البداية من غزة وكل الاحتمالات مفتوحة
 

أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
هناك نتيجة حتمية تحققت وتثبتت في عملية «طوفان الأقصى» حتى الآن، مهما كانت نتائج العملية، وهي أن «عين إسرائيل قد فُقِئَتْ».
أياً تكن التطورات اللاحقة، فلن يستطيع قادة العدو مداواة هذا الجرح، حتى لو أحضرت أمريكا وحلف الناتو كل ما يمتلكون من حاملات الطائرات والجيوش لنجدتهم.
«إسرائيل» اليوم أصبحت بعين واحدة، وليس أمام قادتها سوى محاولة الحفاظ على العين الثانية، وهناك شكوك بذلك، لأن «إسرائيل» بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، هي غير ما قبله، وخاصة في موضوع مصير الكيان ووجوده.
كل ما تقوم به «إسرائيل» اليوم من قصف وحشي يطال كل معالم الحياة في غزة، هدفه واحد، وهو محاولة استعادة شيء من هيبتها، التي مرغها المقاومون بالتراب. لكن حتى الإعلام العبري يؤكد أن هذه المهمة مستحيلة، لأن ما أصاب عين «إسرائيل» هو الاقتلاع، وليس مجرد مرض حل بها، خاصة وأن كل ما ضربته «إسرائيل» حتى اليوم، هو مجرد أبنية وبنية تحتية، ولم تستطع النيل من المقاتلين وقادتهم، فيما تساقط ضباطها وجنودها كالذباب.
انتقال وزيري الخارجية أنتوني بلينكن والدفاع لويد أوستن الأمريكيين إلى الكيان الصهيوني، مرفقين بحشد عسكري أمريكي، لم يحدث منذ غزو العراق، هذا يعني أن الأمريكيين يستشعرون الخطر، كما الكيان الصهيوني، وأنهم أصبحوا مدركين أن قادة «إسرائيل» فقدوا القدرة على التحكم بمسار الأوضاع ميدانيا وسياسياً.
هذه النتيجة تجعل قادة الكيان الصهيوني والأمريكيين أمام احتمالين أحلاهما مُر:
الأول: أن تقوم بعمليات تدمير إضافية، ثم التوصل في وقت لاحق إلى اتفاق لوقف العمليات القتالية، والتفاوض حول الأسرى، وهذا سيعني إقرار بهزيمتها المدوية، لتصبح مردوعة وعاجزة، وهذا يعني أيضا وصول المستوطنين إلى الحالة التي قامت كل العقيدة الصهيونية، وقادة الاحتلال منذ نشوئه، لعدم الوصول إليها، وهي حالة «اليأس وفقدان الأمل»؛ لأن هذه سيعني هجرة جماعية للمستوطنين، تلي وقف العمليات العسكرية، وانتقال الكيان الصهيوني إلى حالة الموت البطيء، وصولا إلى موته الحقيقي، حتى ربما بدون حرب أخرى.
والثاني هو: أن تقوم «إسرائيل» بهجوم بري في غزة، وهذا خيار يحذر منه قادة سياسيون وعسكريون «إسرائيليون» وأمريكيون، ويصفونه بأنه انتحاري وسيفشل، والأخطر أنه سيفتح المجال لدخول جبهات أخرى إلى القتال، ضمن عقيدة حلف المقاومة «وحدة الساحات»، وهذا سيؤدي حكماً إلى دخول أمريكي، وإلى توسع نطاق المعارك خارج فلسطين المحتلة، وهي الفرصة التي ينتظرها حلف المقاومة، مسنوداً بروسيا والصين، لتنفيذ القرارين الاستراتيجيين، بخوض معركة إخراج الأمريكيين من سورية والعراق وكامل منطقة غرب آسيا، واقتلاع الكيان الصهيوني.
لكلا الاحتمالين نسبة خمسين بالمئة. وبانتظار معرفة أي اتجاه ستذهب فيه التطورات الميدانية والسياسية، يمكن تسجيل الكثير من تفاصيل الصورة على الجانبين.
ففي جانب العدو، يحاول قادة الكيان الصهيوني ترميم الصورة التي أظهرت جيشهم وهو يتعرض للإذلال على يد المقاومين، وكشفت زيف الادعاء بأنه «الجيش الذي لا يُقهر»، وأظهرت أيضاً هشاشة المجتمع الصهيوني وجبهته الداخلية التي تشكل نقطة ضعفه.
كما يحاولون زرع اليأس في قلوب المقاومة الفلسطينية، وبقية أطراف حلف المقاومة، من خلال القصف والتدمير الوحشي لقطاع غزة، وقطع كل أنواع الإمدادات والإغاثة عن أهل القطاع، في محاولة لإحداث نكبة نزوح جديدة، مع تحذيرات أمريكية لبقية أطراف المقاومة، وتحديدا سورية وحزب الله، بعدم الدخول في المعركة، والتهديدات بأنهم سيتلقون ردوداً قاسية من القوات الأمريكية في حال تم ذلك، وهي الرسالة التي نقلها منذ بداية المعارك رئيس الإمارات، محمد بن زايد، للرئيس السوري بشار الأسد، وتم توجيهها من خلال أكثر من طرف إلى المقاومة اللبنانية.
يترافق كل ذلك مع تحشيد عسكري «إسرائيلي» غير مسبوق، على محيط قطاع غزة، مسنود بالحشد العسكري الأمريكي، استعدادا لتنفيذ الأوامر، في حال تم اتخاذ القرار بالدخول البري، إلى قطاع غزة.
كما تقوم «إسرائيل» بحشد قواتها في الجبهة الشمالية مع لبنان، مع رد محسوب على المناوشات التي تجري هناك، وهو ما يتم أيضاً على جبهة الجولان مع سورية، وقامت «إسرائيل» باعتداءات على مطاري دمشق وحلب، في محاولة لتوجيه رسالة بأنها سترد على أي تصعيد سوري.
وعلى الجبهة المقابلة، حيث أطراف حلف المقاومة، تبدو الصورة أكثر تعقيدا، وتخفي أكثر مما تظهر.
فعلى جبهة غزة، يبدي المقاومون الفلسطينيون صموداً أسطورياً أذهل العدو الصهيوني، ويؤكدون أنهم مستعدون لأي قرار «إسرائيلي» بالتصعيد، وأنهم يعدون لهم الكثير من المفاجآت، والتي ستجعل من أي غزو قراراً أحمقَ وانتحارياً، وهذا ما جعل الكثير من قادة العدو العسكريين والسياسيين يحذرون من أن الغزو البري لغزة سيدمر جيشها، وستنهار ما تبقى من عوامل قوتها، خاصة وأن غزو القطاع وضعته غرفة عمليات المقاومة خطاً أحمر، وسيوفر لأطرافها فرصة ينتظرونها على أحر من الجمر، لفتح كل الجبهات، وبما سيمكن المقاومة في غزة من توجيه أقسى الضربات لجيش العدو، وسيؤدي أيضاً إلى تمدد المعارك إلى الضفة الغربية، حيث التماس المباشر مع كل المدن والمستوطنات الصهيونية، كما سيوفر الفرصة الأهم لقوات محور المقاومة للدخول إلى قلب فلسطين.
وعلى الجبهة اللبنانية، تبدو الصورة أكثر تعقيداً وغموضاً ورعباً لقادة العدو، وللمجتمع الصهيوني، حيث الكل يدرك أن المقاومة اللبنانية على أتم الاستعداد للدخول في المعركة، وهي القادرة على قلب الصورة، وإدخال الكيان الصهيوني في حالة من التهديد الوجودي. وأكثر ما يخيف قادة العدو والمستوطنين ويربكهم هو الصمت الذي يمارسه حزب الله، وخاصة أمينه العام، السيد حسن نصر الله، إلى الدرجة التي قال فيها أكثر من محلل سياسي صهيوني بأن نصر الله لم يجد حتى الآن ما يستحق أن يعطينا من وقته ساعة واحدة، للحديث عما يجري وبماذا يفكر.
وعلى الجبهة السورية، حيث التعامل هنا مع دولة، وليس مع فصيل مقاوم، لتبدو الصورة أكثر تعقيداً، فسورية تعاني من احتلال أمريكي مباشر في قاعدة التنف وشرق الفرات، ومن احتلال تركي، ومن تواجد فصائل انفصالية وإرهابية مسلحة، كما يوجد فيها الأصدقاء الروس والإيرانيون، وهذا ما يجعل قرارها بالتهدئة، أو الدخول في المعركة، والرد على أي اعتداء «إسرائيلي» مرتبط بحسابات داخلية وإقليمية ودولية، وباستعدادات عسكرية ولوجستية؛ لكن ما يمكن قوله هو أن كل الاعتداءات «الإسرائيلية» تسجل في حساب مفتوح، حتى يحين أوان الرد وزمانه ومكانه، وبالتوقيت الذي تختاره سورية، وغرفة عمليات الحلفاء والأصدقاء.
‏ما يمكن تأكيده اليوم هو وجود غرفة عمليات مشتركة لحلف المقاومة، على تواصل مفتوح مع الظهيرين الاستراتيجيين الروسي والصيني، وهذه الغرفة تراقب وتدرس وتحلل وتخطط، وتتخذ القرارات بناء على التطورات والمسار الذي تأخذه المعارك، وقد أثبتت هذه الغرفة قدرتها الكبيرة على الفهم الدقيق والعميق للأوضاع الميدانية والسياسية، وعلى تفاصيل وعوامل القوة والضعف عند الطرفين.
كما أثبتت قدرتها المذهلة على فهم تفاصيل جيش العدو وآلية عمله، ونقاط ضعفه، وعرفت كيف تشل قدرة ضباطه وعناصره على الحركة، وكيف تصل إلى مكاتبهم وأماكن نومهم، بدون أن يتمكنوا من اكتشاف هذا الخرق الكبير، وحتى من إطلاق طلقة واحدة.
وبالتأكيد فإن غرفة عمليات بهذه القدرة والنجاح، الذي أذهل العدو قبل الصديق، يمكن الوثوق بها وبقدرتها على اتخاذ القرار الصحيح حول تطورات الأحداث والمعارك، والخطوات لتحقيق الهدفين الاستراتيجيين لمنظومة المقاومة، بإخراج الأمريكيين من كامل المنطقة، واقتلاع الكيان الصهيوني من جذوره.

أترك تعليقاً

التعليقات