عدوانية أمريكية بأجندات متناقضة
- هيثم خزعل الأحد , 17 نـوفـمـبـر , 2024 الساعة 11:57:07 PM
- 0 تعليقات
هيثم خزعل / لا ميديا -
إن الخطوة الرئيسية التي سوف تقدم عليها إدارة ترامب هي السعي إلى خفض عجز الموازنة، وبالتالي رفع التعرفة الجمركية على السلع المستوردة إلى حدودها القصوى. هذا يعني إطلاق العنان لموجة تضخم جديدة كبرى داخل الولايات المتحدة. أما الخطوة الثانية فستكون خفض الضرائب على الاستثمار بالتوازي مع إيقاف برامج الإعانة الاجتماعية.
مثل هذه السياسات ستفضي بالضرورة إلى ثورة اجتماعية داخل الولايات المتحدة. كما ستفضي إلى خنق الاقتصاد العالمي، بمنع الدولارات من التسرب إلى خارج الولايات المتحدة، وبالتالي هي نوع من الاشتراكية أو الحمائية الساعية إلى تعزيز الإنتاج الأمريكي بتحفيز رأس المال الصناعي الأمريكي واستحواذه على السوق الأمريكية التي تعتبر أكبر الأسواق العالمية قياساً بحجم الاستهلاك في ظل أزمة فائض الإنتاج التي يعاني منها العالم. وهذا سيخلق مشكلة للاقتصادات الصناعية في شرق آسيا وأوروبا والصين بالتحديد، كونها أبرز المصدرين إلى السوق الأمريكية؛ لكنه سيُغرق الولايات المتحدة في موجة تضخم كبرى، وهذا ما يبرر سعي ترامب للتحكم بالفيدرالي الأمريكي الذي يمثل رأس المال المالي المصرفي، وفلسفة هذا الرأسمال هي السعي لتحقيق الربح بغض النظر عن «المصلحة الوطنية»، حيث تبدو الولايات المتحدة مجرد جسر أو بالأدق أحد أهم جسور تحقيق هيمنة هذا الرأسمال على العالم.
كانت الحلول بالنسبة لإدارة بايدن، التي تمثل دوائر الرأسمال المالي في الولايات المتحدة والعالم، تقضي بهزيمة روسيا وإيران والصين وتفكيك هذه الدول والسيطرة على مواردها بالتوازي مع السعي لتفكيك البنى الاجتماعية التقليدية، من خلال الدعم غير المحدود لأجندة التحول الجنسي وإعادة تحديد الجنس والمثلية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني... هذه الخطوات كانت أجندة أيديولوجية لحرب تخوضها «الحكومة الغربية العالمية» للسيطرة على العالم، وهي اصطدمت بصمود روسيا في الحرب التي شُنت ضدها، كما اصطدمت في الاستحقاق الانتخابي الأمريكي الأخير بـ»التيار الأمريكي الوطني» أو المحافظ الذي صعد بدونالد ترامب إلى الواجهة.
إن المشكلة الرئيسية التي تواجه ترامب هي أن الولايات المتحدة ليست دولة معزولة عن العالم، وعملتها ليست عملة محلية، بل عملة عالمية، لذلك فإنه وفي سبيل صياغة مشروع وطني أمريكي حقيقي لا بد من التخلي عن الدولار كعملة عالمية، وهذا يعني التخلي عن الولايات المتحدة كإمبراطورية مهيمنة والقبول بعالم متعدد الأقطاب تكون فيه هذه الدولة قطباً لا إمبراطورية مهيمنة على العالم، وهذا السعي يصطدم بلوبي المصارف الأمريكية وبشركات تصنيع السلاح؛ وهما مدماكا رأس المال المالي الأمريكي.
إن المواءمة أو التوفيق بين المشروع الوطني الأمريكي والمشروع الإمبراطوري لن يكتب لها النجاح، وهذا يعني بالضرورة أن الوقت لن يطول قبل أن تنفجر الأزمة مجدداً في الولايات المتحدة.
بناء على ما تقدم، ينظر ترامب وتياره إلى الحرب في أوكرانيا من منظار براغماتي يتصل بنفقات الحرب وإيراداتها، فيما تأخذ الحرب في «الشرق الأوسط» أبعاداً أيديولوجية تتصل بأهمية «إسرائيل» عند قواعد التيار الأمريكي المحافظ، بينما تبقى الصين العدو الأبرز عند هذا التيار الساعي لإعادة أمريكا عظيمة مرة أخرى، فيما كانت الحرب على روسيا وإيران والصين تشكل ممراً إلزامياً لتيار رأس المال المالي ممثلاً بإدارة بايدن، في سعي هذا التيار للسيطرة على العالم.
كاتب لبناني
المصدر هيثم خزعل
زيارة جميع مقالات: هيثم خزعل