عصابات إعلامية للشيطنة والتطهير
 

عبدالفتاح حيدرة

عبدالفتاح حيدرة / لا ميديا -
محاكمة سماسرة مواقع التواصل تعني: كن صادما إذا تطلب الأمر ذلك؛ فأحيانا اللياقة تقتل الحقيقة. ومجرد متابعة ردود أفعال الخلافات التافهة لاعتقال بعض التافهين عمل مرهق جدا، فما بالك بالمشاركة فيها ومعهم؟! من أين يأتي هؤلاء بكل هذه الطاقة التافهة؟!
أحد عيوب تفكيرنا أننا نبحث عن إجابات ثابتة وقاطعة لأمور غير ثابتة ولا تقبل القطع. التفاهة تفاهة، وليست حرية تعبير. نحن على أعتاب إما أن يتم تكوين مجتمع جديد وإما الإسراع نحو الكارثة. والكارثة اليوم هي محاولات بناء أكبر مصنع للحماقة، واختلاط الحمقى بالحمقى. وهنا علينا أن نعي أن هناك فرقاً بين الموضوعية وميوعة الموقف، فالموضوعية تعني أن ننحي الهوى جانبا، وأن نبذل قصارى جهدنا للفهم ومحاولة الوصول للحقيقة، بينما الميوعة هي التفاهة ومنطقة اللا موقف، أي أن تتكلم كثيرا دون أن تقول شيئا بأمانة.
شخصيا، لقد حرصت على أن أتابع وأرصد بدقة ووعي أغلب ردود أفعال الأشخاص ووسائل الإعلام المحلية والعربية وغيرها على اعتقال ومحاكمة عدد ممن أستطيع تسميتهم بممارسي ثقافة التفاهة. ووجدت أن المجاملات الإنسانية العاطفية على حساب الله والوطن (خيانة)، وأن الرماديين في أحزاب الضرورة قد أفسدوا الشراكة في كل شيء، وأساؤوا لثورة 21 أيلول، وأسسوا لسياسات الشللية والعصبوية والمناطقية، ويتسولون التعاطف الإنساني والوطني على حساب معاصيهم وذنوبهم لله وتخاذلهم في قضايا الوطن.
مؤخرا يقوم عدد من الأشخاص بتصوير مقاطع فيديوهات في الشارع للمواطنين من ثلاث كلمات فقط هي: «أطلقوا سراح المومري»! بدلا من تسجيل فيديوهات للناس تتضمن عبارة «نرفض جرعة حكومة الارتزاق»، ذهبوا لتسجيل فيديوهات لإطلاق سراح التافهين! هنا يجب أن يدرك من يقوم بهذا العمل أن جوهر كفاءة الشخص التافه هي القدرة على التعرف على شخص تافه آخر مثله، ومعا يدعم التافهون بعضهم بعضا، فيرفع كل منهم الآخر، لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار؛ لأن الطيور على أشكالها تقع، وبعبارة أخرى: العارفون لا يطلبون الدعم من غير العارفين، كل ما يحتاجون إليه منهم هو أن يكفوهم عبء إرباك المشهد بتدخلاتهم غير المستنيرة وغير الواعية، حتى وإن كانوا حسني النية، فالطريق إلى جهنم هذه الأيام محفوف بالنوايا الطيبة.
إننا أمام توجه لرفع مستوى التافه وشيطنة المثقف الواعي حتى يتم تعطيل دوره تماما، وذلك من خلال تحميله مسؤولية الغياب عن دائرة ليست دائرته من الأساس، بهدف قتل دوره وترك المواطن في النهاية لقمة سائغة في فم التافهين، بعد أن عزلته عن نخبته الثقافية، وقبل أن يبادر أحد باتهام النخبة الثقافية، يجب أن نفرق بين النخبة الثقافية والنخبة السياسية، فهناك دوائر كثيرة للأمور، فليس من المطلوب أن نضع البيض كله في سلة واحدة ثم نصدر حكما بالإعدام ونستكين لراحة بليدة تديرها عصابات تقوية التافهين.

أترك تعليقاً

التعليقات