيار الحرب، فهو ليس أقل صعوبة من الخيار الأول، مع النتائج الميدانية التي أفرزتها حصيلة المرحلة الأولى من القتال الشرس، حيث فشلت «إسرائيل» في تحقيق أي من الأهداف الرئيسية التي وضعتها للعدوان.
كما أن المشاهد، التي ظهرت أمام كاميرات العالم، مع توقف القتال، والطريقة التي تمت بها عملية الإفراج عن «المدنيين»، ومع استعراضات القوة، التي أظهرها المقاومون، في قلب المناطق التي قالت «إسرائيل» إنها سيطرت عليها، كشفت كذب وزيف الادعاءات «الإسرائيلية»، عن تحقيق إنجازات ميدانية على الأرض، وبأنها قضت على معظم قوة المقاومة.
كما أظهرت عملية التبادل، والصور التي ظهر بها المفرج عنهم، والتصريحات التي أدلوا بها بعد خروجهم من الأسر كذب الادعاءات «الإسرائيلية» بتعذيب المعتقلين، فيما الصورة المقابلة، التي انطبعت في أذهان الرأي العالم العالمي، هي صورة التدمير الوحشي، وأعداد الضحايا وخاصة من الأطفال والنساء، وهو ما أدى إلى انقلاب حقيقي في الرأي العام الإقليمي والعالمي، وقضى بشكل كامل تقريبا، على سياسة التطبيع، مما وضع كيان الاحتلال والإدارة الأمريكية، في وضع حرج جدا، جعل واشنطن تعمل على تمديد الهدنة، وستعمل بكل السبل لمنع تجدد القتال.
أيضاً لن يغيب عن بال الولايات المتحدة والحكومة «الإسرائيلية»، أن جولة جديدة من القتال، لن تكون كما قبلها، وسط مؤشرات تؤكد أن التغيير الأكبر فيها، سيكون فتح الباب بشكل أوسع من الجولة السابقة، لدخول الساحات الأخرى من المقاومة خارج فلسطين المحتلة إلى القتال، خاصة وأن الأيام التي سبقت توقف القتال، حملت مؤشرات لا يمكن تجاهلها، كان أبرزها سيطرة الجيش اليمني على السفينة «الإسرائيلية»، وإمكانية إغلاق باب المندب، واستخدام المقاومة اللبنانية أسلحة أكثر تدميراً، وإعلان المقاومة العراقية عن امتلاكها صواريخ جديدة متوسطة المدى، وكذلك قوارب انتحارية، إضافة إلى أن توفير الأجواء الميدانية المناسبة، سيوجد الظروف لاشتراك سوري في القتال، مع ما يعني ذلك من دخول أسلحة أكثر قوة وتدميراً.
كما تدرك واشنطن أن استئناف القتال، سيعرض قواعدها غير الشرعية في سورية والعراق، لعمليات أكثر قوة وصعوبة، من العمليات الموجعة التي تلقتها في المرحلة الأولى.
أيضا لن يغيب عن الإدارة الأمريكية، أن الصراع في «الشرق الأوسط» فتح الباب أمام خصومها، وتحديدا الصين وروسيا وإيران، لتعبئة الفراغ الاستراتيجي الذي يتركه انشغالها في هذا الصراع، خاصة مع الحديث عن استعداد روسي لشن هجوم في أوكرانيا، وسيكون من الصعب على أمريكا ومنظومتها الغربية الاستمرار في تقديم الدعم لأوكرانيا كما كان قبل تفجر الصراع في الشرق الأوسط، وخطورة هذا التحول على مكانة أمريكا ومنظومتها في أوروبا وشرق المتوسط والعالم عموما.
مع هذه التطورات والتعقيدات، من المرجح أن تعمل الإدارة الأمريكية على تثبيت الوضع كما هو اليوم وتجديد الهدن ما أمكن، مع الدخول في مفاوضات حول الأسرى، والعمل مع أدواتها الإقليميين لطرح حلول سياسية، أشار إليها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حول العودة لحل الدولتين، مع وضع ترتيبات خاصة لقطاع غزة تكون تحت إشراف أممي ومن الناتو.
ويبقى السؤال اليوم، هل ستنجح الولايات المتحدة في هذه الجهود، وهي التي فشلت مع الكيان الصهيوني في تحقيق أهداف العدوان؟ وماذا عن الأوضاع داخل الكيان الصهيوني، مع تفجر الصراعات داخله واحتمال سقوط حكومة نتنياهو، مع الانطلاق إلى مرحلة التحقيق والمحاسبة على عملية «طوفان الأقصى»؟ وماذا عن رأي وموقف قوى المقاومة، ورعاتها الإقليميين والدوليين؟
أسئلة لن يكون من السهل الإجابة عليها الآن، لكن ما يمكن تأكيده أن الوضع داخل فلسطين المحتلة وفي المنطقة وحتى في العالم، ما بعد عملية «طوفان الأقصى» غير ما قبلها، ولا بد من الانتظار بعض الوقت لمعرفة إلى أين تتجه الأمور!
المصدر أحمد رفعت يوسف
زيارة جميع مقالات: أحمد رفعت يوسف