خطر الطلقاء
 

عبدالفتاح حيدرة

عبدالفتاح حيدرة / لا ميديا -

40 سنة من عمري، 20 سنة منها قضيتها في البحث والإعلام والثقافة والقراءة والكتابة، من منطلق فكري حداثي وصحفي علماني ويساري، غرقت خلالها في كتب ماركس ونظريات الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، وكانت كل محاولاتي البسيطة والكثيرة لتكييف كل تلك المعرفة في إطار إيجاد عملية توافقية بين تلك النظريات وعادات وقيم المجتمعات العربية والإسلامية.
لجأت بعد ذلك لقراءة كتب الاشتراكي التونسي حسين الصافي وكتب اليساري الإيراني علي شريعتي، لأحصل على ذلك الرابط، ولكنني فشلت أيضاً، ولم أصل لقناعة تربط تلك النظريات العالمية باحترام عقلية وضمير وعادات وتقاليد وتدين المتلقي العربي والإسلامي، وفجأة قررت متابعة محاضرات السيد القائد، وفيها وجدت ضالتي، وعيها وقيمها ومشروعها.
ولا أبالغ إذا قلت لكم إن محاضرة واحدة لمدة ساعة ونصف تقريباً للسيد القائد أمس بمناسبة عاشوراء، استطاعت أن تلخص بحث وعمل وقراءة وكتابة 20 عاماً، محاضرة لخصت الإشكالية والحروب والصراعات التي جمدت العقلية العربية والإسلامية، إنها وباختصار شديد هي إشكالية الصراع بين الحق والباطل، الحرب بين الوعي والضلال، الاشتباك بين القيم العليا والقيم الدنيا، المكيدة بين المشروع السوي والمشروع التضليلي. 
تلخيص لكيفية استيعاب وفهم العقل والضمير الإنساني للأساليب والطرق لمواجهة الحقد الدفين الذي يحمله تاريخ أهل الضلال والباطل وأصحاب القيم الدنيئة والمشاريع التضليلية لأهل الوعي والحق والقيم العليا والمشروع السوي، وأن النجاح في ذلك يبدأ أولاً باتباع منهجية المشروع السوي الأول، منهج المسيرة القرآنية لكتاب الله الذي لا يحتاج ولا يتطلب سوى أن يكون الوعي بهدى الله وعياً فردياً وشعبياً جماعياً، والتمسك بقيم وأخلاق كتاب الله تمسكاً فردياً وشعبياً كلياً.
إذا فهمنا البداية للصراعات والحروب، فهمنا العقيدة التي نواجهها، وفهمنا كيفية مواجهتها وتلافي أخطائها، فقد كانت حروب الطلقاء بقيادة أبي سفيان موجهة ضد الوعي بهدى الله ولقيم كتاب الله ولمشروع سنن الله في التغيير، حتى لا يتساوى به وبثروته وبمكانته العبد الحبشي بلال، بمعنى أو بآخر إن الحروب والصراعات هي حروب وصراعات فكرية، ووضع ثقالات على العقل حتى لا يفهم بداية الصراع، لأنه سوف يبدأ يفكر ويستوعب خبايا أهل الباطل والضلال والتضليليين.
إن التفكير الحر والتعبير الصريح عن مشروع المسيرة القرآنية، يكشف تضليل أصحاب السلطة والثروة، ويعري كافة القيم الخبيثة التي يستخدمها أهل الباطل لتجهيل المجتمعات والأمم، بينما في المقابل ينمي الوعي بهدى الله ومعرفة أوامر ونواهي الله روحية الفرد والمجتمع والدولة، ويؤسس لسلوك قيم المجتمع العليا والسامية المستمدة من كتاب الله، ويبني للفرد وللمجتمع وللدولة مشروع الهيبة والقوة والعزة والنصر والسيادة والاستقلال.
اليوم وللاستفادة من تضحية عاشوراء ولتجنب دسائس ومكائد الطلقاء، فإن الوعي الأول والأساسي هو أن يكون لدينا وعي وقيم ومشروع يمنح جميع اليمنيين حق التفكير الحر والتعبير الصريح والمنابر المتساوية لنشر ثقافة وعي وقيم ومشروع المسيرة القرآنية، حتى تتمكن المسيرة القرآنية من خلق مجتمع ثري بوعيه وقيمه بتعدد الرؤى والأفكار التي تمنحه الضمانة لمواجهة طلقاء الباطل والشر والتضليل والتجهيل.
إن وعي وقيم ومشروع محاضرة السيد القائد أمس ترسم الطريق السوي لعملية فهم عملية البناء والشراكة والمحاصصة، التي يجب أن تكون أولاً مع أصحاب الوعي والقيم والمشروع، والحذر الحذر من مشاريع الطلقاء ودسائسهم ومكائدهم، وهم الذين أصبحوا طلقاء بعد أن هزموا وانكشفوا وتعروا وقاتلوا لإخفاء هدى الله، وهدموا قيم المجتمع، وحاربوا مشروع بناء حرية واستقلال الفرد والمجتمع والدولة والوطن.
لنفهم ونعي وندرك أن نجاح دسائس الطلقاء ووصولهم للسلطة في بداية الدولة الإسلامية هو سبب الفتنة والضلال والتضليل والشر الذي نعيشه منذ 1400 عام وحتى اليوم، لنفهم ونعي وندرك أن مشروع المسيرة القرآنية اليوم لا يحتاج سوى الحذر من هؤلاء الطلقاء، والعائدين بعد الهزيمة وانتصار وعي هدى الله وقيم كتاب الله ومشروع سنن الله، ولا يتطلب منا الأمر سوى أن يكون السياسي اليمني لديه وعي كافٍ وقيم كافية ليكون مشروعه الأول هو أن الوعي بهدى الله يجب أن يكون وعياً فردياً وشعبياً جماعياً، وأن التمسك بقيم وأخلاق كتاب الله يجب أن يكون تمسكاً فردياً وشعبياً كلياً، قبل أن يبحث عن المحاصصة والشراكة مع الطلقاء الجدد.

أترك تعليقاً

التعليقات