عبدالفتاح حيدرة

عبدالفتاح حيدرة / لا ميديا -

المحاضرة الـ17 من سلسلة محاضرات السيد القائد الرمضانية، تحدث فيها السيد عن ذكرى غزوة بدر الكبرى، وتسميتها في القرآن بيوم الفرقان، وهذه التسمية القرآنية لها دلالات كبيرة، بعد أن حدثت هذه المعركة عقب تحديات كبيرة ومعاناة حقيقية وظروف عصيبة لنشر الإسلام والرسالة السماوية المحمدية، حتى جاءت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله إلى المدينة لبناء مجتمع جديد، بعد تأكد حالة التعنت وعدم القبول لهذه الرسالة في البيئة التي حول مكة، ورفضها لدين الله ونشر هداه.
إن عملية الاستفادة والوعي من دروس غزوة بدر لها وظائف وأهداف، منها أنها تصحح الرؤى التحليلية للوضع العام، وتحدد بدقة طبيعة الصراع مع الاعداء والأصدقاء والحلفاء والخصوم، وتؤكد على مبدئية الحق والثبات عليه وآفاقه وحدود العلاقات داخله، وهذه الدروس تستدعي منا العمل اليوم وفي واقعنا هذا على تنظيف صفوفنا من المحبطين والمثبطين واليائسين والمنعزلين، وكل من ابتعد وحايد عن ساحة الصراع من القيادات الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية والعسكرية.
كان تحرك النبي لغزوة بدر يحمل روحية الرسالة بتعزيز التوكل والاعتماد على الله وتنمية مكارم الأخلاق، وبقوة في الموقف والثبات والصمود، وتكللت هذه الجهود في المدينة لتثبيت دين الحق وتحرره واستقلاله والتزامه بدين الله، وبمقابل كل التحديات امتلك النبي عوامل القوة بالرشد وقوة البيان والأخلاق والحق والروح العالية بالتوكل على الله، دفعت به إلى أكبر عملية للتغيير الثوري عرفته البشرية، وعملية الاستفادة من هذه الدروس وهذه الانطلاقة تؤكد على جوهرها الإيجابي، وترفض تماما إشاعة اليأس والسلبية، كما لا تقبل بأية حال من الأحوال المشاركة في حملات التشويه غير الأخلاقي لأي فرد أو جماعة أو حزب أو شخص يدفع بنا لمعرفة هدى الله ورسالته للتحرر والاستقلال.
من الخطوات التي عملها أعداء الرسالة السماوية في مكة، إنشاء تحالفات واسعة لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وحصاره وعزله في المدينة، فكان الصراع مع هذه التحالفات حتمية في ذهنية النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وهنا يأتي الدرس المهم الذي علمنا إياه رسولنا الكريم لمواجهة أعداء دين الله ومخططاتهم وتحالفاتهم، والواقع الآن يشهد بسعي الأعداء للسيطرة على الأمة الإسلامية واستهدافها في كل شيء وعلى كافة المستويات والأصعدة، فكان انطلاق مسيرة وحركة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله، بالتوكل على الله والإيمان به وأخلاق وقيم رسالة الله، وليس بالقوة المالية والعسكرية.
الدرس من غزوة بدر هو أن الجهاد في سبيل الله ليس عبئا علينا، ولكنه الحل للتحرر والاستقلال من هيمنة وسيطرة وظلم وإجرام الدول الاستكبارية، وعلينا أن ننظر هذه النظرة الإيجابية على أساس الاقتداء برسول الله، ومن هنا نتطلع إلى أن يوم الفرقان يوم أسس لمرحلة جديدة ونقلة جديدة، والانتصار هنا غيَّر النظرة عن الناس للإيمان بنصر الله على القوة والإمكانات المادية التي يمتلكها العدو، وشكل الانتصار في معركة بدر الضربة القوية بالذات لمن أيدوا أعداء الدين وخصوصاً قريش.
آثار الانتصار في غزوة بدر ودروسه في خلفيات المعركة إيمانيا وفكريا وسياسيا واقتصاديا، مستمرة إلى يومنا هذا، فقد كانت إرادة الله أن يظفر المسلمون بالجيش الذي خرج يقاتل، وليس بالقافلة التجارية، وإيجابية الأولوية للمواجهة بالصراع العسكري في القرآن الكريم هو كسر الظلم والقهر والاستعباد، وهو أعظم ما في الرسالة الإلهية التي جاءت أصلا لتعزيز الأخلاق والقيم والتحرر والاستقلال، وهذا ما تحرك عليه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإيمان وثقه بالله في غزوة بدر.

أترك تعليقاً

التعليقات