عبدالفتاح حيدرة

عبدالفتاح حيدرة / لا ميديا -
الحقيقة والخديعة وجهان لعملة واحدة اسمها الإعلام، الذي كان وما يزال يلعب دورا خطيرا في حياة الأمم، يبني ويهدم، يرفع ويخفض، يسالم ويعادي، يجرح ويداوي، ويلعب على الحبلين... فالإعلام له دوره الإيجابي والسلبي في كل الظروف، سلما وحربا؛ إلا أن الدور السلبي (الإجرامي) للإعلام قد تعاظم إلى درجة غير مسبوقة، وازداد إلى حد هائل مع تعدد وسائله وكثرتها وتطورها وسهولة الوصول إليها والتعامل معها، بعيداً عن الرقابة الأخلاقية والمهنية التي كانت تكبح جماحه وتقيد حركته.
وبصفتي إعلامياً وصحافياً أجد أن عملية مواجهة وصمود وثبات القيادة اليمنية والجيش واللجان الشعبية والشعب اليمني لآلة الحرب والعدوان والحصار على بلادنا بقيادة السعودية والإمارات وبتحالف أمريكي وبريطاني وصهيوني منذ تسعة أعوام، والحرب هذه الأيام على قطاع غزة في فلسطين، أعطتني مساحة واسعة وكبيرة لفهم واستيعاب وإدراك كيفية اكتساب الوعي والإدراك الحقيقي ضد التضليل والكذب الإعلامي، وهو الوعي الذي يفترض أن يكون لدى كل الناس.
إن الإعلام بجميع مجالاته المختلفة يؤثر في المجتمعات من خلال ما يقدمه من معلومات وأخبار ونقل أحداث، الأمر الذي يستدعي أن يكون صادقاً في تقديم المعلومة الحقيقية للناس، وليس الكذب والتضليل على الناس وخداعهم. ومنبع الدور الإجرامي السلبي والقذر للإعلام تم خلقه وصناعته في الولايات المتحدة، وتحديدا وُلد هذا الإعلام البشع من رحم الديمقراطية الأمريكية الزائفة، واستخدمته في العشرين السنة الأخيرة ابتداءً بكذبة الحرب على العراق وكذبة "ربيع سورية" وكذبة احتلال ليبيا مروراً بأكبر وأوسخ وأقذر خداع وكذب إعلامي لتبرير الحرب والعدوان على اليمن، وصولاً اليوم إلى الكذب والتضليل والخداع في حرب الإبادة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
لاحظوا معي، ها نحن جميعا نشاهد الآن وفي هذه اللحظات كل هذا الكم الهائل من مشاهد الدمار والخراب والقتل التي تقوم بها آلة الإجرام العسكرية الصهيونية في قطاع غزة، ولا نرى شيئاً موازياً له أو في المقابل وسيلة إعلامية تنشر أخبار عمليات قصف صواريخ المقاومة للكيان الصهيوني.
الهدف الإعلامي القذر والإجرامي هنا هو أن يبقى الناس في حالة إحباط ويأس، حتى يصل المشاهد لقناعة تامة في نفسه أنه لا يمكن مواجهة ومقاومة الاحتلال الصهيوني، ويجعلوا المشاهد يستنتج ألا طاقة لأحد في مقاومة العدو الصهيوني، وأن على الكل مهادنته والاستسلام له لأنه الأقوى والأكثر فتكا.
أما الحقيقة فتقول إن العدو الصهيوني هو الأكثر إجراما وفشلا وهزيمة، وأن كل مشاهد الدمار والخراب في غزة إنما الهدف منها أن ينسى المشاهد والمتابع أن هناك مقاومة فلسطينية حرة وقوية ولديها صواريخ صنعتها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأطلقتها من الداخل الفلسطيني، وأن هناك رجالاً وعقولاً وسواعد لدى المقاومة أسقطت نظرية "الجيش الذي لا يُقهر"، وقتلت وأسرت وجرحت الآلاف منهم، وأثبتت للعالم أن "القبة الحديدية" الصهيونية أفشل نظام دفاعي على وجه الأرض، وأن خلف كل هذا الإجرام والدمار والخراب الذي يقوم به كيان العدو الصهيوني مشهد واحد وصورة واحدة هما مشهد وصورة سقوط هذا الكيان.
لذلك، فإن دعم المقاومة الفلسطينية، ومحور المقاومة بأكمله، له ألف سبب وسبب، وإن لم يكن سياسيا، وإن لم يكن بسبب أمنك الديني والوطني والقومي، فليكن لأسباب إنسانية في ظل الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني حتى من قبل وجود حركة حماس من الأصل؛ لأن ما يحدث الآن مرتبط بفعل أن المقاومة موجودة منذ عقود، ومعرفة ذلك ليست بحاجة لإيضاح.
الكل بحاجة لقراءة بسيطة للتاريخ والأحداث والوقائع وستتضح الصورة الحقيقية والمشهد الحقيقي. لذلك على من لديه اليوم فكرة مفادها أن تتوقف المقاومة عن دورها في مواجهة وقتال العدو الصهيوني سيؤدي لتخفيف العبء عن الشعب الفلسطيني، نقول لهم إنها فكرة غير صحيحة ويدحضها التاريخ والحاضر.
انظروا للصورة والمشهد الذي يخفيه الإعلام الكاذب والتضليلي، وكفوا عن مطالبة الضحية بضبط النفس، وهي لا تسعى في الحقيقة سوى إلى نيل جزء بسيط من حقوقها، ولا تقولوا إن القوة غير متكافئة، فلم تكن قوة اليمن متكافئة مع أكبر ترسانة من المال والسلاح والإعلام في العالم، ولم تكن القوة متكافئة في حرب فيتنام التي مرغت أنف أمريكا في الوحل.
الوعي اليوم هو أن المطالبة بالحق ضرورة، والتهرب منه خيانة لله وللذات والأرض والأمة والإنسانية، فإن لم تستطع أن تكون إنسانا وترى الصورة والمشهد الحقيقي في قطاع غزة، فعلى الأقل لا تعلن سطحيتك وسذاجتك و"هبالتك"، وأنك تتبع الكذب والتضليل والخداع الإعلامي، ولا تفتخر بذلك باعتباره وعياً فائقاً للنضال الآمن؛ لأن هذا النضال ليس سوى "نضال التطبيع".

أترك تعليقاً

التعليقات